أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

تجويزهم نكاحَ الخبيثات على النبي.. رد مفصل على شبهات الشيعة

قال بعض خبثائهم: «وهذان النبيان العظيمان نوح ولوط -عليهما الصلاة والسلام- قد أخبرنا الله تعالى في كتابه عن فساد زوجتيهما وخبثهما، فكيف اختاراهما زوجتين إذا كان لا يجوز للطيب أن يختار الخبيثات مطلقًا؟!

فإن قيل: إنما كانتا طيبتين حينما تزوجاهما ثم خبثا بعد ذلك، وكذلك كان حال اللائي طلقهن رسول الله، أو التي ارتدت بعده.

قلنا: الإشكال باقٍ؛ إذ المعلوم أن أفعال الأنبياء  لا تكون إلا بوحي وإرادة ربانية، والله عالم بأن فلانة ستفسد وتخبث بعد، فلماذا أمر بأن يتزوجها، فيكون ذلك إكرامًا للخبيثة -عاقبة وحقيقة- وهذا مناقض لتوجيهه بألا تكون الخبيثة للطيب مطلقًا حسب الفرض.

 ولا يسع المخالفين الفرار من هذا الإشكال إلا بالتخلي عن الإطلاق، والتنازل عن حتمية أن تكون زيجات الأنبياء منحصرة القصد في إكرام من تزوجوا بهن، وكذا التنازل عن حتمية أن تكون الزوجة المختارة طيبة طاهرة صالحة، وبهذا يُعلم أن قوله تعالى: [الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ] {النور:26} إنما هو توجيه عام لا يقبل التخصيص والاستثناء، فيصح أن ينكح الطيبُ -وإن كان نبيًّا- خبيثةً إذا كان ثمة وجه من أوجه الحكمة والمصلحة في ذلك بحسب ميزان الشرع، ومن هذا القبيل كانت زيجات الأنبياء  في بعض مواردها»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: الزوجتان لم توصفا بالخبث كما ادعى الرافضي

لم يخبرنا الله في كتابه أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا خبيثتين كما زعم الخبيث، وإنما قال الله تعالى: [ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين] {التحريم:10}.

ولا بد من إطالة النفس قليلًا حول هذه الآية لنثبت جهل الرافضي بما يستدل به، قال ابن الجوزي: «الْخِيَانةُ: التَّفْرِيطُ فِيمَا يُؤْتَمَن الْإِنسَان عَلَيْهِ، ونقيضُها: الْأَمَانةُ، والتخون فِي اللُّغَة: التنقُّصُ، تَقول: تخوَّنني فلَان حَقي إِذا تنقصَكَ، وَسُئِلَ ثَعْلَبٌ: أَيجوزُ أَن يُقَال: إِن الخوَّان إِنمَا سمي بذلك لِأَنهُ يتخون مَا عَلَيْهِ، أَي: ينتقص؟ فَقَالَ: مَا يبعد ذَلِك.

وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْخِيَانة [فِي الْقُرْآن] على خَمْسَة أوجه:

أَحدهَا: الْمعْصِيَة، وَمِنه قَوْله تعالى فِي سورة الْبَقَرَة: [عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ] {البقرة:187} قَالَ ابْن قُتَيْبَة: تخونونها بالمعصية، وَفِي الْأَنفَال: [لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ] {الأنفال:27} وَفِي حم غافر: [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ] {غافر:19}.

وَالثَّاني: نقض الْعَهْد، وَمِنه قَوْله تعالى فِي الْمَائِدَة: [ولا تزال تطلع على خائنة منهم] {المائدة:13}، فِي الْأَنفَال: [وإما تخافن من قوم خيانة ] {الأنفال:58}.

وَالثَّالِث: ترك الْأَمَانة، وَمِنه قَوْله تعالى فِي سُورَة النسَاء: [وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا] {النساء:105} نزلت فِي طعمة بن أُبَيْرق، كَان عِنده درع فخانها.

وَالرَّابِع: الْمُخَالفَة فِي الدّين، وَمِنه قَوْله تعالى فِي سُورَة النسَاء: [ إن اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا] {النساء:107}، وَفِي الْأَنفَال: [وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ] {الأنفال:71}، وَفِي التَّحْرِيم: [كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ] {التحريم:10}.

وَالْخَامِس: الزِّنا، وَمِنه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: [وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ] {يوسف:52}»([2]).

