أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

مسكن عائشة  حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْن الشَّيْطَان.. الرد على شبهة الشيعة بوضوح وأدلة محكمة

قال باقر شريف القرشي: «ولم تحظَ عائشة بقليل ولا بكثير من تلك الرعاية وذلك الحنان، بل كان يعاملها معاملةً عادية، بل ويزدري بها في كثير من الأحيان، فقد وقف خطيبًا على منبره فأشار إلى مسكنها قائلًا: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة؛ حيث يطلع قرن الشيطان»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: معنى الحديث يُفهم من جمع الطرق لا من طريق واحدة

هذا الحديث له رواياتٌ أخرى كثيرة تُبين المقصود، أخرجها البخاري وغيره، فليس المراد من الحديث أن بيت عائشة  تطلع منه الفتنة أو قرن الشيطان! بل المقصود جهة المشرق، فقد كان بيت عائشة جهة المشرق حيث أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المراد الجهة وليس المسكن.

ويدل على أن الجهة هي المقصودة قول النبي الله : «رَأْسُ الكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ»([2])، وعَن ابْن عُمَرَ «أَن رَسُولَ اللهِ  قَامَ عِندَ بَابِ حَفْصَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نحْوَ الْمَشْرِقِ: «الْفِتْنةُ هَا هُنا مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْن الشَّيْطَان»، قَالَهَا مَرَّتَيْن أَوْ ثَلَاثًا»([3]).

وفي رواية عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يُشِيرُ بِيَدِهِ نحْوَ الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «هَا إِن الْفِتْنةَ هَا هُنا، هَا إِن الْفِتْنةَ هَا هُنا، ثَلَاثًا؛ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنا الشَّيْطَان»([4]).

فليس المقصود بيت حفصة أو بيت عائشة، إنما المقصود جهة المشرق التي كان فيها بيتهما.

فيستفاد إذًا من مجموع هذه الروايات الصحيحة، أن مقصود النبي  بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق، وهي قرن الشيطان، ولأن بيت عائشة كان إلى شرقي مسجده ، أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر ب أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله  فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، دون أن يقول: «أشار إلى مسكن عائشة»، بل قال: «فأشار نحو مسكن عائشة مما يبين أنه عَنى الجهة فقط، بخلاف كل الروايات الأخرى التي فيها قوله: وأشار إلى المشرق»؛ لأن فيها تحديد المقصود تمامًا، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة([5]).

جهة المشرق من المدينة هي العراق.

قال سَالِمُ بْن عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، مَا أَسْأَلَكُمْ عَن الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللهِ بْن عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «إِن الْفِتْنةَ تَجِيءُ مِن هَا هُنا» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نحْوَ الْمَشْرِقِ «مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنا الشَّيْطَان» وَأَنتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»([6]).

وعليه فإن الإشارة كانت للجهة التي ستظهر منها الفتن، والجهة قريبة للرسول وفي وجهه، وأنت لو سألت أحدهم أين جهة القبلة، فسيقول لك: «من هنا» لأن الجهة أمامه، وليست بعيدة عنه، فهو يشير لجهة القبلة ولا يشير للكعبة نفسها البعيدة عنه، لكن المقصود في النهاية هي الكعبة بلا شك، فكذلك النبي  أشار إلى جهة المشرق، وقصد أرض الرافضة، وهي العراق وإيران، ويؤكد ذلك كلمة (نحو)، أي: جهة، ولم يقل: «إلى عائشة».

وقد جاء في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: «أن رَسُولَ اللهِ  قَامَ عِندَ بَابِ حَفْصَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نحْوَ الْمَشْرِقِ» وفي لفظ: «عِندَ بَابِ عَائِشَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نحْوَ الْمَشْرِقِ» كما في «صحيح مسلم» (2905)، فظهر أن المراد الجهة، وأما الحجرات فليست مقصودةً لذاتها، وإلا فعندها سيُقال على هذا الفهم الرافضي المغلوط: إن النبي ق كان يعيش في قرن الشيطان، ويقطن فيه ودُفِن فيه، وفيه نزل الوحي!

ثانيًا: المراد جهة المشرق في كتب الرافضة

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر  قال: «خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله- لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة... ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس»([7]).

قال المجلسي: «قوله -صلى الله عليه وآله-: «مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّمْسِ»، قال الجوهري: قرن الشمس أعلاها وأول ما يبدو منها في الطلوع، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس، أي: في شرقي المدينة»([8]).

وعليه: فبالتحاكم لكتب الرافضة، وجدنا أن قرن الشيطان الذي قصده رسول الله هو العراق وإيران، وهما مشرق المدينة، ومن المعلوم أن روايات الرافضة تَتَتَبَّع كل نقيصة لأصحاب نبينا مذكورة في التاريخ، فيصنعون منها روايات على ألسنة أهل البيت، ولكننا وجدنا أن الرافضة لا يملكون رواية واحدة -ولو بلا إسناد- تقول بأن أم المؤمنين عائشة  هي المقصودة بقرن الشيطان صراحة كما زعموا!!

ثالثًا: قسمة ثنائية حاصرة لا ثالث لها

كلام الرافضة لا يعني إلا أحد شيئين: إما أن يقولوا: إن النبي  عنى بتلك الإشارة عائشة نفسها، أو يقولوا: إنه  قصد مسكنها نفسه.

