قال مروان خليفات: «ونحن نقول لأولئك المعاندين الذين يتهمون الإمامية بتحريف القرآن: ما رأيكم بالروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم وبقية كتب السنن التي تنص على تحريف القرآن؟
فعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يقرأ من القرآن».
وقال علي الشهرستاني: «على أنها ادَّعت بأنه أُنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يُحرمن)، ثم نسخَت تلك بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يُقرأ من القرآن».
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: لفظة «وهن فيما يقرأ من القرآن».
الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» عن عمرة، عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: «كان فيما أُنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يُقرأ من القرآن».
فركَّزوا على لفظة: (وهن فيما يُقرأ من القرآن)، وقالوا: كيف سقطت، والنبي – صلى الله عليه وسلم – مات وهي تقرأ؟
وهذه اللفظة قد حكم عليها بعض العلماء بالشذوذ، قال النحاس: «قال أبو جعفر: وفي الحديث لفظة شديدة الإشكال، وهي قولها: فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن مما يقرأ من القرآن، وقد قال جلة أصحاب الحديث: قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي بكر فلم يذكرا هذا فيه، هما:
القاسم بن محمد، ويحيى بن سعيد الأنصاري – يأتي بيان من أخرج روايتيهما – قال: فأما قول من قال: إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعظيم؛ لأنه لو كان مما يقرأ لكانت عائشة قد نبهت عليه، ولكان قد نقل إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط.
وقد قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9] فلو كان بقي منه شيء لم ينقل إلينا، لجاز أن يكون مما لم ينقل ناسخًا لما نقل، فيبطل العمل بما نقل، ونعوذ بالله من ذلك فإنه كفر».
وقال الطحاوي: «والقاسم ويحيى أولى بالحفظ من عبد الله بن أبي بكر؛ لعلوِّ مرتبتهما في العلم؛ ولأن اثنين أولى بالحفظ من واحد لو كان يُكافئ واحدًا منهما، فكيف وهو يقصر عن كل واحد منهما؟! مع أن حديثه محال؛ لأنه لو كان ما روى كما روى، لوجب أن يُلحق بالقرآن، وأن يُقرأ به في الصلوات كما يُقرأ فيها سائر القرآن، وأن يكون أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد تركوا بعض القرآن فلم يكتبوه في مصاحفهم، وحاشا لله أن يكون كذلك.
أو يكون قد بقي من القرآن غير ما جمعه الراشدون المهديون؛ ولأنه لو كان ذلك كذلك جاز أن يكون ما كتبوه منسوخًا، وما قصّروا عنه ناسخًا، فيرتفع فرض العمل.
ونعوذ بالله من هذا القول ومن قائليه، ثم الجلة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانوا في التحريم بقليل الرضاع وبكثيره على ما ذكرنا، منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن عمر – رضي الله عنهم».
ثانيًا: لو صحت هذه الزيادة فهي من المنسوخ.
وقال الطيبي: «يُحمل هذا على أن بعض من لم يبلغه النسخ كان يقرأه على الرسم الأول، وأن تلاوتها كانت باقية فتركوها، فإن الله تعالى رفع قدر هذا الكتاب المبارك عن الاختلال والنقصان، وتولى حفظه، وضمن صيانته، فقال – عز من قائل –: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9] فلا يجوز على كتاب الله أن يضيع منه آية، ولا أن يخرم حرف كان يتلى في زمان الرسالة، إلا ما نسخ منه».
قال الزرقاني: «فالمعنى: أن العشر نسخت بخمس، ولكن هذا النسخ تأخَّر حتى توفِّي – صلى الله عليه وسلم – وبعض الناس لم يبلغه النسخ، فصار يتلوه قرآنًا، فلما بلغه ترك، فالعشر على قولها منسوخة الحكم والتلاوة، والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم».
وقال النووي: «وقولها: (فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يُقرأ) هو بضم الياء من قرأ، ومعناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًا حتى إنه – صلى الله عليه وسلم – توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنًا متلوًّا؛ لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يُتلى».
ثالثًا: اعترف بعض علماء الرافضة أنها من منسوخ التلاوة.
قال الطوسي: «الثالث: ما نسخ لفظه وحكمُه، وذلك نحو ما رواه المخالفون من عائشة أنه (كان فيما أنزل الله أن عشر رضعات تحرمن)، ونسخ ذلك بخمس عشرة فنسخت التلاوة والحكم».
وقال أيضًا: «وأما نسخهما معًا، فمثلما روي عن عائشة أنها قالت: (كانت فيما أنزله تعالى: عشر رضعات يحرمن، ثم نسخت بخمس)، فجرت بنسخه تلاوةً وحكمًا».
وقال الشريف المرتضى: «مثال نسخ الحكم والتلاوة معًا موجود أيضًا في أخبار الآحاد، وهو ما روي عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أنزل الله سبحانه: عشر رضعات يحرِّمن، فنسخ بخمس، وأن ذلك كان يتلى)».
وقال مير محمدي زرندي: «ذكر أكثر أهل السنة وجماعة من الشيعة أن النسخ على ثلاثة أقسام:
أحدُها: نسخ التلاوة، ورووا أخبارًا كثيرة دالة على وجود آيات قرآنية ليس في هذا القرآن الموجود منها عين ولا أثر، ويقولون: إنها مما نسخت تلاوته، ونذكر منها آية واحدة على سبيل المثال:
فقد روى مسلم بسنده عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: «كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهن فيما يُقْرَأ من القرآن».
فإذا كان القول عند طائفة أهل السنة والجماعة بأسرهما ما بين الحكم بشذوذ اللفظ على طريقة المحدثين أو القول بالنسخ المتأخر، فكيف يُستساغ في العقول أن تُتهم الطائفة أنها تقول بتحريف القرآن؟! وكيف يستوي نظير هذه التهمة الفاسدة مع تصريح علماء الشيعة بتحريف القرآن، وحكمهم على روايات تحريفه بالتواتر؟!
لتحميل الملف pdf