دائمًا ما يحاولُ الرافضةُ النيلَ من عِرض رسول الله والطعن في حبيبة قلبه أم المؤمنين عائشة ، ويبررون ذلك بعدم الملازمة بين الإيمان والزواج، وأن التفاضل عند الله يكون بالإيمان لا بالزواج.
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الخلط بين فضل المجازاة وفضل الاختصاص هو حقٌّ أُريد به باطل.
هذا الكلام فيه حق وباطل، فالحق الذي فيه أن الميزان في الفضل إنما هو العمل، كما قال الله تعالى: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات:13}.
وأما الباطل فهو التنكر لقول الله تعالى: [يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] {البقرة:105} وقوله تعالى: [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ] {القصص:68}.
فالأول فضل مجازاة، والثاني فضل اختصاص.
قال ابن حزم: «الفضل يَنقَسِم إِلَى قسمَيْن لَا ثَالِث لَهما: فضل اخْتِصَاص من الله بِلَا عمل، وَفضل مجازاة من الله تعالى بِعَمَل، فَأَما فضل الِاخْتِصَاص دون عمل فَإِنهُ يشْتَرك فِيهِ جَمِيع المخلوقين من الْحَيَوَان الناطِق وَالْحَيَوَان غير الناطِق والجمادات، كفضل الْمَلَائِكَة فِي ابْتِدَاء خلقهمْ على سَائِر الْخلق، وكفضل الْأَنبِيَاء على سَائِر الْجِن والإنس، وكفضل إِبْرَاهِيم ابْن النبِي على سَائِر الْأَطْفَال، وكفضل ناقَة صَالح على سَائِر النوق، وكفضل ذَبِيحَة إِبْرَاهِيم على سَائِر الذَّبَائِح، وكفضل مَكَّة على سَائِر الْبِلَاد، وكفضل الْمَدِينة بعد مَكَّة على غَيرهَا من الْبِلَاد، وكفضل الْمَسَاجِد على سَائِر الْبِقَاع، وكفضل الْحجر الْأسود على سَائِر الْحِجَارَة، وكفضل شهر رَمَضَان على سَائِر الشُّهُور، وكفضل يَوْم الْجُمُعَة وعَرَفَة وعاشوراء وَالْعشر على سَائِر الْأَيَّام، وكفضل لَيْلَة الْقدر على سَائِر اللَّيَالِي، وكفضل صَلَاة الْفَرْض على النافِلَة، وكفضل صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الصُّبْح على سَائِر الصَّلَوَات، وكفضل السُّجُود على الْقعُود، وكفضل بعض الذِّكْرِ على بعض.
فَهَذَا فضل الِاخْتِصَاص الْمُجَرّد بِلَا عمل، وَأَما فضل المجازاة بِالْعَمَلِ فَلَا يكون الْبَتَّةَ إِلَّا للحي الناطِق من الْمَلَائِكَة والإنس وَالْجِن فَقَط»([1]).
فقد يكون التفضيل دون تقدم عمل من الذي فضله الله على غيره، ومن ذلك: «سُجُودُ الْمَلَائِكَةِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِين لِآدَمَ، وَلَعْن الْمُمْتَنعِ عَن السُّجُودِ لَهُ، وَهَذَا تَشْرِيفٌ وَتَكْرِيمٌ لَهُ»([2]).
ولم يكن قد تقدم من آدم عمل يوجب هذا التفضيل على الملائكة، «فنعَمُ اللهِ تَعَالَى وَأَيَادِيهِ وَآلَاؤُهِ عَلَى عِبَادِهِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ مِنهُمْ، وَلَوْ كَانتْ بِسَبَبِ مِنهُمْ فَهُوَ الْمُنعِمُ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَهُوَ الْمُنعِمُ بِهِ وَيَشْكُرُهُمْ عَلَى نعَمِهِ»([3]).
ولذلك كان هذا السجود محضَ تشريف وتكريم بلا عمل سابق، قال شيخ الإسلام: «وَأَمَّا نفْسُ السُّجُودِ فَلَا مَنفَعَةَ فِيهِ لِلمسجُودِ لَهُ إلَّا مُجَرَّدَ تَعْظِيمٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ، وَلَا يَصْلُحُ الْبَتَّةَ أَن يَكُون مَن هُوَ أَفْضَلُ أَسْفَلَ مِمَّن دُونهُ وَتَحْتَهُ فِي الشَّرَفِ الْمُحَقَّقِ لَا الْمُتَوَهَّم؛ فَافْهَمْ هَذَا فَإِن تَحْتَهُ سِرًّا»([4]).