فإن قالوا بالأول فبطلانه واضح من معرفة التراكيب اللغوية التي في الحديث، وأنها لا تستعمل إلا للإشارة لمكان معين لا لشخص، كقوله: (مِن حَيْثُ)، وقوله: (هَا هُنا الْفِتْنة) يشير إلى مكان تستوطن فيه الفتنة.

وإن قالوا بالثاني (وهو أنه  أراد مسكنها نفسه) فلا يمكن أن يكون كذلك طيلة حياة النبي  وهو مقرُّ السكن فيه، ويتردد إليه كل يوم كانت فيه نوبة عائشة ، بل كان يتردد إليه أكثر من بمقدار الضعف من كل زوجة له، فإن لعائشة ل في القسم يومين: يومها ويوم سودة بنت زمعة  التي وهبته لها؛ لعلمها بمحبة النبي ق لها.

وأكثر من ذلك: أنه  كان في سكرات موته يحب أن يمرَّض في بيت عائشة  دون بيوت سائر زوجاته([9])، فروى مسلم من حديث عائشة أنها قالت: «أول ما اشتكى رسول الله  في بيت ميمونة، وكان يقول: أين أنا غدًا؟ فاستأذن أزواجه أن يمرَّض في بيتها، وأذنَّ له»([10])، وبقي كذلك حتى توفي  ودفن فيه([11]).

فلم يبقَ من القول مجالٌ إلا أن يقولوا: إنما عنى به مسكن عائشة  بعد وفاة رسول الله ، وهذا إن قالوه فإنما ينادون على أنفسهم بالويل والثبور، فإن مسكن عائشة  تحول بوفاة رسول الله ق إلى قبره الشريف، ولم يعد بيتًا لها حتى ينسب إليها، وكيف يستجيز عاقل على أن يرضى الله تعالى لحبيبه وعبده ق أن يُدفن في مكان هو مطلع الفتنة على حدِّ زعم الرافضة؟!

قال جعفر الخليلي: «وهناك إجماعٌ على أن الرسول الأعظم كان قد دفن في بيت عائشة؛ حيث قُبِرَ الخليفتان الأولان أيضًا»([12]).

وإن المرء ليتعجب من آيات الله تعالى أن جعل مسكن عائشة  مكانا يمرَّض فيه عبده وحبيبه محمد ق، ثم يجعله مدفنًا وقبرًا له، ثم يتم ذلك بأن دُفِن إلى جوارِه صاحباه ووزيراه أبو بكر وعمر ب.

رابعًا: رغبة الحسن بن علي أن يُدفن في قرن الشيطان

إذا كان الأمر كما ذكرت الشيعة أن النبي  دُفِن في الأرض التي هي قرن الشيطان، فلماذا أراد الحسن بن علي أن يدفن فيها كما ورد في كتب السنة والشيعة على السواء؟

جاء في «أُسْدِ الغابة» في سياق الكلام عن الإمام الحسن بن علي : «ولما حضرته الوفاة، أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النبي ، فلقد كنت طلبت منها فأجابت إلى ذلك فلعلها تستحي مني، فإن أذنت فادفني في بيتها، وما أظن القوم -يعني بني أمية- إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد، فلما توفي جاء الحسين إلى عائشة في ذلك فقالت: نعم وكرامة»([13]).

وجاء في كتب الشيعة أن الحسن أوصى الحسين في مرض موته قائلًا: «وَأَن تَدْفِنني مَعَ جَدِّي رَسُولِ اللهِ ؛ فَإِني أَحَقُّ بِهِ وَبِبَيْتِهِ مِمَّن أُدْخِلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنهِ وَلَا كِتَابٍ جَاءَهُمْ مِن بَعْدِهِ»([14]).

فيلزمكم من ذلك أيها الرافضة أن الحسن أراد أن يدفن في قرن الشيطان، وكفى بها مثلبة!!


اقرأ أيضا| عائشة  لبست ثوبًا منهيًّا عنه وهي مُحرِمة".. رد واضح بالأدلة على شبهة الشيعة

([1]) حياة الإمام الحسن بن علي  دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي (1/366).

([2]) صحيح البخاري (4/127)، صحيح مسلم (1/72).

([3]) صحيح مسلم (4/2229).

([4]) صحيح البخاري (9/53).

([5]) أمنا عائشة، شحاتة صقر (ص89 -91).

([6]) صحيح مسلم (4/2229).

([7]) الكافي، الكليني (8/70).

([8]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (25/164).

([9]) وأقر بعض علماء الرافضة بهذه الحقيقة لمكانتها في قلبه، فقال القمي الشيرازي: «حتى مرض رسول الله -صلى الله عليه وآله- المرض الذي توفي فيه، فكانت فاطمة وعلي يريدان أن يمرضاه في بيتهما، وكذلك كان أزواجه كلهن، فمال إلى بيت عائشة بمقتضى المحبة القلبية التي كانت لها دون نسائه... ولم يكن له إلى غيرها من الزوجات مثل ذلك الميل إليها، فتمرض في بيتها، فغبطت على ذلك». الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين (ص619).

([10]) صحيح مسلم (1/312).

([11]) قال أبو الوفا بن عقيل: «انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلًا عن الناطق». استدراكات عائشة على الصحابة (ص30).

([12]) موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي (3/199).

([13]) أسد الغابة (1/261).

وفي تاريخ دمشق: «أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن، فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي ق أن تأذن له أن يدفن مع النبي  في بيتها، فقالت: نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه، وأنا أوثرك به». تاريخ دمشق (13/289).

([14]) الأمالي، الطوسي (1/160) ط دار الثقافة.


لتحميل الملف pdf

تعليقات