الشبهة الثالثة والثلاثون
زعم الشيعة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضع يده في دبرة البعير.
محتوى الشبهة:
قال الشيعة بأنه قد وردت روايات في كتب أهل السنة تقول بأن عمر رضي الله عنه كان يضع يده في دبرة البعير، وهذا في (تاريخ الخلفاء للسيوطي)، و(الطبقات الكبرى)([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الأثر أخرجه ابن سعد: "أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دَبَرَةِ الْبَعِيرِ وَيَقُولُ: إِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ أُسْأَلَ عَمَّا بِكَ"([2]).
هذا الأثر لا يصح، وعلته الانقطاع بين عمر وسالم بن عبد الله بن عمر. فقد قال الذهبي عن سالم بن عبد الله ابن عمر: "مَوْلِدُهُ: فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ"([3]).
ثانيًا: لو تنزلنا وقلنا بصحة الأثر ففيه مدح عظيم لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك؛ لأنه يخاف من الله تعالى من أن يسأله عن جرح البعير، فيخاف من التقصير في حق بعير، فما بالكم بعدله وحرصه على الإسلام والمسلمين؟
ودبرة البعير ليس كما يروج الشيعة أنه دُبُر البعير، وإنما هو الجرح في البعير.
قال ابن منظور: "والدَّبَرَةُ، بِالتَّحْرِيكِ: قَرْحَةُ الدَّابَّةِ وَالْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ دَبَرٌ وأَدْبارٌ مِثْلُ شَجَرَةٍ وشَجَرٍ وأَشجار. ودَبِرَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يَدْبَرُ دَبَراً، فَهُوَ دَبِرٌ وأَدْبَرُ، والأُنثى دَبِرَةٌ ودَبْراءُ، وإِبل دَبْرَى، وَقَدْ أَدْبَرَها الحِمْلُ والقَتَبُ، وأَدْبَرْتُ الْبَعِيرَ فَدَبِرَ؛ وأَدْبَرَ الرجلُ إِذا دَبِرَ بَعِيرَهُ، وأَنْقَبَ إِذا حَفِيَ خُفُّ بَعِيرِهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذا بَرَأَ الدَّبَرُ وَعَفَا الأَثَرُ؛ الدَّبَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْجُرْحُ الَّذِي يَكُونُ فِي ظَهْرِ الدَّابَّةِ"([4]).
وقد اعترف بذلك الشيعة في كتبهم.
قال الحلي: "فإن عجزت الدابة أو دُبِرَتْ. قال الشارح: دبرت الدابة أي أصابتها القرحة"([5]).
وجاء في (معجم ألفاظ الفقه الجعفري): "الدبرة: القرحة الجلدية في الحيوان"([6]).
وقال محمد فاضل المسعودي: "احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام على القوم لمّا منعوها فدك... فدونكموها فاحتقِبوها دَبِرَةَ الظَّهر".
قال في (الهامش): "الدبر، بالتحريك: الجرح في ظهر البعير، وقيل: جرح الدابة مطلقاً"([7]).
ثالثًاً: إدخال يد الرجل في دبر البعير لعلاجه أشنع، أم إدخال الذكر في أدبار النساء؟! وقد أجمع الشيعة على جواز وطء المرأة في الدبر، كما نص على ذلك الشريف المرتضى([8]).
وذكروا أن من صفات الشيعي أنه يعمل عمل قوم لوط.
فقد روى الصدوق بإسناده عن أَبِي إِسْحَاقَ اللَّيْثِيِّ قَالَ:" قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (ع) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَبْصِرِ.... قُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ مِنْ شِيعَتِكُمْ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَيُخِيفُ السُّبُلَ، وَيَزْنِي وَيَلُوطُ، وَيَأْكُلُ الرِّبَا، وَيَرْتَكِبُ الْفَوَاحِشَ، وَيَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَيَقْطَعُ الرَّحِمَ، وَيَأْتِي الْكَبَائِرَ فَكَيْفَ هَذَا"([9]).
والطامة أنهم جاءوا برواية خلاصتها أن الشيعي إذا فعل تلك الجريمة فإنه لا يعاقب في النهاية ولا يقام عليه حد.
