شبهات وردود

طعن الشيعة في حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في المنام قبل الزواج بها

الشبهة الرابعة والثلاثون

طعن الشيعة: في حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في المنام قبل الزواج بها

 

محتوى الشبهة:

قال الشيعة: "روى البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ "!

وروى مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ "!

وروى الترمذي وابن راهويه عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: «جاء بي جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خرقة حرير خضراء، فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".

إن أمارات الوضع على هذه الأحاديث لائحة، إذ تكفينا هذه التباينات التي صدرت من عائشة، فتارة تزعم أن النبي رآها (مرّتين) كما في رواية البخاري؛ وأخرى أنه رآها (ثلاث ليال) كما في رواية مسلم! وتارة تزعم أن خرقة الحرير كانت (بيضاء) (كما في رواية البخاري ومسلم، وأخرى أنها كانت (خضراء) كما في رواية الترمذي وابن راهويه، ومن أمارات الوضع على هذا الخبر؛ ذيله الذي جاء فيه: «فأقول: إن يك هذا من عند الله يُمضه»! ولا معنى لهذه العبارة سوى أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كان شاكاً في أن هذه الرؤيا التي رآها كانت من الله أم من الشيطان! فإن كانت من الله فإن الله سيُمضي إرادته فيتحقق الزواج بعائشة، وأما إن لم تكن فلا! ومن المحال أن يشك النبي صلى الله عليه وسلم بما يراه في المنام، لأن «رؤيا الأنبياء وحي، والإجماع قائم على أن رؤيا الأنبياء (عليهم السلام) كلها حق، فلا يُعقل أن يشك نبي بذلك، فكيف بسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟!

وعليه فلو صدّقنا عائشة في خبرها الركيك هذا؛ لفتحنا باب الطعن في نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يشك فيما يراه في المنام؛ ليس بنبي ومهما يكن فإن هذه الأحاديث فاقدة للاعتبار، كونها مروية عن المستفيدة منها"([1])

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: ظن المعترض بجهله أن اختلاف الرواة في عدد الرؤية يبطل الرواية، أو يطعن في الراوي؛ وهذا لم يقل به أحد قط، لا من السنة، ولا من الشيعة؛ إذ قد نص العلماء على أن الشك أو الوهم إذا وقع من الراوي ولم يكثر فلا يكون طعنًا في الراوي، ولا يبطل الرواية، إلا إذا عارضت نصًا صحيحًا.

وأما ما ذكر من أن رواية البخاري اقتصرت على مرتين، ورواية مسلم ذكرت ثلاث مرات، فهذا يرجع إلى يقين المحدث فيما أخذه عن الراوي، إذ أن أكثر طرق الحديث قد ذكرت الرؤية مرتين، فاقتصر البخاري على ما تيقنه، ولما تيقن مسلم من رواية الثلاث ذكرها، وهذا ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، حيث قال:" وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَنَامُ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا لِأَنَّ الْأَكْثَرَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَازِمِينَ بِمَرَّتَيْنِ وَمِنْ رِوَايَةِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِالشَّكِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ هِشَامٍ فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْمُحَقَّقِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَرَّتَيْنِ وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمُفَسَّرَةِ وَحُذِفَ لَفْظُ ثَلَاثٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ".([2])

وقد جاء لفظ الثلاث أيضا عند البيهقي. ([3]) 

وعليه فإذا كان أصل الحديث ثابتاً فلا يضره ذلك.

ثانياً: القاعدة أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وذكر الأقل لا ينفي ذكر الأعلى، فإذا علم البخاري وذكر رواية الرؤية مرتين، فلا ينفي ذلك ذكر مسلم لرواية الثلاث، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأم المؤمنين أنه رآها مرتين ثم ذكر لها أنه رآها ثلاث مرات، فحدثت بهذا مرة، وحدثت بهذا مرة، وهذا يقع كثيرًا، ومعلوم عند أهل العلم، ومن ذلك مثلا حديث الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم من دون الأنبياء، ففي بعض الروايات قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي..".([4]) 

وعند مسلم: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ".([5])

فهل هذا الاختلاف يعني الطعن في الروايات؟! هذا لا يقوله إلا جاهل أحمق.

ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ".([6])

فمفهوم العدد هنا أنه ليس هناك كبائر إلا هذه السبع، وأن ما عداها ليس من الموبقات، غير أنه وردت نصوص تدل بمنطوقها على زيادة الكبائر عن السبع، وأنها لا تنحصر في هذا العدد.

قال الشيخ الشنقيطي: "التَّحْقِيقُ أَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي سَبْعٍ، وَأَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهَا سَبْعٌ لَا يَقْتَضِي انْحِصَارَهَا فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى نَفْيِ غَيْرِ السَّبْعِ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَالْحَقُّ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ".([7])

قلت: وعليه فذكر العدد اثنين في رواية البخاري لا يفهم منه أن الرؤية كانت مرتين فقط، وهذا عند من ألغى مفهوم العدد، وعند من اعتبره، فأما الأول فواضح، وأما الثاني، فإن من اعتبره استثنى منه ما دلت القرينة اللفظية، أو السياقية، أو الخارجية على عدم انتفاء الحكم عما عداه، ولفظ مسلم قرينة لفظية تنفي مفهوم العدد عند القائلين به، وبه يثبت المطلوب.

