قالت الشيعة: «قد ذكرنا أن القوم لم يستشهدوا -في زعمهم- أن عائشة بيضاء جميلة، بأحد ممن رآها ووصفها على هذه الصفة معاينة، وإنما بنوا زعمهم هذا على تفسيرهم المغلوط للفظة (الحميراء)، غير أنا وجدنا في جملة رواياتهم رجلًا ادَّعى رؤيته لعائشة، مع أنهم يحكمون على روايته هذه بالوضع، وهو المعمِّر علي بن عثمان بن خطاب، الذي يُقال: إنه عاش ما يزيد على ثلاثمائة سنة؛ لأنه قد شرب من عين الحياة! ومهما يكن فإن هذا المعمِّر قال إنه رأى عائشة، وكانت بيضاء! فحري بالمخالفين أن يلتفتوا إلى هذه الرواية التي تفيدهم في إثبات مطلوبهم، فلعلهم يقوونها بنحو من المعالجات الروائية، فالرجل وحده يصرح برؤيته لعائشة البيضاء الجميلة.
غير أنهم لو فعلوا للزمهم ألَّا يبتروا -كعادتهم- رواية الرجل، وأن يتحمَّلوا الأوصاف الأخرى التي وصف بها عائشة وإن كانت لا تروق لهم، فقد قال: «رأيت عائشة طويلة بيضاء، بوجهها أثرُ جدري، وسمعتها تقول لأخيها محمد يوم الجمل: أحرقك الله بالنار في الدنيا والآخرة»([1]).
فليهنأ المخالفون بأمهم البيضاء الطويلة، وليبتدعوا مقاييس جديدة للحسن والجمال؛ لأن وجود أثر الجدري في وجه امرأة مهما بلغ بياضها فإنه يُقَبِّحُهَا، ويجعلها منفِّرة بشعة كالحية الرقشاء المطرقة.
وقد قالت أم سلمة لعائشة -ضمن كتاب أرسلته إليها تحذرها فيه من مغبة تمرُّدِها على أمير المؤمنين -: «ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله ق لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة! والسلام»([2]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: فساد دعوى عدم المعاينة، والاعتماد فقط على لفظ حميراء.
ادَّعى الرافضي أن أهل السنة لم يستشهدوا على جمالها ل بمعاينة أحد أو وصفه لها، وإنما بُني القول بالجمال على تفسير لفظة الحميراء! «القوم لم يستشهدوا -في زعمهم- أن عائشة بيضاء جميلة بأحد ممن رآها ووصفها على هذه الصفة معاينة، وإنما بنوا زعمهم هذا على تفسيرهم المغلوط للفظة (الحميراء)»
ونقول: إن أدلة أهل السنة على كون أم المؤمنين كانت بيضاءَ جميلةً كثيرةٌ، منها:
قول أُمِّ رُومان لها في حادثة الإفك: «يَا بُنيَّةُ، هَوِّني عَلَى نفْسِكِ الشَّأْن، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيْئةٌ عِندَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْن عَلَيْهَا»([3]) وفي رواية: «لَقَلَّمَا كَانتِ امْرَأَةٌ حَسْناءُ عِندَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا»([4]).
قول عمر لابنته حفصة ب: «لَا يَغُرَّنكِ أَن كَانتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنكِ، وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ق، يُرِيدُ عَائِشَةَ»([5]) وفي رواية: «لَا يَغُرَّنكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنهَا»([6]).
ثانيًا: مغالطة رجل القش.
إن من أعجب العجائب أن تستشهد على مخالفيك برواية هم ينكرون صحتها، وأنت تعترف بذلك، وبالرغم من كل هذا، تبني عليها أصولًا وفروعًا، بل وتستشكل! فترى الرافضي يقول: «غير أنا وجدنا في جملة رواياتهم رجلًا ادعى رؤيته لعائشة، وهو المعمِّر علي بن عثمان بن خطاب... فحري بالمخالفين أن يلتفتوا إلى هذه الرواية التي تفيدهم في إثبات مطلوبهم».
