من جملة الأحاديث التي شنع بها الشيعة: ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تزيل أثر دم الحيض من الثوب بِرِيقِها، والحديث رواه البخاري بسنده عن عَائِشَةَ: «مَا كَان لإِحْدَانا إِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِن دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا»([1]).
قال وسام البلداوي: «وكذلك لم تكن عائشة تعرف كيف تغسل دم الحيض الذي يقع على ملابسها؛ لأنها كانت تبلله بريقها وتفركه»([2]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: هذا الحديث دليل فقهي، والبلداوي كان جاهلًا!
الحديث حجةٌ لمن ذهب إلى العفو عن يسير الدم، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين، وكثير من الأئمة.
قال ابن قدامة: «فأما الدم والقيح فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره، وممن روي عنه ذلك: ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وابن جبير وطاوس ومجاهد وعروة والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي...
ولنا: ما روي عن عائشة قالت: (قَدْ كَان يَكُون لِإِحْدَانا الدِّرْعُ فِيهِ تَحِيضُ قَدْ تُصِيبُهَا الْجَنابَةُ، ثُمَّ تَرَى فِيهِ قَطْرَةً مِن دَمٍ فَتَقْصَعُهُ بَرِيقِهَا)([3])، وهذا يَدُلُّ على العَفْو عنه؛ لأن الرِّيقَ لا يُطَهِّرُه، ويَتَنجَّسُ به ظُفْرُها، وهو إخْبارٌ عن دَوامِ الفِعْلِ، ومِثْلُ هذا لا يَخْفَى عن النبيِّ صلى اله عليه وسلم، ولا يَصْدُرُ إلَّا عن أمْرِه»([4]).
ثانيًا: الاقتصار على القصع ليس عليه حجة ولا برهان.
الحديث ليس فيه التصريح بكونها اكتفت بذلك، فيجوز أنها استعملت الماء بعد إزالة أثر الدم، وإنما لم تنص عليه للعلم به.
قال ابن الملقن: «واقتصارها على ذلك يجوز أن يكون لقلته والعفو عنه، ويجوز أن تكون غسلته بعد ذلك، ولم تنص عليه للعلم به عندهم، وقد نصت عليه في الحديث السالف في قولها: (فَتَغْسِلُهُ، وَتَنضَحُ على سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ)»([5]).
ثالثًا: ذهب علماء الرافضة إلى هذا المعنى.
وقد ذكر بعض علماء الرافضة هذا المعنى أيضًا، فقال الشهيد الأول: «والقصع لعلَّه مقدِّمة الغسل»([6]).
وقال الحلي: «والجواب: لا نسلِّم دلالة ما ذكرته على موضع النزاع؛ لأن قصعة بالظفر لا يقتضي الاقتصار عليه، فلعلها بعد ذلك تغسله، وخلو الرواية عن ذكر الغسل لا يدل على عدمه، وكذا قوله: «بلَّته بريقها»؛ لأن ذلك توصل إلى إزالة ما تلجج بالثوب من عين الدم»([7]).
رابعًا: تحميل الحديث زيادة على ما فيه ليس بالمنهج السديد.
الحديث ليس فيه أنها صَلَّتْ في هذا الثوب، وإنما أزالت الأثر بريقها ليذهب الأثر فقط، فلا يكون فيه دلالة على جواز تطهير الثوب بهذا، أو مشروعية إزالة النجاسة بغير الماء.
قال القسطلاني: «لكن يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها، فقد قالوا فيه حينئذ بعدم العفو وليس فيه أنها صلَّت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره، فقد سبق بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص»([8]).
وقال محمد الخضر الشنقيطي: «وليس فيه أيضًا أنها صلَّت فيه، فلا تكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره»([9]).
خامسًا: موافقة علماء الشيعة لفعل أم المؤمنين :
ذهب بعض علماء الرافضة إلى جواز إزالة عين الدم إذا كان يسيرًا من الثوب بالبصاق.
قال ابن الجُنيد: «لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب، فإن قصد بذلك الدم النجس وأن تلك الإزالة تطهره فهو ممنوع»، واحتج ابن الجنيد بما رواه غياث بن ابراهيم، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن علي أنه قال: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق... إلى آخره»([10]).
قال عليٌّ الطباطبائي: «وقول مولانا أمير المؤمنين S في خبر غياث بن إبراهيم: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق، وعمل به ابن الجنيد»([11]).
سادسًا: اعتماد علماء الرافضة على حديث عائشة :
ومن جملة أدلة ابن الجنيد الفقيه الشيعي فيما ذهب إليه: الحديثُ الذي روي عن عائشة :
قال الشهيد الأول: «وقول ابن الجنيد بعدم نجاسة الثوب بدم كعقد الإبهام الأعلى؛ لما روي عن عائشة أنها قالت: كان لإحدانا درع ترى فيه قطرًا من دم فتقصعه بريقها. أي: تمضغه، ولقول الصادق: إن اجتمع قدر حِمَّصَة فاغسله، وإلَّا فلا»([12]).
وفتوى ابن الجنيد بإزالة الدم بالبصاق إنما هو على جهة التطهير له، قال المجلسي: «وقال ابن الجنيد في مختصره: لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب، وظاهر هذا الكلام كون ذلك على جهة التطهير له، وجزم الشهيد بنسبة القول بذلك إليه، وقد روى الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله، عن أبيه قال: لا يغسل بالبزاق شيء غير الدم، وبسند آخر عن غياث أيضًا، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي قال: لا بأس بأن يغسل الدم بالبصاق»([13]).
ونسب هذا الرأي أيضًا إلى الشريف المرتضى، قال محمد تقي الآملي: «والقائل بإزالة الدم بالبصاق هو السيد المرتضى أيضًا على ما حُكي عنه، واستدل له برواية غياث بن إبراهيم: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق»([14]).
فكيف يُشنع على أم المؤمنين ل في مسألة لم يرد ذكرها أصلًا في الحديث –تطهير الثوب-، ويُترك التشنيع على علماء الرافضة في مسألة صرحوا فيها بعين ما استشنعوه عليها؟!
اقرأ أيضا| القرآن الكريم لا يحتوي على أي دليل يثبت عقائد الشيعة.. بث مباشر جديد لـ رامي عيسى (شاهد)
([1]) صحيح البخاري (1/69).
([2]) تفضيل السيدة الزهراء (س) على الملائكة والرسل والأنبياء، وسام البلداوي (ص300).
([3]) رواه أبو داود في سننه (1/100)، وصححه الألباني في صحيح السنن.
([4]) الشرح الكبير، ابن أبي عمر المقدسي (1/301).
([5]) التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن (5/67).
([6]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (1/112).
([7]) المعتبر في شرح المختصر، الحلي (1/421).
([8]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (1/352).
([9]) كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري، محمد الخضر الشنقيطي (6/89).
([10]) فتاوى ابن الجنيد، الإشتهاردي (ص44).
([11]) رياض المسائل، علي الطباطبائي (1/172).
([12]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (1/112).
([13]) بحار الأنوار، المجلسي (80/40).
([14]) مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى، محمد تقي الآملي (2/408).
لتحميل الملف pdf