وعليه نقول: إن تفضيل الله تعالى لمن تتزوج بنبينا حاصلٌ رغم أنف المعاند، وقد فضل الله نساء النبي بجعلِهن أمَّهاتٍ للمؤمنين وميزهن عن سائر النساء بقوله: [لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ] {الأحزاب:32} قَالَ الشَّافِعِيُّ : «فَأَبَانهُن مِن نسَاءِ الْعَالَمِين»([5]).
ثانيًا: لهن الفضل المضاعف والأجر المضاعف
جعل اللهُ ثوابهن ضِعف ثواب العامل من الأمة، وما ذاك إلا لشرفِهن وعلو منزلتهن.
قال ابن حزم: «قَول الله تعالى: [وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا] {الأحزاب:31}، فَهَذَا فضل ظَاهر وَبَيَان لائح فِي أَنهُن أفضل من جَمِيع الصَّحَابَة ي، وبهذه الْآيَة صِحَة متيقنة لَا يمتري فِيهَا مُسلم، فَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَفَاطِمَة وَسَائِر الصَّحَابَة ي إِذا عمل الْوَاحِد مِنهُم عملًا يسْتَحق عَلَيْهِ مِقْدَارًا مَا من الْأجر، وإذا عملت امْرَأَةٌ من نسَاء النبِي صلى الله عليه وسلم، مثل ذَلِك الْعَمَل بِعَيْنه كَان لَهَا ضِعْف ذَلِك الْمِقْدَار من الْأجر، فَإِذا كَان نصيفُ الصحابي وَفَاطِمَة ي يفي بِأَكْثَرَ من مثل جبل أُحُد ذَهَبًا مِمَّن بعده، كَان للْمَرْأَة من نسَائِهِ -عليه الصلاة والسلام- فِي نصيفها أَكثر من مَلِيء جبلين اثْنيْن مثلِ جبل أحُدٍ ذَهَبًا، وَهَذِه فَضِيلَة لَيست لأحدٍ بعدِ الْأَنبِيَاءِ إِلَّا هن»([6]).
وقال الزمخشري -المعتزلي- في سياق تفسيره لهذه الآية: «وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي، ولا على أحد منهن مثل ما لله عليهن من النعمة والجزاء يتبع الفعل»([7]).
ثالثًا: فضل الاختصاص لهن
فنقول كما قال ابن حزم: «فبِيَقِين ندْرِي أَنه لَا تَعْظِيم يسْتَحقُّهُ أحد من الناس فِي الدُّنيَا بِإِيجَاب الله تَعَالَى علينا بعد التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا للأنبياء أوجب وَلَا أوكد مِمَّا ألزمناه الله تعالى من التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا لِنسَاء النبِي ق بقول الله تَعَالَى: [النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ] {الأحزاب:6}.
فَأوجب الله لَهُن حكم الأمومة على كل مُسلم، هَذَا سوى حق إعظامهن بالصحبة مَعَ رَسُول الله ق، فَلَهُن مَعَ ذَلِك حقُ الصُّحْبَة لَهُ كَسَائِر الصَّحَابَة، إِلَّا أَن لَهُن من الِاخْتِصَاص فِي الصُّحْبَة، ووكيد الْمُلَازمَة لَهُ، ولطيف الْمنزلَة عِنده، والقرب مِنهُ، والحظوة لَدَيْهِ مَا لَيْسَ لأحد من الصَّحَابَة ي فَمِن أَعلَى دَرَجَة فِي الصُّحْبَة من جَمِيع الصَّحَابَة، ثمَّ فضلَهُن سَائِرُ الصَّحَابَة بحقٍ زَائِد، وَهُوَ حقُّ الأمومة الْوَاجِب لَهُن كُلهن بِنصّ الْقُرْآن، فَوَجَدنا الْحق الَّذِي بِهِ اسْتحق الصَّحَابَة الْفضل قد شاركنهم فِيهِ وفضلهم فِيهِ أَيْضًا، ثمَّ فضلنهم بِحَق زَائِد، وَهُوَ حق الأمومة، ثمَّ وجدناهن لَا عمل من الصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَالصِّيَام وَالْحج وَحُضُور الْجِهَاد يسْبق فِيهِ صَاحب من الصَّحَابَة إِلَّا كَان فِيهِن، فقد كُن يجهدن أَنفسهن فِي ضيقِ عيشهن على الكد فِي الْعَمَل بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْق، ويشهدن الْجِهَادَ مَعَه »([8]) فهذا فضل الاختصاص واضح.