فالخيانة في كتاب الله تشمل هذه المعاني، والخلاف الآن بين المعنيين الأخيرين، وهما الخيانة في الدين بالكفر أو الزنا، فأي المعنيين أراد الله تعالى؟!

جمهور المفسرين اتفقوا على أن الخيانة هي الكفر لا الفاحشة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَكَانتْ فِي الظَّاهِرِ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى دِينهِ، وَفِي الْبَاطِن مَعَ قَوْمِهَا عَلَى دِينهِمْ؛ خَائِنةً لِزَوْجِهَا تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى أَضْيَافِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تعالى فيها: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] {التحريم:10}.

وَكَانتْ خِيَانتُهُمَا لَهُمَا فِي الدِّين لَا فِي الْفِرَاشِ، فَإِنهُ مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ؛ إذْ «نكَاحُ الْكَافِرَةِ» قَدْ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الشَّرَائِعِ، وَيَجُوزُ فِي شَرِيعَتِنا نكَاحُ بَعْضِ الْأَنوَاعِ وَهُن الْكِتَابِيَّاتُ، وَأَمَّا «نكَاحُ الْبَغِيِّ» فَهُوَ دِيَاثَةٌ، وَقَدْ صَان اللهُ النبِيَّ  عَن أَن يَكُون دَيُّوثًا؛ وَلِهَذَا كَان الصَّوَابُ قَوْلَ مَن قَالَ مِن الْفُقَهَاءِ: بِتَحْرِيمِ نكَاحِ الْبَغِيِّ حَتَّى تَتُوبَ»([3]).

وقال البغوي: «ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلصَّالِحِين وَالصَّالِحَاتِ مِن النسَاءِ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ ] وَاسْمُهَا وَاعِلَةُ، [وَامْرَأَتَ لُوطٍ] وَاسْمُهَا وَاهِلَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَالِعَةُ وَوَالِهَةُ [كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] وَهُمْا: نوحٌ وَلُوطٌ  [فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ] {التحريم:10}.

قَالَ ابْن عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ، وَإِنمَا كَانتْ خِيَانتُهُمَا أَنهُمَا كَانتَا عَلَى غَيْرِ دِينهِمَا، فَكَانتِ امْرَأَةُ نوحٍ تَقُولُ لِلناسِ: إِنهُ مَجْنون، وَإِذَا آمَن بِهِ أَحَدٌ أَخْبَرَتْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ، وَأَمَّا امْرَأَةُ لُوطٍ فَإِنهَا كَانتْ تَدُلُّ قَوْمَهُ عَلَى أَضْيَافِهِ إِذَا نزَلَ بِهِ ضَيْفٌ بِاللَّيْلِ أَوْقَدَتِ النارَ، وَإِذَا نزَلَ بِالنهَارِ دَخَّنتْ لِيَعْلَمَ قَوْمُهُ أَنهُ نزَلَ بِهِ ضَيْفٌ»([4]).

ثانيًا: الاستثناء ليس هو الأصل، بل ما شذ عن القاعدة:

إن المتتبع لآيات القرآن وقصص الأنبياء يعلم أن في القرآن قاعدةً لبيان طهارة أهل الأنبياء جميعًا، أزواجهم وبناتهم وأمهاتهم، وهذا معلوم بالاستقراء، في مثل قوله -تبارك وتعالى-: [إلا امرأته] وقوله: [إلا عجوزا في الغابرين] {الشعراء:171}.

فاستثناء هاتين الزوجتين من بين أزواج الأنبياء كما في قوله تعالى: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ] {التحريم:10} ما كان إلا لبيان القاعدة الأصيلة في أن أزواجهم وبناتهم وأمهاتهم من المصطفين الأخيار، وهن خير الأهل لخير البشر؛ لكونهن عِشْن في بيوت نزل فيها الوحي، إلا اثنتين شذَّتَا عن القاعدة، كما شذتِ امرأةُ فرعون عن قاعدة أهل الفجور والطغيان: [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] {التحريم:11}.

قال ابن العربي: «... وَبَيَان أَن النبِيَّ  عَلَى شَرَفِ مَنزِلَتِهِ لَوْ أَشْرَكَ لَحَبِطَ عَمَلُهُ، فَكَيْف أَنتُمْ؟ لَكِنهُ لَا يُشْرِكُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تعالى: [يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين] {الأحزاب:30} وَذَلِكَ لِشَرَفِ مَنزِلَتِهِن، وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْيَان فَاحِشَةٍ مِنهُن؛ صِيَانةً لِصَاحِبِهِن الْمُكَرَّمِ الْمُعَظَّمِ.

