شبهات وردود

زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه كان يتهم أبا هريرة بعدم العدالة

الشبهة الخامسة عشر

زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه كان يتهم أبا هريرة بعدم العدالة استنادًا إلى قول عمر لأبي هريرة رضي الله عنهما: " يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ الْإِسْلَامِ خُنْتَ مَالَ اللَّهِ "

 

محتوى الشبهة:

من مطاعن الشيعة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولهم: أن عمر قال لأبي هريرة: " يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ الْإِسْلَامِ خُنْتَ مَالَ اللَّهِ ".

ويستدلون بما رواه الحاكم بسنده: " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ الْإِسْلَامِ خُنْتَ مَالَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: لَسْتُ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَا عَدُوَّ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَمْ أَخُنْ مَالَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا أَثْمَانُ إِبِلِي، وَسِهَامٌ اجْتَمَعَتْ. قَالَ: فَأَعَادَهَا عَلَيَّ وَأَعَدْتُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامَ، قَالَ: فَغَرَّمَنِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، قَالَ: فَقُمْتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَادَنِي عَلَى الْعَمَلِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَلِمَ وَقَدْ سَأَلَ يُوسُفُ الْعَمَلَ وَكَانَ خَيْرًا مِنْكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ، ابْنُ نَبِيٍّ، ابْنِ نَبِيٍّ، ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا ابْنُ أُمَيْمَةَ وَأَنَا أَخَافُ ثَلَاثًا وَاثْنَتَيْنِ قَالَ: أَوَلَا تَقُولُ خَمْسًا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: «أَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَأَنْ يُشْتَمَ عِرْضِي، وَأَنْ يُؤْخَذَ مَالِي بِالضَّرْبِ» هَذَا حَدِيثٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ"([1]). ذكر ذلك الطبري الشيعي في كتابه (المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: شهرة أبي هريرة رضي الله عنه بالأمانة أمر معلوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند عمر رضي الله عنه وعند الأمة. 

فمن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين؛ لينشر الإسلام، ويفقه المسلمين، ويعلمهم أمور دينهم، فحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفتي الناس"([3]).

وروى الصالحي الشامي في (سبل الهدى والرشاد): " وكتب - عليه الصلاة والسلام - إلى المنذر بن ساوى كتابا آخر: «أما بعد: فإني قد بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك والسّلام. "([4]).

فلو لم يكن أبو هريرة t أمينًا لما استأمنه النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات، بل وأرسله مرتين إلى البحرين للفتيا وجمع الصدقات.

أما أمانته عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فواضحة من توليته على البحرين، ثم بعد هذه القصة أراد توليته مرة أخرى، وهذا في نفس رواية الحاكم: "فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَادَنِي عَلَى الْعَمَلِ". فهذا دليل واضح أنه يعرف أمانة أبي هريرة t. 

والمتأمل في مثل هذه الروايات وغيرها مما ذكر في قصة عزل أبي هريرة عن البحرين يجد أن سبب عزل عمر بن الخطاب لأبي هريرة هو اشتغاله بالتجارة وكسبه بعض المال الذي يستطيع أن يكسبه أي شخص، ولم يجمع أبو هريرة ماله الصغير هذا عن طريق الرشوة، أو عن طريق سوء استغلال سلطته.

ثانيًا: عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يترك الصحابة في أعمالهم على الولايات، وكانت هذه سياسته t المتميزة في الحكم، متابعة الولاة والعمل، ومساءلتهم لأدنى ما يُرفع عنهم، أو يقال ضدهم، مهما علت مراتبهم، وسمت منازلهم في السبق إلى الإسلام، والفضل فيه؛ لذا نراه يحاسب أبا هريرة ويحاسب من هو دونه، ومن هو أعلى منه في مراتب الصحبة والفضل، کسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد السابقين الأولين للإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومجابي الدعوة منهم، وكان عمر رضي الله عنه قد عزله عن إمرة الكوفة، وقال بعد ذلك في وصيته لأهل الشوری: "فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ، وَلاَ خِيَانَةٍ..."([5]).