ثالثاً: قول الرافضي ياسر: "وتارة تزعم أن خرقة الحرير كانت (بيضاء) (كما في رواية البخاري ومسلم، وأخرى أنها كانت (خضراء) كما في رواية الترمذي وابن راهويه! "

قلت: قد كذب ياسر على الصحيحين، وخلط لفظ رواية الترمذي مع روايات البخاري ومسلم!، وزعم -كذبا-أن رواية البخاري ومسلم ذكرتا أن الخرقة كانت بيضاء؛ مع أن هذا اللفظ (بيضاء) أو تحديد اللون بالبياض غير وارد لا في روايات الصحيحين ولا في غيرهما، والعرب تفرق بين لفظ "سرقة حرير" و "خرقة حرير" حيث إن أصل كلمة "سرقة" هي الجيد من الثياب، كما قال أبو عبيدة في لسان العرب.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَصْلُهُ سَرَهْ أَيْ جَيِّدٌ".([8]) 

وقد نقل ابن منظور أقوال أهل اللغة، ومنهم أبو عبيدة الذي قال إن السرقة من الحرير لا تكون إلا بيضاء، ولم أجد أحداً غيره من أهل اللغة قال مثله.

 وعليه فالحديث إذا ذكر لفظة " خضراء" كما عند الترمذي "عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ جِبْرِيلَ، جَاءَ بِصُورَتِهَا فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».([9])

فهذا حاكم على رواية الصحيحين المطلقة، وحاكم على كلام أبي عبيدة، ثم إن أبا عبيدة يحكي عما يعلم من حال الدنيا، أما الرؤية فكانت تحكي عن سرقة حرير جاء بها جبريل عليه السلام، فلا يبعد أن تكون مختلفة عما هو معلوم في الدنيا، مع ملاحظة أن لفظ الحديث الذي ذكر اللون الأخضر لم يأت قط بلفظ "سرقة حرير" وإنما قال "خرقة حرير" والخرقة من الحرير قد تكون بيضاء أو خضراء أو غير ذلك وقد ذكر الله تعالى في كتابه الحرير الأخضر فقال {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} [اﻹنسان: 21]

فالعرب إذًا تعرف الحرير الأخضر، بل كان العرب يلبسونه كما ذكر ابن عبد ربه:" ﺧﺮﺝ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ ﻭﻗﺪ ﺭﻛﺐ اﻟﺠﻨﺪ ﺃﻣﺎﻣﻪ، ﻭﻣﻌﻪ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺃﻛﺜﻢ ﻳﻀﺎﺣﻜﻪ ﻭﻳﺤﺎﺩﺛﻪ، ﻭﺇﺫ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻼﻡ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻔﺮاﻫﺔ، ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻮﺏ ﺣﺮﻳﺮ ﺃﺧﻀﺮ".([10])

وقال النحاس: "يقال: هذا سندس أخضر، كما يقال: هذا حرير أخضر".([11])

وهناك وجه أظهر للجمع بين الروايات، وهو أن جبريل عليه السلام جاءه بها مرة أو مرتين بسرقة حرير بيضاء، ومرة أخرى بخرقة حرير خضراء.

رابعاً: قوله: "من أمارات الوضع على هذا الخبر؛ ذيله الذي جاء فيه: «فأقول: إن يك هذا من عند الله يُمضه»! ولا معنى لهذه العبارة سوى أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كان شاكاً في أن هذه الرؤيا التي رآها كانت من الله أم من الشيطان".

قلت: فهلَّا قرأ الرافضة قول الله تعالى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة يونس:94].

فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم في شك مما أنزل إليه؟! أم أن هذا أسلوب تجاهل العارف الذي يسمى عند العرب: "مزج الشك باليقين"، ومن ذلك قول الله تعالى {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} [سورة الأنبياء:111].

فهنا صورة الشك متحققة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يتشكك في شيء من ذلك قطعًا، ولذلك قال الكرماني في شرحه على البخاري: "فعبر عما علمه بلفظ الشك ومعناه اليقين إشارة إلى أنه لا دخل له فيه وليس ذلك باختياره وفي قدرته".([12])

وقال ابن الملقن: "وهذِه الرؤيا يحتمل أن تكون قبل النبوة في وقت يجوز عليه رؤيا سائر البشر، فلما أوحى إليه خلص رؤياه من الأضغاث، وحرسه في النوم كما حرسه في اليقظة، وجعل رؤياه وحيًا. قاله ابن بطال أولاً.

