أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم تكذيب البخاري لعائشة في بول النبي قائمًا

قال محسن الخياط: «قال ابن ماجه:... عن عائشة أنها قالت: «مَن حَدَّثَكُمْ أن رسول الله ق بال قائمًا فلا تُصدّقوهُ، ما كان يبول إلَّا جالسًا». قال الترمذي: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأَصَحُّ.

هنا، لاحِظ البخاريَّ كيف يُكذّب عائشة فيقول: «... عن حذيفةَ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم  سُباطةَ قومٍ، فبال قائمًا، ثمَّ دعا بماءٍ، فجئتُهُ بماءٍ، فتوضَّأ».

أورد البخاري هذا الحديث في (صحيحه)، وفيه أن النبي  كان يبول واقفًا، وهو على مَزْبَلَةِ قَومٍ؛ مُكذّبًا عائشة في حديثها الأوَّل، تُرى نصدق عائشة، أَمْ نصَدّق البخاري؟!»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: الحديثان ليس بينهما تعارض أصلًا، فضلًا عن ثبوت التكذيب.

فأُمُّنا عائشة  حكت حسب علمها من حال رسول الله  في بيته، وهي في ذلك أدرى الناس بحاله، أما خارج البيت فلا دراية لها به، وعليه فلا تعارض بين الحديثين؛ لأن النبي  لم يَبْلُ قائمًا في منزله قط، فهي حدثت بما علمت وعهدت منه  داخل بيته.

قال ابن حجر: «وَالْجَوَابُ عَن حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنهُ مُسْتَندٌ إِلَى عِلْمِهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنهُ فِي الْبُيُوتِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ فَلَمْ تَطَّلِعْ هِيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَفِظَهُ حُذَيْفَةُ وَهُوَ مِن كِبَارِ الصَّحَابَةِ»([2]).

ثانيًا: المثْبِت مقدَّم على النافي.

نفيها ل قابَلَه إثبات حذيفة ، والقاعدة: أن المثبِت مقدم على النافي؛ لأن المثبت معه زيادة علم، وهذا لا يستلزم تكذيب النافي؛ لأنه تكلم حسب علمه.

قال عبد العزيز الراجحي: «لقد خفي على عائشة ل أنه بال قائمًا، وحديث حذيفة مقدم على حديث عائشة؛ لأن المثبِت معه علم خفي على النافي، فعائشة نفت؛ لأنه خفي عليها، وحذيفة أثبت أنه (أتى سباطة قوم فبال قائمًا)، والمثبت مقدم على النافي؛ ولأن عائشة لا تعلم حاله خارج البيت، وإنما تعلم ما كان يفعله داخل البيت، فخفي عليها ذلك، وأثبت ذلك حذيفة...

على أنه يمكن الجمع بينهما، وهو أن حديث عائشة محمول على أنه في البيت، ففي البيت ما كان يبول إلا جالسًا، وأما في الصحراء فإن حذيفة أثبت أنه بال قائمًا، وهذا فعله مرة ليدل على الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك؛ ولهذا خفي على عائشة»([3]).

فالقضية لا تعدو كون هذا الأمر خفي على عائشة؛ لأنه كان خارج البيت، وليس لها اطلاع على مثل هذا، فنفت الأمر بناء على العادة المستمرة للنبي  في البول قاعدًا، فلا يكون المثبت مكذبًا لها؛ لأنه اطلع على ما لم تطلع عليه.

وهذه القاعدة التي احتكمنا إليها في تقديم الإثبات على النفي، قد أقر بها علماء الرافضة، قال عليٌّ الميلاني: «إن من القواعد المسلَّمة لدى جميع أهل العلم، ولاسيما علماء الأصول هي القاعدة المعروفة بـ(تقدم المثبِت على النافي)»([4]).

ثالثًا: الاختلاف لا يقتضي التكذيب.

اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في مسألة لا يدل على أن أحدهم كاذب، حاشاهم، بل اختلافُهم قد يكون لخفاء الدليل عن بعضهم، أو عدم بلوغه الناسخ له، ونحو ذلك.

وقد أشار إلى هذا المعنى جعفر الصادق كما رواه عنه الكليني في (الكافي)، عن منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد الله : ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟

فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان.

قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صدقوا على محمد ق أم كذبوا؟

قال: بل صدقوا.

قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟

فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضًا»([5]).

رابعًا: إذا كان الاختلاف يقتضي التكذيب، إذًا فأئمة الرافضة أكذب الناس!

معلوم أن عائشة رضي الله عنها عند المسلمين غير معصومة تصيب وتخطئ، وتعلم وتجهل، فبماذا يحكم الرافضة على من يكذب المعصوم في كلامه، ويصفه بالتناقض في فتاويه؟

قال الطوسي: «عن النضر بن سويد عن شعيب العقرقوفي قال: كنت عند أبي عبد الله  ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد الله : قد سمعتم ما قال الله في كتابه، فقالوا له: نحب أن تخبرنا، فقال: لا تأكلوها، فلما خرجنا من عنده قال أبو بصير: كُلْها، في عنقي ما فيها، فقد سمعته وسمعت أباه جميعًا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سَلْهُ، فقلت له: جعلت فداك، ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال: أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟! قلت: بلى، فقال: لا تأكلْها: فقال لي أبو بصير في عنقي كُلْها، ثم قال لي: سله الثانية، فقال لي مثل مقالته الأولى، وعاد أبو بصير فقال لي قوله الأول: في عنقي كلها، ثم قال لي: سله فقلت: لا أسأله بعد مرتين»([6]) قال المجلسي: «صحيح»([7]).

فما حكم أبي بصير الذي كذب المعصوم، حتى تسبب بحيرة لهؤلاء الذين جاؤوا يسألونه عن حكم هذه المسألة؟ وقد حاول علماء الرافضة -كعادتهم- الترقيع لما صدر عن أبي بصير، وقلة أدبه مع المعصوم.

قال محمد هاشم چهار سوقي: «وما صدر منه من سوء الأدب إنما كان لشرف من احتمل حضوره من المخالفين، أو من حضر منهم عن توهمهم اتباعه لأهل البيت، وقد يخطر ببالي أن حرمة ذبيحة أهل الكتاب لم تَتَّضِح في أزمنة ورود الأخبار الصريحة في الحلِّية، ولذا وقع الاختلاف بين رؤساء أصحاب الأئمَّة في الحلِّية والحرمة»([8]).

ولا ندري كيف تخفى هذه المسألة على مثل أبي بصير وهو من هو عندهم، لدرجة أن يكذب المعصوم ويرد قوله، ويسيء الأدب في حضرته؟!

اقرأ أيضا|  إذاعة حفصة وعائشة سرَّ رسول.. رد تفصيلي على شبهة الشيعة

 

([1]) الإفصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسنن والصحاح، محسن الخياط (2/68 - 69).

([2]) فتح الباري، ابن حجر (1/330).

([3]) شرح سنن النسائي، عبد العزيز الراجحي (2/25).

([4]) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، علي الحسيني الميلاني (6/131).

([5]) الكافي، الكليني (1/65).

([6]) تهذيب الأحكام، الطوسي (9/66).

([7]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، المجلسي (14/252).

([8]) رسالة في أحوال أبي بصير، محمد هاشم چهار سوقي (ص500).


لتحميل الملف pdf

تعليقات