مما استنكره الكثيرُ من علماء الرافضة خاصة المعاصرين، زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين، وزعموا أنها كانت أكبر من هذه السن بكثير.
قال جعفر مرتضى العاملي: «ويقولون: إنه صلى الله عليه وسلم قد عقد على عائشة وهي بنت ست سنين أو سبع، ثم انتقلت إلى بيته بعد هجرته إلى المدينة، وهي بنت تسع، وهذا هو المروي عنها، ونحن نقول: إن ذلك غير صحيح، وأن عمرها كان أزيدَ من ذلك بكثير»([1]).
بل زعم بعضهم أن السبب وراء هذه الروايات هو تضخيم عائشة ل مما يعود بالإيجاب على السلطة الحاكمة التي كانت تتمثل آنذاك في أبيها، قال صالح الورداني: «والسؤال الذي يجب أن يسبق هذه الأسئلة جميعًا: ما الذي يضطر الرسول إلى الاقتران بطفلة وأمامه نساء العرب...؟ وأمام تلك التساؤلات ليس أمامنا سوى أن نقر بأن مثل هذه الروايات اخترعت من قبل السياسة، والهدف هو تضخيم عائشة... وتضخيم عائشة يعني تضخيم أبي بكر... وتضخيم أبي بكر يعني تضخيم خط الحكام الذين سادوا بعد وفاة الرسول (ص)، والذين استمدوا شرعيتهم من نظام أبي بكر...وهذه اللعبة من أساسها هي من صنع معاوية»([2]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الموروث الروائي السني والشيعي يثبت سن النكاح.
القول بأن رسول الله ق تزوج عائشة ل في هذه السن لم تنفرد به مصادر أهل السنة فقط، بل جاء في روايات الرافضة أيضًا ما يدل عليه.
فقد روى الكليني في باب «شهادة الصبيان» بسنده، عن أبي أيوب الخزاز قال: «سألت إسماعيل بن جعفر: متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قال: قلت: ويجوز أمرُه؟ قال: فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين»([3]) صححه المجلسي([4]).
استشكال:
قد يُطعن في الخبر بأنه من رواية إسماعيل بن جعفر، وليس هو أحد الأئمة المعصومين؛ فلا يكون قوله حجة.
الجواب:
قال الگلپايگاني: «وهذا الخبر ليس عن المعصوم فهو موقوف، لكن لا يبعد أن يكون له اعتبار ما لجلالة قدر إسماعيل، وشدة حب أبيه الصادق له»([5]).
وقال محمد اليعقوبي: «ومما يؤيد عدم جواز الدخول بالمرأة إلا إذا بلغت: ما رواه الكليني في (الكافي)، والشيخ في (التهذيب) بسند صحيح عن أبي أيوب الخزار قال: «سألت إسماعيل بن جعفر... إلى أن قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة»، وقول إسماعيل ليس بحجة إلا بناءً على أنه أخذه عن أبيه باعتباره من الأجلاء ومورد حب أبيه، وإنما سأله أبو أيوب بناءً على أنه أخذ الجواب عن أبيه الصادق S»([6]).
ثانيًا: اعتراف علماء الرافضة بسن النكاح، ولم يستشكلوه.
وقد اعترفت طائفة من علماء الشيعة الإمامية بهذا النكاح في هذه السن ولم يستنكره منهم أحد أو يستشنعه! منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1. الطبرسي قال: «والثالثة: عائشة بنت أبي بكر، تزوجها بمكة وهي بنت سبع، ولم يتزوج بِكرًا غيرها، ودخل بها وهي بنت تسع، لسبعة أشهر من مقْدَمه المدينة، وبقيت إلى خلافة معاوية»([7]).
2. المجلسي قال: «وعائشة بنت أبي بكر، وهي ابنة سبع قبل الهجرة بسنتين، ويقال: كانت ابنة ست، ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع، ولم يتزوج غيرها بكرًا، وتوفي النبي -صلى الله عليه وآله- وهي ابنة ثماني عشرة سنة»([8]).
3. الكراجكي قال: «وذلك أن مولد عائشة معروف، وزمانها معلوم، ولدت بعد البعثة بخمسِ سنين، وكان لها وقت الهجرة ثماني سنين، وتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وآله- بعد الهجرة بسنة، ولها يومئذ تسع سنين، وأقامت معه تسعًا، وكان لها يوم قبض ثماني عشرة سنة»([9]).
4. مرتضى العسكري قال: «عائشة بنت أبي بكر، وأمها أم رُومان ابنة عامر الكناني، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وآله- قبل الهجرة بسنتين وهي بكر، وكان عمرها لما تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وآله- ست سنين، وقيل: سبع سنين، وبنى بها في شوال بالمدينة وهي بنت تسع سنين»([10]).
5. ناصر مكارم الشيرازي قال: «وكذلك ينبغي الالتفات إلى أن بعض هذه النساء -كعائشة- كانت صغيرةً جدًّا عندما أصبحت زوجة للنبي -صلى الله عليه وآله-، وقد مرت سنون حتى استطاعت أن تكون زوجةً حقيقيةً له»([11]).
ثالثًا: توافق الأعراف على سن النكاح.