قَالَ ابْن عَبَّاسٍ حِين قَرَأَ: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] {التحريم:10}: وَاللهِ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ، وَلَكِنهُمَا كَفَرَتَا.

وَقَالَ عُلَمَاؤُنا: إنمَا ذَكَرَ الْمُوَافَاةَ شَرْطًا هَا هُنا؛ لِأَنهُ عَلَّقَ عَلَيْهَا الْخُلُودَ فِي النارِ جَزَاءً، فَمَن وَافَى كَافِرًا خَلَّدَهُ اللهُ فِي النارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَن أَشْرَكَ حَبِطَ عَمَلُهُ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى، فَهُمَا آيَتَان مُفِيدَتَان لِمَعْنيَيْن مُخْتَلِفَيْن وَحُكْمَيْن مُتَغَايِرَيْن، وَمَا خُوطِبَ بِهِ النبِيُّ  فَهُوَ لِأُمَّتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَمَا وَرَدَ فِي أَزْوَاجِهِ  فَإِنمَا قِيلَ ذَلِكَ فِيهِن لِيُبَيِّن أَنهُ لَوْ تُصُوِّرَ لَكَان هَتْكًا لِحُرْمَةِ الدِّين وَحُرْمَةِ النبِيِّ، وَلِكُلِّ هَتْكِ حُرْمَةٍ عِقَابٌ، وَيَنزِلُ ذَلِكَ مَنزِلَةَ مَن عَصَى فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِن الْعَذَابَ يُضَاعَفُ عَلَيْهِ بِعَدَدِ مَا هَتَكَ مِن الْحُرُمَاتِ، وَاللهُ الْوَاقِي لَا رَبَّ غَيْرُهُ»([5]).

ثالثًا: أكثر تفاسير الرافضة ذهبت إلى أن الخيانة كانت في الدين لا الفراش:

قال الطبرسي: «[فخانتاهما] بالنفاق والتظاهر على الرسولين؛ فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه»([6]).

وقال الفيض الكاشاني: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] {التحريم:10} بالنفاق، والتظاهر على الرسولين، مثل الله حال الكفار والمنافقين في أنهم يعاقبون بكفرهم ونفاقهم، ولا يحابون بما بينهم وبين النبي  والمؤمنين من النسبة»([7]).

وقال ناصر مكارم الشيرازي: «والخيانة هنا لا تعني الانحراف عن جادة العفة والنجابة؛ لأنهما زوجتا نبيين، ولا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن الرسول : «مَا بَغتِ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ»، كانت خيانة زوجة لوط هي أن أفشت أسرار هذا النبي العظيم إلى أعدائه، وكذلك كانت زوجة نوح »([8]).

وقال أيضًا: «وإنما القصد من الخيانة في قصة نوح ولوط  التجسس لمصلحة الكفار وليس خيانة شرفهما، وأساسًا إن هذا العيب من العيوب المنفرة، ونعلم أن المحيط العائلي للأنبياء  يجب أن يكون طاهرًا من أمثال هذه العيوب المنفرة للناس، حتى لا يتقاطع مع هدف النبوة في جذب الناس إلى الرسالة الإلهية»([9]).

وقال الطباطبائي: «على أنا نقول: إن تسرب الفحشاء إلى أهل النبي ينفر القلوب عنه، فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء، وإلا لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعًا لا ظاهرًا فحسب»([10]).

وقال الطريحي: «قوله: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] {التحريم:10} الآية.. قوله: [فَخَانَتَاهُمَا] أي بالنفاق، والتظاهر على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه لمجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه.

ولم يُذكر في تفسير معنى الفاحشة أنها خيانة الفراش فيما اطلعنا عليه من تفاسير الشيعة إلا في تفسير القمي؛ فجاء فيه: «والله ما عنى بقوله: [فَخَانَتَاهُمَا] إلا الفاحشة، وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق، وكان فلان يحبها»([11]).

واعترض عليه الجزائري فقال: «وفي تفسير علي بن إبراهيم: [كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ] {التحريم:10}: والله ما عنى بقوله: [فَخَانَتَاهُمَا] إلا الفاحشة. أقول: ينبغي حمل الفاحشة هنا على معناها اللغوي، وهو ما تفاحش قبحه ولا قبح أكبر من الكفر والنفاق»([12]).

