أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

عائشة تسمع الغناء، وتزعم أنه صلى الله عليه وسلم يسمعه.. رد تفصيلي على شبهة الشيعة

أخرج الشيخان في صحيحيهما أن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِندِي جَارِيَتَان مِن جَوَارِي الأَنصَارِ، تُغَنيَان بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنصَارُ يَوْمَ بُعَاث، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنيَتَيْن، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَان فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ق؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِن لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنا»([1]).

قالت الشيعة: إن عائشة كانت تستمع للغناء، وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع له، ولو لم يكن محرمًا لما أنكره أبو بكر.

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: ثبوت تحريم الغناء مع استثناء ما كان في يوم عيد بما في وصف الحديث.

الحكم بتحريم الغناء وآلات الطرب معلوم من القرآن والسنة؛ ولأجل ذلك أنكر أبو بكر ما رأى، وظن أنه داخل فيما حُرِّم، ولولا علمه بتحريم الغناء لما كان له أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد، غير أنه كان خافيًا عليه أن هذا الذي أنكره يجوز في يوم عيد، فبينه له النبي  بقوله: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِن لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنا»، وقد كان يظن أن النبي ق نائمٌ، ودليل ذلك أنه جاء في بعض ألفاظه قولها: «فَكَشَفَ النبِيُّ ق عَن وَجْهِهِ»([2]).

فبقي إنكار أبي بكر العام مُسَلَّمًا به لإقراره  إياه، ولكنه استثنى منه الغناء في العيد([3])، فهو مباح بالمواصفات الواردة في هذا الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: «وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى إِبَاحَةِ الْغِناءِ وَسَمَاعِهِ بِآلَةٍ وَبِغَيْرِ آلَةٍ، وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ تَصْرِيحُ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهَا: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْن» فَنفَتْ عَنهُمَا مِن طَرِيقِ الْمَعْنى مَا أَثْبَتَهُ لَهُمَا بِاللَّفْظِ؛ لِأَن الْغِناءَ يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، وَعَلَى التَّرَنمِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ النصْبَ -بِفَتْحِ النون وَسُكُون الْمُهْمَلَةِ- وعَلى الْحُدَاءِ، وَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ مُغَنِّيًا، وَإِنمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مَن يَنشُدُ بِتَمْطِيطٍ وَتَكْسِيرٍ وَتَهْيِيجٍ وَتَشْوِيقٍ بِمَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْفَوَاحِشِ أَوْ تَصْرِيحٌ.

قَالَ القُرْطُبِيُّ: قَوْلُهَا «لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْن» أَيْ: لَيْسَتَا مِمَّن يَعْرِفُ الْغِناءَ كَمَا يَعْرِفُهُ الْمُغَنِّيَاتُ الْمَعْرُوفَاتُ بِذَلِكَ، وَهَذَا مِنهَا تَحَرُّزٌ عَن الْغِناءِ الْمُعْتَادِ عِندَ الْمُشْتَهِرِين بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ السَّاكِن، وَيَبْعَثُ الْكَامِن، وَهَذَا النوْعُ إِذَا كَان فِي شِعْرٍ فِيهِ وَصْفُ مَحَاسِن النسَاءِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِن الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ»([4]).

وقال ابن رجب: «وقد بينت عائشة أن الجاريتين إنما كانتا تغنيان بغناء بُعاث، ويوم بعاث يوم من أيام حروب الجاهلية مشهور، قال الخطابي: هو يوم مشهور من أيام العرب، كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام، على ما ذكره ابن إسحاق وغيره.

قالَ: وكان الشعر الذي تغنيان به في وصف الشجاعة والحرب، وهو إذا صرف إلى جهاد الكفار كان معونة في أمر الدين، فأما الغناء بذكر الفواحش والابتهار للحرم، فهو المحظور من الغناء، وحاشاه أن يجري بحضرته شيء من ذلك فيرضاه، أو يترك النكير لهُ، وكل من جهر بشيء بصوته وصرح به فقد غنى به.

قالَ: وقول عائشة: «لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْن» إنما بينتْ ذلك؛ لأن المغنية التي اتخذت الغناء صناعة وعادة، وذلك لا يليق بحضرته، فأما الترنم بالبيت والتطريب للصوت إذا لم يكن فيهِ فحش، فهوَ غير محظور ولا قادح في الشهادة»([5]).

وخلاصة الأمر: أن الحديث ذكر أنهما جاريتان، أي صغيرتان فلا يُتصور فيهن أبدًا أن يمتهِن الغناء([6])، مع تحرز أم المؤمنين من توهم ذلك بقولها: «لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْن»، وكان الغناء بما تقاولت الأنصار يوم بُعَاث، وهو أشعار من فخر أو هجاء ونحوه، وجاء التقييد بأيام العيد، وإنكار أبي بكر ا عليهما، وعدم إنكار النبي ق عليه تنبيهًا له على الاستثناء.

ثانيًا: اتفاق الشيعة مع السنة على جواز الغناء في الأعياد والأفراح.

جاء في كتب الرافضة جواز الغناء في أيام العيد وفي غيرها.