رابعًا: فضل الجزاء لهن
نالت أمهات المؤمنين القدح المعلَّى في فضل المجازاة بالأعمال أيضًا، فقد نلن شرف خدمتِه، وغسل ثيابه، وطبخ طعامه، وتنظيف بيته، والعمل على راحته، كل هذه من خصائص زوجات نبينا التي لا ينكرها أحد من المسلمين، حتى إن بناته-صلى الله عليه- وسلم لم يخدمنه كما خدمَه أزواجه؛ ولذلك خصهن الله بمزيد فضل على بناته، وكان فضلهن على وجهين:
الوجه الأول: الفضل الزماني
قال ابن حزم: «وَأما فضلهن على بَنات النبِي فَبيِّن بِنصِّ الْقُرْآن لَا شكَّ فِيهِ، قَالَ الله: [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا] {الأحزاب:32} فَهَذَا بَيَان قَاطع لَا يسع أحدًا جَهلُه.
فَإِن عَارَضَنا معَارضٌ بِقُولِ رَسُول الله : «خيرُ نسائِهَا فَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّد»، قُلْنا لَهُ: فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان جلي لما ذكرنا، وَهُوَ أَنه لم يقل: خير النسَاء فَاطِمَة، وَإِنمَا قَالَ: «خير نسائها»، فَخص وَلم يعمم، وتفضيل الله نسَاء النبِي ق على النسَاء عُمُوم لَا خُصُوص، فلَا يجوز أَن يُسْتَثْنى مِنهُ أحدٌ من اسْتثِناء نص آخر، فصح أَنه إِنمَا فضل فَاطِمَة على نسَاءِ الْمُؤمنين بعد نسَائِهِ ، فاتفقت الْآيَةُ مَعَ الحَدِيث.
قَالَ : «فضل عَائِشَة على النسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام»، وَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ موافقٌ للْآيَة، وَوَجَبَ أَن نسْتَثْني مَا خصَّه النبِي صلة الله عليه وسلم بقوله: «نسَائِهَا» من هَذَا الْعُمُوم، فصحَّ أَن نسَاءَهُ ق أفضل النسَاء جملَة...»([9]).
فإذا كان الفضل يتفاوت بحسب الزمان والمكان والعمل ذاته، وكذلك ثمرته والعامل ذاته، فقد اجتمع في نساء النبي ق شرف الزمان من حيث كُنَّ في خير القرون التي لا يبلغ العامل بعدهم مُدَّ أحدهم ولا نصيفه، قال تعالى: [وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] {الحديد:10}.
وقال لخالد بن الوليد، وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ب خصومة: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَن أَحَدَكُمْ أَنفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نصِيفَهُ»([10]) فهذا كله من ناحية الفضل في الزمان.
الوجه الثاني: الفضل المكاني.
وأما من ناحية الفضل في المكان، فقد كُن ألصقَ الناس برسول الله ق، وكل مكان حل فيه فهو مكان مبارك، حتى إن القاضي عياضًا فَضَّلَ تربَة قبرِ النبي ق على الكعبة، وإن كان هذا خلافَ الصحيح، إلا أنه من المتفق عليه أن كل مكان يحل فيه فهو مكان مبارك، وألصق الأمكنة به ق هو بيته الشريف، والذي كان مسكنا لأزواجه، ومحلًّا لعباداتهم وقرباتهم من رب العالمين -تبارك اسمه-، فرُبَّ تسبيحةٍ أفضل من ملء الأرض من عمل غيرهن؛ كرامة لمكان حل فيه رسول الله .
قال تعالى: [﴿ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾] {الجمعة:4} وقال : «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِن أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المسْجِدَ الحَرَامَ»([11])، فكيف بأزواجه اللاتي كن دائمًا معه؟! ثم يأتي ذاك المنكوس لينفي بجرة قلمٍ أي فضل لتزويج نبينا من نسائه؟!
ولأجل اختصاصهن به وقربهن منه، حرم الله عليهن الزواج من أحد بعده تكريمًا وتشريفًا لهن، حتى إن مجرد الزواج من أحد بعده يؤذي نبينا، فكيف بمن يتكلم فيهن ويفحش القول ويؤذيهن بأقذع الألفاظ قبحه الله؟!
فإن الله لم يحبس أزواج نبيه عن الزواج بعده إلا لكونهن أزواجه في الآخرة، فروى البيهقي عَن حُذَيْفَةَ ا أَنهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: «إِن شِئْتِ أَن تَكُوني زَوْجَتِي فِي الْجَنةِ، فَلَا تَزَوَّجِي بَعْدِي، فَإِن الْمَرْأَةَ فِي الْجَنةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الدُّنيَا؛ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللهُ عَلَى أَزْوَاجِ النبِيِّ أَن يُنكَحْن بَعْدَهُ؛ لِأَنهُن أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنةِ»([12]).