الزواج مبكرًا في تلك السن لم يكن مستنكرًا ولا مستقبحًا في تلك الأزمان، وكان أمرًا طبيعيًّا غير خارج عن أعراف الناس.
قال مرتضى العسكري: «يؤاخِذ أبناء الغرب على رسول الله -صلى الله عليه وآله- زواجه بعائشة في صغر سنها، والسبَبُ في ذلك أنهم دائمًا يتخذون من مجتمعهم وأعرافِهِم مقياسًا لمعرفة الحق والباطل، فما وافق أعرافَهُم في مجتمعِهِم حقٌّ وتقدٌّم وإنسانيةٌ، وباطلٌ وجهلٌ وتخلفٌ فيما خالفها.
وإذا درسْنا الظروفَ الخاصة بكلٍّ من المجتمع الشرقي والغربي؛ أدركنا أن المناخ في مثل المحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية حارٌّ يؤدي إلى النضج المبكر في البنت، فهي ترى العادة الشهرية في سن مبكرةٍ، وليس الأمر كذلك في مناخ شديد البرودة مثل مناخ الغرب؛ ولذلك فإن الزواج بصغيرةِ السن كان عامًّا في ذلك المناخ، ولم يخصَّ الرسول -صلى الله عليه وآله-، ولم يكن يتأخر زواج الصغيرة عندهم إلا لظروف خاصة بالبنت، وفي الغرب أيضًا تنكح البنت الصغيرة، لكن لا من قبل زوجها بل من قبل أخلائها، ولا تدخل البنت في بيت زوجها بكرًا، وبلغني أن دخولها على زوجها بكرًا يعد منها تخلُّفًا وجهلًا»([12]).
وقد سئل الشيخ الشيعي ياسين عيسى كالتالي:
35- ما الحكمة في زواج رسول الله بعائشة وهي صغيرة...؟
فكان الجواب:
1. إن هذا الزواج كان شائعًا ولم يكن مستهجنا، ولم يكن يترتب عليه أية أذية، وكان يتم أحيانا بطلب من أهل الزوجة أو من قبيلتها، وقد يكون لمصلحة تساعد على بسط نفوذ الإسلام وتذليل عقباته.
2. إن المرأة في البلاد الحارة -كشبهِ الجزيرة العربية- يسرع بها النضوج الجسدي قبل المرأة في البلاد الباردة، في حين أن الزواج المبكر بالصغيرة لا يستلزم الدخول بها، بل يؤخر ذلك إلى الوقت المناسب»([13]).
رابعًا: تزوجت فاطمة وهي بنت تسع سنوات!
كيف يستنكر الرافضة زواج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هذه السن، في حين تزوجت فاطمة رضي الله عنها في مثلِ سنها.
روى الكليني في (الكافي) بسنده عن سعيد بن المسيب... قال: «فقلت لعلي بن الحسين: فمتى زَوَّجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله- فاطمةَ من عليّ ؟ فقال: بالمدينة بعد الهجرة بسنةٍ، وكان لها يومئذ تسع سنين»([14]).
قال جعفر مرتضى العاملي: «وذكرت الرواياتُ أن عليًّا بنى بفاطمة وهي بنت تسع سنين»([15]).
زواج السيدة فاطمة من علي
قال نجاح الطائي: «تزوج عليٌّ وعمره خمس وعشرون سنة، وتزوجته فاطمة وعمرها تسع سنين»([16]).
قال عليّ النمازي الشاهرودي: «جهاز فاطمة -سلام الله عليها-، وكان تزويجها في السنة الأولى من الهجرة، وكان لها يومئذ تسع سنين»([17]).
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها في هذه السن نفسها، مما يدل أنه كان أمرًا شائعًا غير مستهجن ولا مستقبح.
اقرأ أيضا| زعم الشيعة تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عاتكة بنت زيد دون رضاها!
([1]) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ق، جعفر مرتضى (3/285).
([2]) دفاع عن الرسول (ص)، صالح الورداني (ص57).
([3]) الكافي، الكليني (7/388).
([4]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي (20/22).
([5]) كتاب الشهادات، الگلپايگاني (ص26).
([6]) فقه الخلاف، محمد اليعقوبي (4/199).
([7]) إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي (1/276).
([8]) بحار الأنوار، المجلسي ط. دار إحياء التراث (22/191) وقال في موضع آخر (22/202): «والثالثة: عائشة بنت أبي بكر، تزوجها بمكة وهي بنت سبع، ولم يتزوج بِكْرًا غيرها، ودخل بها وهي بنت تسع لسبعة أشهر من مقدمه المدينة، وبقيت إلى خلافة معاوية».
([9]) كنز الفوائد، الكراجكي (ص124).
([10]) أحاديث أم المؤمنين عائشة، مرتضى العسكري (1/36).
([11]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر الشيرازي (13/314).
([12]) أحاديث أم المؤمنين عائشة، مرتضى العسكري (1/50).
([13]) مع الشباب سؤال وجواب، ياسين عيسى (ص93 -94).
([14]) الكافي، الكليني (8/340).
([15]) خلفيات كتاب مأساة الزهراء ، جعفر مرتضى (2/481 - 482).
([16]) أزواج النبي وبناته، نجاح الطائي (ص40).
([17]) مستدرك سفينة البحار، علِي النمازي الشاهرودي (8/247).
لتحميل الملف pdf