فمساءلة عمر بعض ولاته سياسة منه، وليست بالضرورة إدانة لمن يعزلهم، وعليه فإن عزل عمر بن الخطاب t لعماله من الصحابة وعزله لأبي هريرة رضي الله عنه لم يكن عن تخوين، وإنما من باب الحرص والشدة المحمودة.

ثالثًا: مشاطرة عمر لأبي هريرة ماله ليس تخوينًا، وإنما هو احتياط وتخوف على أصحابه من أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال؛ لتبرأ ذممهم، ثم يعطيهم بعد ذلك من بیت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حلاً لهم بلا شبهة.

قال شيخ الإسلام: "وَكَذَلِكَ مُحَابَاةُ الْوُلَاةِ فِي الْمُعَامَلَةِ مِنْ الْمُبَايَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ نَوْعِ الْهَدِيَّةِ؛ وَلِهَذَا شَاطَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t مِنْ عُمَّالِهِ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ وَدِينٌ لَا يُتَّهَمُ بِخِيَانَةِ؛ وَإِنَّمَا شَاطَرَهُمْ لَمَّا كَانُوا خُصُّوا بِهِ لِأَجْلِ الْوِلَايَةِ مِنْ مُحَابَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَمْرُ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ"([6]).

رابعًا: الشيعة يحتجون برواية فيها أن عمر ضرب أبا هريرة، ولم يصح في ذلك شيء وفي هذه الرواية يقول: "ثم قام إليه بالدّرّة فضربه حتى أدماه"([7]). فهذه الرواية التي استشهدوا بها خالية من السند.

ومما يدحض تلك الرواية: ما رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَعَاهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ: أَتَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ عَمِلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ؟ - أَوْ قَالَ: قَدْ طَلَبَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ-؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: يُوسُفُ u، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يُوسُفُ نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، فأخشى ثلاثًا أو اثنتين. فَقَالَ عُمَرُ: أَفَلَا قُلْتَ خَمْسًا؟ قَالَ: أَخْشَى أن أقولَ بغير علم، وأقضى بغير حلم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي"([8]).

والخلاصة: أنه لو كان عمر بن الخطاب ر يشك في أمانة أبي هريرة t لما طلب منه توليته مرة أخرى بعد عزله، ولأخذ منه ماله كله ولم يبق له شيئًا، ولأوقع عليه عقوبة الإخلال بأمانة الوظيفة، ولكن أبا هريرة قد حصل على ماله من تجارته وكسبه الحلال، وقد ثبت ذلك عند عمر والصحابة وتحققوا منه.

وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتاط ويتخوف على أصحابه من أن يكون الناس صانعوهم، فكان يأخذ من مالهم ويضع في بيت المال؛ لتبرأ ذممهم، ثم يعطيهم بعد ذلك مالاً بقدر استحقاقهم له، فيكون حلا لهم بلا شبهة.

خامساً: أمور الغضب بين الأقران لا يمكن أن تؤخذ على ظاهرها؛ ولذلك نقول: إن غضب عمر رضي الله عنه شبيه بغضب موسى على أخيه هارون عليهما السلام وهو غضب لنصرة الحق.

قال الله تعالى عن حال موسى وهارون عليهما السلام: { قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94]، وقال تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150]، يقول الشريف المرتضى: "ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى وأخيه عليهما السلام ما يقتضي وقوع معصية ولا قبيح من واحد منهما، وذلك أن موسى عليه السلام أقبل وهو غضبان على قومه لما أحدثوا بعده مستعظمًا لفعلهم مفكرًا منكرًا ما كان منهم، فأخذ برأس أخيه وجره إليه كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر، ألا ترى أن المفكر الغضبان قد يعض على شفيته ويفتل أصابعه ويقبض على لحيته؟ فأجرى موسى عليه السلام أخاه هرون مجرى نفسه"([9]).

قلت: فليقال فيما قاله عمر في أبي هريرة وقت الغضب، كما قيل في توجيه فعل موسى وهارون أم أنه الكيل بمكيالين؟!