وأنا لا أدري هل يفهم هذا الرافضي ما يكتبه؟! هل يفهم معنى عبارة: «مع أنهم يحكمون على روايته هذه بالوضع»؟!
نعم هو يفهم أننا لا نحتج بها ولا نثبتها، ونحكم عليها بالكذب، وأنها لا عبرة بها عندنا، ولكن لهذا الرافضي هدف آخر، وهو شحن كتابه بكل قول فيه زندقة وطعن بأم المؤمنين ليس إلا، حتى وإن كان موضوعًا مكذوبًا!!
والعلة الأخرى هي أن المعمِّر علي بن عثمان هذا ممن رَوى عنه علماء الشيعة وحسَّنوا حاله، فهو راوٍ معتبر عنده وعند الإمامية، قال النمازي الشاهرودي: «روى الصدوق في الإكمال باب المعمّرين جملة من أحواله ورواياته، وفيها دلالات على حسنه وكماله. أدرك أمير المؤمنين وحضر معه في صفّين، وبقي إلى أن رأى الحجّة المنتظر »([7]).
الآن وبعد أن عرفنا حال هذا الراوي عند الشيعة الإمامية؛ إذ ادَّعوا أن عمره ثلاثمائة عام، وأنه رأى عليًّا وأبَا بكر وعمر وعثمان وعائشة! وادعى أنه شرب ماءً من عين يُقال لها عين الحياة! والذي أخبره أنها عين الحياة هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كما روى هو ذلك بنفسه!([8])
فلننظر حاله إذًا عند أهل السنة والجماعة.
قال الخطيب: «والعلماء من أهل النقل لا يثبتون قوله، ولا يحتجون بحديثه»([9]).
وقال الصفدي: «ليس ثقة ولا صدوقًا»([10]).
وقال الذهبي: «كذاب»([11])، وقال أيضًا: «طرأ على أهل بغداد وحدث بقلة حياء بعد الثلاثمائة عن علي بن أبي طالب ا فافتضح بذاك وكذبه النقادون... فإذا تأملت هذه الروايات ظهرت على تخليط هذا الرجل في اسمه ونسبه ومولده وقدر عمره، وأنه كان لا يستمر على نمط واحد في ذلك كله، فلا يغتر بمن حسن الظن به، والله أعلم»([12]).
فمثل هذا الرجل عندنا لا يساوي فلسًا، وليس ما يرويه بأحسن حالًا منه!
ثالثًا: مكاتبة أم سلمة لا تصح.
واستدل الرافضي بروايةِ العِقْد الفريد التي وردت بغير إسناد، وأصلُها في كتب الرافضة، وتحديدًا في كتاب (الاحتجاج) للطبرسي، وهي أيضًا بغير إسناد! وغاية ما ذكره الطبرسي فيها من إسناد أن قال: «وَرُوِيَ عَن الصَّادِقِ ع أَنهُ قَالَ: دَخَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِنتُ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَى عَائِشَةَ -لَمَّا أَزْمَعَتِ الْخُرُوجَ إِلَى الْبَصْرَةِ- فَحَمِدَتِ اللهَ وَصَلَّتْ عَلَى النبِيِّ ثُمَّ قَالَتْ:...»([13]).
ولو سلمنا جدلًا وتنزلًا بهذا الكذب، فإنما هو فقط لإلزام الخبيث بتخطئة أم سلمة بنص الرواية، فقد جاء الرد على رسالة أم سلمة من أم المؤمنين عائشة: «من عائشة أم المؤمنين إلى أم سلمة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد: فما أقبلني لوعظك، وأعرفني لحق نصيحتك، وما أنا بمعتمرة بعد تعريج، ولنعم المطلع مطلع فرقت فيه بين فئتين متشاجرتين من المسلمين؛ فإن أقعد ففي غير حرج، وإن أمض فإلى ما لا غنى بي عن الازدياد منه، والسلام»([14]).
وهذا فيه تخطئَةٌ لظن أم سلمة .