 ثم قال: ويحتمل أن تكون بعده، وبعد العلم بأن رؤياه وحي، فعبر عما علم بلفظ يوهم الشك ظاهره ومعناه اليقين، وهذا موجود في لغة العرب، أن يكون اللفظ يخالف معناه كما قال ذو الرمة: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل.... وبين النقا هل أنت أم أم سالم ولم يشك أن الظبية ليست بأم سالم، وكما قال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا * * * وأندى العالمين بطون راحِ

فعبر عما هو قاطع عليه وعالم به بلفظ ظاهرُه الشك، والمسألة عما لا يقطع عليه، فكذلك قوله: "إن كان هذا من عند الله يمضه"، وقد علم أنه كان من عنده لا محالة".([13])

وقال ابن حجر: "قَوْلُهُ يُمْضِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَفِيهِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ:

أَحَدُهَا: التَّرَدُّدُ هَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ.

ثَانِيهَا: أَنه لفظ شكّ لا يراد بِهِ ظَاهِرُهُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّحَقُّقِ وَيُسَمَّى فِي الْبَلَاغَةِ مَزْجُ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ.

 ثَالِثُهَا: وَجْهُ التَّرَدُّدِ، هَلْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَقِيقَتِهَا، أَوْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ لَهَا تَعْبِيرٌ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ. قُلْتُ: الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَد،ُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ عَنِ بن الْعَرَبِيِّ، ثُمَّ قَال: " وَتَفْسِيرُهُ بِاحْتِمَالِ غَيْرِهَا لَا أَرْضَاهُ، وَالْأَوَّلُ يَرُدُّهُ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ (فَإِذَا هِيَ أَنْتِ)؟ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَآهَا وَعَرَفَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا وُلِدَتْ بَعْدَ الْبعْثَة وَيرد أول الِاحْتِمَالَات الثَّلَاث رِوَايَة بن حِبَّانَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ هِيَ زَوْجَتُكُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالثَّانِي بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".([14]) 

قَالَ الطِّيبِيُّ: "هَذَا الشَّرْطُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمُتَحَقِّقُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ الْمُدِلُّ بِصِحَّتِهِ تَقْرِيرًا لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ وَتَحَقُّقِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ السُّلْطَانِ لِمَنْ تَحْتَ قَهْرِهِ: إِنْ كُنْتَ سُلْطَانًا انْتَقَمَتْ مِنْكَ أَيِ السَّلْطَنَةُ مُقْتَضِيَةً لِلِانْتِقَامِ".([15])

خامساً: قوله: "ومهما يكن فإن هذه الأحاديث فاقدة للاعتبار، كونها مروية عن المستفيدة منها".

وهذا جهل عميق؛ إذ أنه نفسه قد ساق في (ص229) رواية عن أبي هريرة، ولكنها لا تصح عنه، ومع ذلك كان رَدُّهُ لها لكون أبي هريرة لم يشهد الواقعة؛ وهذا من الحمق والغباء؛ إذ أن مراسيل الصحابة مقبولة عند كل أحد من أهل العلم، ثم فضلاً عن ذلك فقد روي هذا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- كما عند أبي نعيم بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِصُورَةِ عَائِشَةَ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ عَائِشَةُ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا، وَزَوْجَتُكَ فِي الْآخِرَةِ عِوَضًا عَنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ".([16]) 

والرواية عند الطبراني بلفظ: "أَتَى بِهَا جِبْرِيلُ عليه السلام فِي سَرَقَةٍ حَرِيرٍ قَبْلَ أَنْ تُصَوَّرَ فِي رَحِمِ أُمِّهَا، فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَزَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، عِوَضًا مِنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهَا، فَسُرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَّ بِهَا عَيْنًا".([17])

فانتفى التفرد إذاً، ولو سلمنا بتفرد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها بتلك الرواية لما ضرنا ذلك، إذ أنه لا يرد رواية الصحابة فضلا عن أكابرهم إلا المبتدعة، فضلا عن السبأية!

والحمد الله رب العالمين

 

[1]- الفاحشة- ياسر الحبيب- (ص 226-227).

[2]- فتح الباري- لابن حجر- (12/400).

[3]- السنن الكبرى- للبيهقي- (7/137).

[4]- صحيح البخاري- (1/95)؛ صحيح مسلم- (1/370).

[5]- صحيح مسلم- (1/371).

[6]- صحيح البخاري- (4/10)؛ صحيح مسلم- (1/92).

[7]- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن- (7/77).

[8]- لسان العرب- (10/156).

[9]- سنن الترمذي- ت شاكر- (5/704).

[10]- العقد الفريد، (8/123).

[11]- إعراب القرآن، (5/67).

[12]- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري- (24/117).

[13]- التوضيح لشرح الجامع الصحيح- (32/192).

[14]- فتح الباري، لابن حجر- (9/182).

[15]- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح- الملا على القاري- (9 /3991).

[16]- معرفة الصحابة، لأبي نعيم- (6 /3209).

[17]- المعجم الكبير، للطبراني- (23 /130).


لتحميل الملف pdf

تعليقات