الشبهة الواحد والثمانون
زعم الشيعة تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عاتكة بنت زيد دون رضاها
محتوى الشبهة:
قال عليٌّ الشهرستاني: "إنّ شدّة وغلظة عمر بن الخطّاب لا يمكن لأحد أن ينكرها، حتّى أن النساء كن يكرهن التزويج منه لنظرته الخاصة والخاطئة اليهن... وروى عليّ بن يزيد: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فمات عنها واشترط عليها ألا تتزوّج بعده، فتبتلت وجعلت لا تتزوج، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى.
فقال عمر لوليها: اذكرني لها، فذكره لها، فأبت على عمر أيضاً، فقال عمر: زوّجنيها، فزوجه إياها. فأتاها عمر، فدخل عليها، فعاركها حتّى غلبها على نفسها، فنكحها، فلمّا فرغ قال: أف، أُف، أف، أففّ بها، ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنّي سأتهيأ لك".
ثم قال زاعمًا ومدعيًّا: "لكن النص السابق يشير وبوضوح إلى أن عاتكة لم ترضّ بهذا النكاح، وأنّ عمر أكرهها على ذلك وتجاوز عليها بدون أذنها؛ لأنّه دخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الحديث رواه ابن سعد في طبقاته قال: "أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدٍ..."([2]).
وهذا السند فيه علتان:
علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. قال ابن حجر: "وعلي بن زيد متفق على سوء حفظه"([3]).
بل قال عنه ابن سعد الذي روى الرواية محل الشبهة: "عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ.. وَكَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ"([4]).
الانقطاع بين علي بن زيد وعاتكة بنت زيد: فعاتكة توفيت سنة إحدى وأربعين([5]).
وعليُّ بن زيد بن جدعان توفي في عام 131 هـ. قال ابن حبان في ترجمته:" مَاتَ بعد سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة وَقد قيل سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة"([6]).
والحادثة -لو صحّت- فقد كانت عام 12 هـ، إذ إن زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في هذه السنة ([7]).
فبين الحادثة -على فرض صحتها - وبين مولد علي بن زيد بن جدعان تقريباً 50 سنة!! وبين وفاةِ عاتكة وبين مولد علي بن جدعان قريباً من عشر سنين!!
قال ابن عساكر: "علي بن زيد بن جدعان يضعف فيما رواه عمَّن أدركه، فكيف بما رواه عمّن لم يدركه؟"([8])؛ لذلك قال المتقي الهندي بعد إيراده لهذا الحديث: "ابن سعد، وهو منقطع"([9]).
ثانيًا: أن عاتكة بنت زيد رضي الله عنها هي: إحدى زوجات عمر بن الخطاب، وذكر هذا من ترجم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا لا ينكره أحد!
قال ابن عبد البر: وتزوّجها عمر بن الخطاب في سنة 12هـ فأولم عليها ودعا أصحاب رسول الله رضي الله عنه وفيهم علي بن أبي طالب"([10]).
وهذا الزواج اعترفت به حتى مصادر الشيعة، يقول المجلسي: "عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فخلف عليها عمر، ثم الزبير"([11]).
ثالثًا: أن ذلكم الفعل (وهو عراك عمر لعاتكة) كان بعد عقد الزواج، حيث قال في الأثر (فزوّجه)، يعني أنه عارك زوجته، وليست أجنبيّة عنه.
رابعًا: من أسباب رفض عاتكة أن يُدخل عليها تلك الليلة - التي غالبها فيها عمر- نفهمه من آخر الأثر، حيث قالت عاتكة لعمر بن الخطاب: (تعال فإني سأتهيأ لك)، فالمسألة هي في التهيؤ والاستعداد الكامل لليلة العرس، ولو كانت لا تريده لم تَدْعُه، ولم تهيئ نفسها له والخوف من اليوم الأول من العرس والرهبة منه، موجود ومعروف عند جميع الناس.
خامسًا: أن عاتكة بنت زيد، كانت تحب عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. روى الإمام مالك عن يحي بن سعيد: "أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يَنْهَاهَا ([12])".
وكذلك روى هذا الأثر: ابن سعد في (الطبقات) في نفس الموضع([13]).
ومن ذلك أيضاً: أنها قد شرطت عليه عند عقد النكاح ألا يمنعها المسجد للصلاة فيه، وكانت تقول بعد الزواج: لو منعتني لاستجبتُ!
جاء في موطأ مالك: "عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَسْكُتُ، فَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إِلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي فَلَا يَمْنَعُهَا"([14]).
سادساً: سبب رفضها الأول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ هو أنها كانت تحبُّ زوجها الأول: عبد الله بن أبي بكر، وقد كان هو في المقابل متيّمًا بها، ويحبّها حبًّا شديدًا، فاتّفق معها - قبل وفاته - أنه لو مات: لا تتزوّج بعده وآلت هي - أي: حلفت- ألا تتزوّج بعده كذلك، ولذلك كانت تقول:
فآليتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً ***** عليكَ ولا ينفكُّ خديَ أغبرا
فمن الطبيعي لو جاءها أحد -ومنهم عمر بن الخطاب- ألا تقبله، ولكنَّ عمر قد رغب بها، فأعاد الكرة على وليّها، فقبلت به.