وبالجملة: فالرواية لا يعتمد عليها ألبتة؛ إذْ لا زِمام لها ولا خِطام.
رابعًا: الصاع بالصاع.
من باب الكيل للرافضي بنفس صاعه أقول: إن معصوميك وعلماءك قد نقلوا في أوصاف أهل البيت -وأولهم علي بن أبي طالب ا- أنه كان أسودَ اللون؛ وإليكم بعض هذه النصوص([15]):
1. قال ابن عنبة الشيعي في كتابه (عمدة الطالب)([16]) يصف أحد أحفاد الحسن: «وكان أبو عبد الله شبيهَ الخِلقة بأمير المؤمنين، كان أسمر رقيق اللون، كبير العينين أكحلهما، جعد اللحية وافرها، واسع الجبهة، ربعةً من الرجال».
2. وقال في موسى بن جعفر الصادق: «وكان أسود اللون عظيم الفضل»([17]).
3. وفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول الرافضي ابن الصباغ في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمة: «وصفته : أسمر قصير»([18])، وقال: «صفة الباقر: أسمر معتدل»([19]).
4. قال الطوسي: «... أخبرني عمر قال: حدثني أبو زيد قال: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت جدتي أم سلمة بنت محمد بن طلحة تقول: سمعت زينب بنت عبد الله تقول: كان أخي رجلًا آدم»([20]).
وعن غير علماء الإمامية:
1. قال الواقدي: «كان آدَمَ شديدَ الأدمة، عظيم البطن، عظيم العينين، إلى القصر ما هو، وقد تسميه الشيعة الأنزعَ البطين، قال الحارث الأعور: وكان عليٌّ أفطسَ الأنف دقيق الذراعين، كأن على كاهله سنام ثور، لم يصارع أحدًا إلا صرعه»([21]).
2. وهؤلاء آل أبي طالب جميعًا كانوا سودًا، كما نقل الجاحظ: «قالوا: وكان ولدُ عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْمًا ضُخمًا، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جَوْن، فقال: بهؤلاء تُمنع السَّدانة، وكان عبد الله بن عباس أَدْلَم ضخمًا، وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق، وهم سودٌ وأدمٌ ودُلْم»([22])([23]).
ولم أجد نصًّا عن معصومٍ يفيد أن علي بن أبي طالب ا كان أبيض اللون في كتب الشيعة!
فهنا طبقًا لاستدلالات الرافضي الخبيث، نلزمه أن يقول: إن فاطمة أيضًا كانت سوداءَ؛ إذ هي من عائلةٍ سُود كلّها، وتزوجت ابن عم أبيها علي بن أبي طالب، وكان أسودَ كما زعمت النصوص، وأنجبت أئمةً سودًا....!
وهذا مجرد إلزام على طريقته، وإلا فهو يجمع كل شَين من كذابين ووضاعين ليشغب به على أم المؤمنين عائشة، ولعن الله من آذاها.
والنتيجة من كل ما تقدم: أن الخبيث إنما بنى هذا التخليط على رواياتٍ لا تصح، وعلى فهمٍ منكوسٍ أَنوَك؛ وكذبٍ على أهل السنة وجهلٍ بمبانيهم، مع حقد دفين على رسول الله ، وهذا كحال كل بحث في هذا الكتاب الموبوء كما هو ظاهر، والحمد لله على إسقاط قوله الخبيث بالحجة والبرهان، لا بالتخليط والهذيان.
اقرأ أيضا| د. رامي عيسى في بث مباشر: "رحمة الله واسعة ولا تقنطوا من رحمته" (فيديو)
([1]) لسان الميزان (4/136).
([2]) العقد الفريد (3/96).
([3]) أخرجه البخاري (3/173)، ومسلم (4/2129) من حديث عائشة ل، والفعل (كان) في الحديث تام بمعنى وُجِد.
([4]) أخرجه البخاري (6/107).
([5]) أخرجه البخاري (3/133)، ومسلم (2/1111) (1479) من حديث عمر ا.
([6]) أخرجه البخاري (6/156) (7/34).