 

سادساً: قد ورد في كتب الشيعة إقرار بطعون صدرت من أكابر علماء الشيعة في بعضهم، ومنها ما ذكره الجزائري عن قول المرتضى في الصدوق، حيث قال: "وأما المتقدمون فمنهم سيدنا الأجل المرتضى -قدس الله روحه- فإنه قال بعدما حكى كلام الصدوق: اعلم أن الذي حكيت عنه ما حكيت مما قد أثبتناه قد تكلف ما ليس من شأنه، فأبدى بذلك عن نقصه في العلم وعجزه، ولو كان ممن وفق لرشده لما تعرض لما لا يحسنه، ولا هو من صناعته، ولا يهتدي إلى معرفته، لكن الهوى مرد لصاحبه، نعوذ بالله من سلب التوفيق، ونسأله العصمة من الضلال، ونستهديه في سلوك نهج الحق ، وواضح الطريق"([10]).

وقال الكجوري: "وكذلك قال السيد المرتضى (رحمه الله): إن الصدوق كذوب في هذه المسألة"([11]).

ومع كل هذا الطعن انظر كيف برر نعمة الله الجزائري لهم، وقال: "وأما علم الهدى طاب ثراه، فهو وإن بالغ في التشنيع، ولكنه ليس من عدم علمه بجلالة الصدوق، أو أنه يعتقد ويعلم إن ما قاله في شأنه هو الواقع، نعم قد ذهب علماؤنا رضوان الله عليهم إلى تغليظ بعضهم بعضًا في مسائل الاجتهاد، ومن ذهب منهم إلى حكم من الأحكام تكلم عليه مخالفوه وطعنوا فيه وجرحوه ونسبوه إلى التخبط في العقل والفتوى حتى لا يتابعه أحد في تلك الحكم ويرون مثله واجبًا: وقد استثنوه من مسائل الغيبة، وادخلوه في الجائز منها مع أن هذه المسألة مسألة أصولية، فكيف لا يطعنون على المخالف لهم، فيها وإلا فالمرتضى ومن شاركه في التشنيع كشيخنا المفيد -أعلى الله مقامه- قد اعتمدوا على الصدوق في الأخبار والأحكام ونقلوها عنه واعتمدوا على نقله، فكيف يقبلونها منه وينسبونه إلى الخروج عن الدين؟ فليس الوجه إلا ما ذكرناه، وقد شاهد مثل هذا من أوثق مشايخنا وأورعهم وأتقاهم وأبعدهم من الأغراض والمنافسات"([12]).

فهذه تبريراتهم لسباب وتطاول وصل إلى الاتهام بالكفر والردة والضلال والكذب والخيانة، ومع ذلك فكل هذا له تبريراته الساذجة عندهم، أما إذا تعلق الأمر بأصحاب النبي r مع ظهور فضلهم حتى في نفس الرواية لا يقرون ولا يلتمسون أي عذر لهم.

قال ابن القيم: "كان الصحابة أعلم الأمة على الإطلاق، وبينهم وبين من بعدهم في العلم واليقين كما بينهم وبينهم في الفضل والدين"([13]).

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) المستدرك على الصحيحين، للحاكم (2/378). وقال عنه الذهبي: "على شرط البخاري ومسلم"، تلخيص الذهبي (3327).

([2]) (المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) (1/170).

([3]) أبو هريرة راوية الإسلام، محمد عجاج الخطيب (ص 86).

([4]) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (11/ 376).

([5]) صحيح البخاري (5/15).

([6]) مجموع الفتاوى (28/281).

([7]) ذكرها ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه (العقد الفريد) (1/44).

([8]) ابن كثير، البداية والنهاية (8/111).

([9]) تنزيه الأنبياء، الشريف المرتضى (ص: 115).

([10]) الانوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (4/ 28).

([11]) الخصائص الفاطمية، محمد باقر الكجوري (2/ 245).

([12])   الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (4/29).

([13]) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2/509).


لتحميل الملف pdf

تعليقات