ويقرر محسن الأمين اعتقاد الشيعة في الأنبياء وأزواجهم فيقول: «يعتقد الشيعة وجوب تنزيه الأنبياء عن جميع العيوب والنقائص، سواء أكان ذلك في أفعالهم كالأكل على الطريق، ومجالسة الأرذال، أو صناعاتهم ككونه حجامًا أو زبالًا، أو أخلاقهم كالحقد والحسد والجبن والبخل، أو في أجسامهم كالبرص والجذام، أو عقولهم كالجنون والبله، أو في الخارج عنهم كدناءة الآباء وعهر الأمهات أو الأزواج، فتحصَّل من ذلك أن زوجة النبيِّ يجوز أن تكون كافرةً كما في امرأتي نوح ولوط ، ولا يجوز أن تكون زانيةً؛ لأن ذلك من النقائص التي تلحق النبيَّ فتوجب سقوط محلِّه من القلوب وعدم الانقياد لأقواله وأفعاله، وذلك ينافي الغرض المقصود من إرساله، وحينئذ فقوله تعالى في حقِّ امرأتي نوح ولوط: [فَخَانَتَاهُمَا] يراد منه الخيانة بغير ذلك، ولا عموم في لفظ الخيانة».

ويكمل قائلًا: «أما اعتقادهم في خصوص أزواج النبيِّ فهو ما نطق به القرآن الكريم، واتفق على نقله أهل الآثار والأخبار دون ما انفرد به بعضهم، ولم يقم برهان على صحته ما روي لأمور سياسية في عصر الملك العضوض أو انفرد به شُذَّاذٌ لا عبرة بهم.

هذا هو اعتقادهم ومن نسب إليهم سوى ذلك فقد أخطأ؛ فأزواج النبيِّ  أمهات المؤمنين في لزوم الاحترامِ والتكريمِ احترامًا للنبيِّ  ويحرُم نكاحهن من بعده: [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ] {الأحزاب:6}، [وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا] {الأحزاب:53}»([13]).

فلا يمكن بعد ذلك أن يُعتمد أو يُحتج بكتابٍ أصلًا مطعون فيه لجحد ما اتفق عليه أهل التفسير من الفريقين لنصرة مذهب مريض شاذ مفتقر إلى أبجديات الأدلة.

اقرأ أيضا| قياس أمَّ المؤمنين عائشة  على قتيلة بنت قيس.. رد واضح على شبهات الشيعة

([1]) الفاحشة، ياسر الحبيب (ص252 -253).

([2]) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي (ص٢٨١- ٢٨٣).

([3]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية (7/473).

وقال أيضًا: «وَخِيَانةُ امْرَأَةِ نوحٍ لِزَوْجِهَا كَانتْ فِي الدِّين، فَإِنهَا كَانتْ تَقُولُ: إِنهُ مَجْنون، وَخِيَانةُ امْرَأَةِ لُوطٍ أَيْضًا كَانتْ فِي الدِّين؛ فَإِنهَا كَانتْ تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى الْأَضْيَافِ، وَقَوْمُهَا كَانوا يَأْتُون الذُّكْرَان، لَمْ تَكُن مَعْصِيَتُهُمُ الزِّنا بِالنسَاءِ حَتَّى يُظَن أَنهَا أَتَتْ فَاحِشَةً، بَلْ كَانتْ تُعِينهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَتَرْضَى عَمَلَهُمْ.

ثُمَّ مِن جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنهُمْ يُعَظِّمُون أَنسَابَ الْأَنبِيَاءِ آبَاءَهُمْ وَأَبْناءَهُمْ، وَيَقْدَحُون فِي أَزْوَاجِهِمْ؛ كُلَّ ذَلِكَ عَصَبِيَّةً وَاتِّبَاعَ هَوًى حَتَّى يُعَظِّمُون فَاطِمَةَ وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن، وَيَقْدَحُون فِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنين، فَيَقُولُون -أَوْ مَن يَقُولُ مِنهُمْ-: إِن آزَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ كَان مُؤْمِنا، وَإِن أَبَوَيِ النبِيِّ  كَانا مُؤْمِنيْن، حَتَّى لَا يَقُولُون: إِن النبِيَّ  يَكُون أَبُوهُ كَافِرًا، فَإِذَا كَان أَبُوهُ كَافِرًا أَمْكَن أَن يَكُون ابْنهُ كَافِرًا، فَلَا يَكُون فِي مُجَرَّدِ النسَبِ فَضِيلَةٌ». منهاج السنة النبوية (4/350).