ولذلك جاءت الأخبار: أن عائشة - أخت الزوج الأول: عبد الله - قد طلبت المال الذي قد أعطاه إيّاها شرطًا لكي لا تتزوّج بعده([15]).
ومن المعروف في الشريعة: أن المرء لو حلف على يمين فوجد غيرها أحسن منها، فإنّه يكفّر عين يمينه السابقة، ويأتِ الذي هو خير.
ومعلومٌ أن الزواج خيرٌ من العزوبة والانقطاع، فما بالك بالزواج من ابن عمّها؟ فضلاً عن كونه من أخيار الصحابة ومقدَّميهم!
سابعاً: اتّهام الشيعة لآل البيت بالاغتصاب والفاحشة، فقد قالوا: إن زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، كان اغتصاباً وبالإجبار، ورووا في ذلك حديثًا نسبوه لجعفر الصادق، يقول فيه عن زواجهم: "ذاك فرجٌ غصبناه"([16]). قال المجلسي عن الحديث:" حديث حسن"([17]).
فكيف يُتَّهم علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم وحاشاه بهذا الضعف والخوف! ويترك ابنته تغتصب من رجلٍ كافرٍ عندهم! سبحانك ربي.. هذا بهتان عظيم.
فالحديث فيه طعن في عليّ بن أبي طالب أكثر ما هو طعن في عمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ لأنه يلزم على هذا وقوع الزنا في عرضه وحاشاه.
يقول الميرزا أبو الحسن الشعراني: "وذكر بعض مشاهير أهل الحديث لا أحبّ ذكر اسمه شيئا أفحش وأشنع ممّا روي في هذا الخبر، وهو إنّ نكاح أمّ كلثوم لم يكن صحيحًا في ظاهر الشرع أيضاً، ولكنّه وقع للتقيّة والاضطرار؛ فإنّ كثيرًا من المحرّمات تنقلب عند الضرورة أحكامها، إلى آخر ما قال، وأنا لا أرضى بأن أنسب الزّنا إلى ذرّيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا للتقيّة ولا للضرورة، وإن لزم منه كفر جميع المسلمين وإيمان جميع الكفّار...، ولا أستطيع أن أقول رضى عليه السلام بأن يسلّم ابنته للزّنا تقيّة واضطرارا، ولا أظنّ أن يلتزم به عاقل مطّلع على صفاتهم ومكارم أخلاقهم"([18]).
فالقول أن هذا الزواج كان بالإكراه والإجبار، وأن عليًّا رضي الله عنه وافق تقية، يلزم منه وقوع فاحشة الزنا في عرضه، وحاشاه حسب تقرير الشعراني.
وورد في كتب الرافضة أيضًا: أن الإمام موسى الكاظم زوجه أبوه من ابنة عمه دون رضاه، ورغما عنه، حتى أنه كان يتسلق جدار البيت ويهرب منه لئلا يجتمع بها.
روى الكليني في (الكافي): بسنده عن خطاب بن سلمة قال: "كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر، وكان أبوها كذلك، وكانت سيئة الخلق، فكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها، فلقيت أبا الحسن موسى عليه السلام، وأنا أريد أن أسأله عن طلاقها، فقلت: جعلت فداك إن لي إليك حاجة فتأذن لي أن أسألك عنها، فقال: ايتني غدًا صلاة الظهر قال: فلما صليت الظهر أتيته فوجدته قد صلى وجلس، فدخلت عليه وجلست بين يديه، فابتدأني فقال: يا خطاب كان أبي زوجني ابنة عم لي، وكانت سيئة الخلق، وكان أبي ربما أغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها، فأتسلق الحائط وأهرب منها، فلما مات أبي طلقتها، فقلت: الله أكبر أجابني، والله عن حاجتي من غير مسألة"([19]).
فكيف يجوز للإمام المعصوم أن يزوج ابنه الإمام المعصوم من امرأة لا يريدها، بل كانت سيئة الخلق؟
وبم نفسر هروب الإمام منها ومن لقائها؟ بل سارع إلى تطليقها بمجرد وفاة أبيه؟
والحمد الله رب العالمين
([1]) زواج أم كلثوم، علي الشهرستاني (ص 56).
(([2] الطبقات، ابن سعد (8/ 265).
([3])الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (8/394).
([4] (الطبقات، ابن سعد (7/252).
(([5] البداية والنهاية، ابن كثير (8/26).
([6]) المجروحين، ابن حبان (2/103).
([7]) الاستيعاب، ابن عبد البر (13/74)، تاريخ الطبري (3/385)، البداية والنهاية، ابن كثير(6/353).
( ([8]تاريخ دمشق، ابن عساكر(1/358).
([9])كنز العمال، المتقي الهندي (13/633).
([10] (الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر (4/1878).
([11])بحار الأنوار، المجلسي (32/336).
([12]) الموطأ، الإمام مالك بن أنس (1/292).
([13]) الطبقات، ابن سعد (8/365).
([14]) الموطأ، الإمام مالك بن أنس (1/198).
([15]) انظر مثلاً: الإصابة، ابن حجر (13/33)، البداية والنهاية، ابن كثير(8/23).
([16]) الكافي، الكليني (5/346).
([17]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (20/42).
([18]) الوافي، الفيض الكاشاني (21/108-109).
([19]) الكافي، الكليني (6/55).
لتحميل الملف pdf