في (عيون المعجزات): "حدثني أبو التحف قال: حدثني سعيد بن مرة يرفعه برجاله الى عمار بن ياسر أنه قال: كان أمير المؤمنين (ع) جالسًا في دار القضاء، فنهض إليه رجل يقال له صفوان بن الأكحل، وقال: أنا رجل من شيعتك وعلي ذنوب، وأريد أن تطهرني منها في الدنيا لأرتحل الى الآخرة وما علي ذنب، فقال (ع): قل لي بأعظم ذنوبك ما هي؟ فقال: أنا ألوط بالصبيان.
فقال: أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو أقلب عليك جداراً أو أضرم لك ناراً، فان ذلك جزاء من ارتكب ما ارتكبته؟ فقال: يا مولاي احرقني بالنار. فقال (ع): يا عمار اجمع له ألف جزمة من قصب فأنا أضرمه غدا بالنار. وقال للرجل امض وأوص. قال فمضى الرجل، وأوصى بما له وعليه وقسم أمواله بين أولاده وأعطى كل ذي حقه ثم بات على باب حجرة أمير المؤمنين بيت نوح (ع) شرقي جامع الكوفة، فلما صلى أمير المؤمنين (ع) وانجانا به من الهلكة، قال: يا عمار ناد في الكوفة اخرجوا وانظروا كيف يحرق علي رجلا من شيعته بالنار. فقال أهل الكوفة: أليس قالوا أن شيعة علي ومحبيه لا تأكلهم النار؟ وهذا رجل من شيعته يحرقه بالنار؟ بطلت إمامته. فسمع ذلك أمير المؤمنين (ع).
قال عمار: فأخرج الإمام الرجل وبنى عليه ألف حزمة من القصب، وأعطاه مقدحة وكبريتا. وقال له: اقدح واحرق نفسك، فإن كنت من شيعة علي وعارفيه، ما تمسك النار، وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك، وتكسر عظمك. قال: فقدح النار على نفسه، واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب كتان أبيض، لم تعلقها النار، ولم يقربها الدخان، فاستفتح الإمام وقال: كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانًا مبينًا. ثم قال: أنا قسيم الجنة والنار، شهد بذلك لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة"([10]).
النتيجة أن الشيعي إذا عمل تلك الجريمة الشنيعة فإنه لا يعاقب عند الشيعة، وكونه شيعيًّا، فإن ذلك شافع له من الحد والعقوبة في الدنيا والآخرة.
يقول سعيد أبو معاش: "أقول: وهذا الحديث يذكّرني بما جَرى على الخليل وابتلائه بنار نُمرود التي ذكرها اللَّه عزّ وجل في كتابه بقوله عز من قائل: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]؛ لأنّه من شيعة عليّ ، والنار لا تمسّ بدنَه الشريف، وقد نصّ القرآن الكريم على تشيّعِهِ بقوله ¸: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83]([11]).
إذًا النتيجة أن الشيعي لا يعاقب إذا عمل عمل قوم لوط، ولا شيء عليه.
ولذلك رووا عن أبي جعفر ’ قال: "قيل: أيكون المؤمن مبتلى؟ قال: نعم، ولكن يعلو، ولا يعلى"([12]).
ونحن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، نحن نُبرء كل مؤمن من هذا الفعل الشنيع، الذي عاقب الله عليه في كتابه اشد عقوبة.
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) تاريخ الخلفاء للسيوطي (1/ 139)، والطبقات الكبرى (3/286).
([2]) الطبقات الكبرى ط العلمية (3/217).
([3]) سير أعلام النبلاء (4/457).
([4]) لسان العرب (4/273-274).
([5]) حاشية الجامع للشرائع، الحلي (ص368).
([6]) معجم ألفاظ الفقه الجعفري، أحمد فتح الله (ص187).
([7]) الأسرار الفاطميّة، محمد فاضل المسعودي (ص492).
([8]) انظر: الانتصار، للشريف المرتضي (ص298).
([9]) علل الشرائع، للشيخ الصدوق (2/606).
([10]) عيون المعجزات، حسين بن عبد الوهاب (ص30).
([11]) فضائل الشيعة (1/47).
([12]) بحار الأنوار، المجلسي (76/69).
لتحميل الملف pdf