وأما بخصوص أم المؤمنين عائشة تحديدًا؛ فلا شك أنها أفضل نسائه على الإطلاق بعد خديجة، وقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَن خَدِيجَةَ، وَعَائِشَةَ أُمَّيِ الْمُؤْمِنين، أَيَّتهُمَا أَفْضَلُ؟
فَأَجَابَ: «بِأَن سَبْقَ خَدِيجَةَ وَتَأْثِيرَهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَنصْرَهَا وَقِيَامَهَا فِي الدِّين لَمْ تَشْرَكْهَا فِيهِ عَائِشَةُ وَلَا غَيْرُهَا مِن أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنين، وَتَأْثِيرُ عَائِشَةَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ وَحَمْلِ الدِّين وَتَبْلِيغِهِ إلَى الْأُمَّةِ، وَإِدْرَاكُهَا مِن الْعِلْمِ مَا لَمْ تَشْرَكْهَا فِيهِ خَدِيجَةُ وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ عَن غَيْرِهَا»([13]).
فإذا تكلمنا عن الثمرة التي جنتها الأمة من أم المؤمنين عائشة، فضلًا عن أنها أتعبت الأمة في اللحاق بأخلاقها القرآنية مع الله تعالى ومع رسول الله ق نبيًّا وزوجًا وحبيبًا، فعاشت حياة التقوى والورع والجهاد والزهد في الدنيا والكرم والسخاء، والرحمة بالفقراء والأرقاء والموالي وطلاب العلم، فمع أنها تركت لنا خير أسوة في كل هذا، إلا أن ذلك لا يساوي شيًئا في الثمرة العظمى التي أهدتها للأمة كلها بعد رسول الله، فكانت أعلم الأمة بكتاب الله وسنة رسوله .
بحر من العلم لا تحصى شواطئه
والفقه إن فاض يجري في سواقيها
من مثل عائشة في الفضل يدركها
من النساء وترقى في مراقيها؟
قال أبو موسى الأشعري: «ما أشكل علينا أصحاب رسول الله ق حديثٌ قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا»([14]).
وبالجملة: فقد قال ابن حزم: «فَلَا وَجه من وُجُوه الْفضل إِلَّا ولهن فِيهِ أَعلَى الحظوظ كلهَا بِلَا شكّ»([15]).
خامسًا: النكاح يُشترط فيه الكفاءة عند الشيعة.
جاء عند الشيعة اشتراط الكفاءة في الزواج، فقال شيخهم محمد باقر الكجوري: «والثاني: هل يجوز لغير المعصوم أن يتزوج المعصومة؟
قال في مجمع البحرين: الكفاءة بالفتح والمد: تَساوي الزوجين في الإسلام والإيمان...» إلى أن قال: «وردت أخبار كثيرة تنص على أنه لولا أمير المؤمنين لما كان لفاطمة كفء»([16]).
قلت: فإذا كانت الكفاءة في الإيمان معتبرةً؛ فلا شك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن في ذروة سنام الإيمان والتقوى، ومجرد الزواج شهادة من النبي بذلك.
([1]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/91).
([2]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية (4/358).
([3]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية (4/361).
([4]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية (4/364).
([5]) السنن الكبرى، البيهقي (7/116).
([6]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/97).
([7]) الكشاف، الزمخشري (3/536).
([8]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/94-95).
([9]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/97).
([10]) صحيح البخاري (5/8).
([11]) صحيح البخاري (2/60)، وصحيح مسلم (2/1012).
([12]) السنن الكبرى، البيهقي (7/111).
([13]) مجموع الفتاوى (4/393).
وقال السيوطي: «فالإنصاف أن المفاضلة تارةً تكون بكثرة الثواب، وتارةً تكون بحسب ثمرتهما، وتارةً تكون بحسَب الوصفين بالنظر إليهما، وتارةً تكون بحسب متعلقاتها، وقد تكون بأمر عرضي، هذا إذا كان الكلام في وصفين لذات، وأما المفاضلة بين الذاتين فقد يكون لأمر يرجع إلى الجنسين، وهذا أمر لا يدخل تحت الاكتساب». قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/675).
([14]) سنن الترمذي- ت شاكر (5/705)، موطأ مالك - رواية يحيى (6/124 ت الأعظمي) أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
([15]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/95).
([16]) الخصائص الفاطمية، محمد باقر الكجوري (1/512-513).
لتحميل الملف pdf