1. في الجعفريات قال: «بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمَلَاهِي: أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَني مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ، عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بْن الْحُسَيْن عَن أَبِيهِ عَن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ  قَالَ: «إِن رَسُولَ اللهِ  مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِن الزِّنجِ وَهُمْ يَضْرِبُون بِطُبُولٍ لَهُمْ وَيُغَنون، فَلَمَّا نظَرُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ ق سَكَتُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «خُذُوا بَني أَرْفِدَةَ مَا كُنتُمْ فِيهِ؛ لِيَعْلَمَ الْيَهُودُ أَن دِيننا فِي فُسْحَةٍ»([7]).

2. قال الخميني: «ويمكن أن يقال: باستثناء أيام الفرح منه، كعيد الفطر والأضحى وسائر الأعياد المذهبية والْمِلّية؛ لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: سألته عن الغناء: هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح؟ قال: لا بأس به، ما لم يزمر به»([8]).

3. سئل الخوئي: «هل يجوز اجتماع الرجال والنساء (الأجانب بعضهم مع بعض) سوية لإنشاد الأناشيد الحماسية أو الدينية، مع ما فيها من موسيقى وترقيق وتفخيم، ومد في الأصوات وغيرها؟

(ج): إذا لم يترتب عليه محرم من جهة الاجتماع، أو منهما معًا فلا بأس»([9]).

وفي قرب الإسناد: روى عَبْدُ اللهِ بْن الْحَسَن، عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَن أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «وَسَأَلْتُهُ عَن الْغِناءِ: هَلْ يَصْلُحُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالْفَرَحِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، مَا لَمْ يُعْصَ بِهِ»([10]).

وصحح الخوئي هذه الرواية، واستدل بها على جواز الغناء، وأنه ليس محرَّمًا فقال: «وقد يستدل على ما ذهب إليه القاساني برواية قرب الإسناد، عن علي بن جعفر، عن أخيه S قال: سألته عن الغناء: هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح؟ قال: لا بأس به، ما لم يعص به، وهي وإن كانت مجهولة لعبد الله بن الحسن، ولكن رواها علي بن جعفر في كتابه، إلا أنه قال: ما لم يزمر به، وعليه فهي صحيحة، فتدل على جواز الغناء في نفسه، وحرمته إذا اقترن بالمعاصي الخارجية»([11]).

4. وفي «الكافي» عن أبي عبد الله: «أجر المغنية التي تزفُّ العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال»([12]).

قال المامقاني: «عدم اتصاف الغناء بالحرمة بحسب الذات، لكنه تعرضه الحرمة بعد ذلك باعتبار اقترانه بالملهيات والأباطيل نظير عروض التحريم للأمور المباحة التي هي مقدِّمات للحرام، وأشبه شيء بحرمة الغناء (حينئذٍ) حرمة الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر، فإنه بمجرد شرب الخمر على تلك المائدة يحرم الأكل عليها حتى في حق غير شارب الخمر، وقد كان الأكل عليها مباحًا بالأصل، وعلى هذا فالغناء (أيضًا) قد اتصف بالتحريم كالملهيات، إلا أن تحريمه بالعرض، فيكون الغناء معاقبًا عليه، كما أن كلًّا من الملهيات الأُخرى معاقب عليها في حد ذواتها»([13]).

ثم ألسنا نرى الرافضة في واقعنا يستخدمون آلات الموسيقى في أناشيدهم، ومناسباتهم الدينية، ونرى الآلات الموسيقية بأنواعها تدخل في هذه الأناشيد، وفي مسيراتهم الدينية؟ فعلامَ الاعتراضُ إذًا؟

اقرأ أيضا| رامي عيسى ينشر فيديوهات تفضح عقيلة معممي الشيعة في بث مباشر

([1]) صحيح البخاري (2/17)، صحيح مسلم (2/607).

([2]) صحيح البخاري (2/23).

([3]) قال الألباني: «قلت: وهذا التعليل من بلاغته ق؛ لأنه من جهة يشير به إلى إقرار أبي بكر على إنكاره للمزامير كأصل، ويصرح من جهة أخرى بإقرار الجاريتين على غنائهما بالدف، مشيًرا بذلك إلى أنه مستثنى من الأصل، كأنه ق يقول لأبي بكر: أصبت في تمسكك بالأصل، وأخطأت في إنكارك على الجاريتين؛ فإنه يوم عيد». تحريم آلات الطرب، الألباني (ص109).

([4]) فتح الباري، ابن حجر (2/442).

([5]) فتح الباري، ابن رجب الحنبلي (6/80).

([6]) قال المباركفوري: «قولها: «جَارِيَتَان» دون البلوغ من جوار الأنصار، إحداهما لحسان بن ثابت، كما في حديث أم سلمة عند الطبراني، أو كلتاهما لعبد الله بن سلام، كما في (الأربعين) للسلمي». مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، المباركفوري (5/34).

([7]) الجعفريات - الأشعثيات، محمد بن أشعث الكوفي (ص157).

([8]) المكاسب المحرمة، الخميني (1/217).

([9]) منية السائل، الخوئي (ص169).

([10]) قرب الإسناد، الحميري (ص294).

([11]) مصباح الفقاهة، الخوئي (1/483).

([12]) الكافي (5/120)، وصححه المجلسي في مرآة العقول (19/80)، والنراقي في مستند الشيعة (14/141).

([13]) غاية الآمال في شرح كتاب المكاسب، المامقاني (1/103).


لتحميل الملف pdf

تعليقات