ويحسن بنا هنا أن نذكر كلام الندوي الذي فيه: «كانت عائشة ل من أولئك السيدات اللاتي تنمو وترعرع بسرعة هائلةٍ من حيث النمو الجسمي، فكانت لما بلغت التاسعة أو العاشرة من عمرها سمنت كأحسن سمنة، أما في باكورة عمرها فكانت نحيفة الجسم، خفيفة لم يغشها اللحم، ثم مالت بعد سنوات إلى شيء من السمنة، ولما كبرت بدنت ورهقها اللحم.
وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق: أن لونها كان أبيض يميلُ إلى الحمرة، وكانت وضيئةً بهيةَ المنظر، رائعةَ الجمال». سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين (ص207).
كم قلت لما رأيت صورته تبارك اللهُ خالقُ الصور»
الثعالبي (ص11).
([7]) مستدركات علم الرجال (5/412) (ت10211).
([8]) روى ابن عساكر (38/350) بسنده عن القاضي الدينوري بمدينة ميافارقين في سنة ست عشرة وأربعمائة قال: «خرجت مع خالي في سنة خمسين وثلاثمائة نطلب الحج، حتى إذا كنا بمكة وقضينا حجنا رأيت حلقةً دائرة عليها خلق من الناس، فسألت بعضهم فقلت: من هؤلاء؟ فقالوا: حُجاج من المغرب، فدنوت منهم فإذا هم يقولون: هذا أبو سعيد الأشج، فجلست إليهم حتى صِرْنا في جماعة كثيرة فقالوا له: حدثنا، قال: نعم، خرجت مع أبي من المغرب من قرية يقال لها مريذة نطلب الحج، فوصلنا مصر فبلغنا حرب علي بن أبي طالب مع معاوية بن أبي سفيان... وانصرفت أطلب أمير المؤمنين، فوصلت العسكر ليلًا فبِتُّ، فلما كان من غد جئت فوقفت على باب خيمته، فخرج وقدم له بغلة النبي ق فهَمَّ أن يركب، فأسرعت أن أقبل ركابه فنفحني بركابه -أو قال بالمهماز- فشجني هذه الشجة، وكشف عن رأسه فرأينا أثر الشجة، قال: فتأخرت عنه فنزل وصاح إلي: ادن مني؛ فأنت الأشج، فدنوت منه فمر يده علي وقال لي: حدثني بحديثك، فحدثته ما كان مني ومن أبي، إلى أن وصلت العين كيف سبحت فيها وشربت من مائها، فقال لي: يا بني، تلك عين الحياة، اللهم عمره، اللهم عمره، يقولها ثلاثًا».
([9]) تاريخ بغداد (13/184) (ت6034).
([10]) الوافي بالوفيات (19/316).
([11]) ميزان الاعتدال (3/145) (ت5890)، والمغني (2/425) (ت4016)، وديوان الضعفاء (ص469) (ت2757).
([12]) لسان الميزان (4/134) (ت310) وقال في نزهة الألباب (1/75) (ت117): كذبوه، وقال في اللسان (7/45): «وبكل حال فالأشج المعمِّر كذاب من بابة رتن الدجال، وجعفر بن مسطور الأنماط وحواش وربيع بن محمود الماردني، وما يعني برواية هذا الضرب إلا الجهلة ويفرح بعلوها». انتهى.
([13]) الاحتجاج، الطبرسي (1/245).
([14]) العقد الفريد (5/66).
([15]) نقله الرافضي أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين (ص16).
([16]) عمدة الطالب، ابن عنبة الرافضي (ص15).
([17]) عمدة الطالب (ص196).
([18]) الفصول المهمة في معرفة الأئمة (2/856).
([19]) الفصول المهمة في معرفة الأئمة (2/882).
([20]) الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (ص538).
([21]) كتاب البدء والتاريخ (5/73).
([22]) فخر السودان، الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون (1/207) وما بعدها.
([23]) من رسائل الجاحظ، وكلمة الأدلم تعني: الأسود الطويل.
لتحميل الملف pdf