([4]) تفسير البغوي، ط طيبة (8/170).

وقال الطوفي -وهو يذكر الخلاف في ابن نوح-: «اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، هَلْ كَان ابْنهُ لِصُلْبِهِ، أَوْ لَمْ يَكُن ابْنهُ، بَلْ كَان لِلزِّنا؛ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْحَسَن، وَابْن سِيرِين، وَعُبَيْدُ بْن عُمَيْرٍ؛ قَالُوا: وَإِنمَا قَضَى رَسُولُ اللهِ ق بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ مِن أَجْلِ ابْن نوحٍ، وَحَلَفَ الْحَسَن: إِنهُ لَيْسَ بِابْنهِ، وَحَلَفَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: إِنهُ ابْنهُ.

ومن مآخذ النزاع أَن الْخِيَانةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: [كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] {التحريم:10} هَلْ هِيَ بِمَا عَدَا الزِّنا، أَوْ بِالزِّنا وَغَيْرِهِ؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ: خَانتَاهُمَا بِالْكُفْرِ، فَكَانتِ امْرَأَةُ نوحٍ  تَقُولُ لِلناسِ: إِنهُ مَجْنون، وَكَانتِ امْرَأَةُ لُوطٍ  إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ ضَيْفٌ تُخْبِرُ بِهِ قَوْمَهَا وَتُغْرِيهِمْ بِهِ، وقَالَ: وَمَا بَغَتِ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ، وَلَا ابْتُلِيَ الْأَنبِيَاءُ فِي نسَائِهِمْ بِهَذَا، يَعْني الزِّنا. وَقَالَ الْحَسَن: خَانتَاهُمَا بِالزِّنا وَغَيْرِهِ.

فَمَن قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: هُوَ ابْنهُ، وَمَن قَالَ بِالثَّاني قَالَ: لَيْسَ بِابْنهِ؛ لِأَنهُ كَان مِن خِيَانتِهَا بِالزِّنا.

قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَن الْخِيَانةَ الْمَنسُوبَةَ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ، وَقَدْ أَجْمَعْنا عَلَى تَحْقِيقِهَا بِالْكُفْرِ وَنحْوِهِ مِن الْأَذَى، وَذَلِكَ وَافٍ بِمُطْلَقِ الْآيَةِ، يَبْقَى خُصُوصُ الزِّنا، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ». شرح مختصر الروضة (2/695 -699).

([5]) أحكام القرآن، ابن العربي، ط العلمية (1/208).

([6]) جوامع الجامع (3/596).

([7]) التفسير الصافي، الفيض الكاشاني (7/238).

([8]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي (18/462).

([9]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (11/65).

([10]) تفسير الميزان، الطباطبائي (15/102).

وقال صاحب كنز الدقاق: «[ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ] يريد به تعظيم نوح ولوط، [فَخَانَتَاهُمَا] بالنفاق، [فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا] فلن يُغْن النبيَّان عنهما بحقِّ الزواج، [مِنَ اللَّهِ شَيْئًا] إغناءً ما، [وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ] أي: لهما عند موتهما، أو يوم القيامة، [مَعَ الدَّاخِلِينَ] {التحريم:10} مع سائر الداخلين من الكفرة، الَّذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء». كنز الدقائق وبحر الغرائب، محمد رضا قمي مشهدي (13/341).

وقال الطريحي: «قوله: [كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] الآية.. قوله: [فَخَانَتَاهُمَا] أي بالنفاق، والتظاهر على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه لمجنون، وامرأة لوط دلت على ضيفانه.

وَقِيلَ: خَانتَاهُمَا بِالنمِيمَةِ؛ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِمَا أَمْرٌ أَفْشَتَاهُ إِلَى الْمُشْرِكِين، ولا يجوز أن يرادَ بالْخِيَانةِ: الفجورُ، قَالَ ابْن عَبَّاسٍ: مَا زَنتِ امْرَأَةُ نبِيٍّ قَطُّ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن التَّنفِيرِ عَن الرَّسُولِ ق، وَإِلْحَاقِ الْوَصْمَةِ بِهِ». مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي (6/244).

([11]) تفسير القمي (2/377).

([12]) قصص الأنبياء، نعمة الله الجزائري (ص85).

([13]) الشيعة في مسارهم التاريخي، محسن الأمين (ص410).


لتحميل الملف pdf

تعليقات