أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم أن من عصت الله وجب على الإمام تطليقها

قال الشيعي: «أصل شرفهن وعلو منزلتهن لا يتحقق إلا بشرط التقـوى، وهو قوله تعالى: [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ] {الأحزاب:32} فالتي تكون منهن فاقدة لصفة التقوى، فإنها لا تحوز في الاعتبار الإسلامي شرفًا ولا فضيلة، بل هي وسائر النساء سواء، فلا يستتبع ذلك على المؤمن احترامها وتوقيرها.

وبعبارة أخرى: إن مجرد انضمام إحداهن إلى نساء النبي -صلى الله عليه وآله- لا يستدعي تشريفًا لها وتفضيلًا على سائر النساء، فإنها تبقى كغيرها إلا إذا التزمت التقوى فغدت ملكة لها، فحينها ينزلها الاعتبار الإسلامي منزلة الأم، ويوجب على المسلمين احترامها وتوقيرها وذكرها بخير»([1]).

وقال أيضًا: «قد صح عن النبي الأعظم  والأئمة من عترته الحكمُ بانفساخ عصمة عائشة من النبي وبينونتها منه، وإباحة الأزواج لها، وسلب شرف أمومة المؤمنين منها، وذلك لمخالفتها شرط: [إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ] {الأحزاب:32} وشرط: [وقرن في بيوتكن] {الأحزاب:33} عهد رسول الله -صلى الله عيه وآله- حين خرجت على خليفته من بعده أمير المؤمنين ، فأحدثت الفتنة بين المسلمين.

فإن النبي الأعظم  كان قد أوكل إلى أخيه عليٍّ أمر تطليق من تخرج عليه من نسائه من بعده، وهذا التطليق حكم خاص من جملة مختصات النبوة، وبإيقاعه تبين المرأة من النبي فلا تكون معدودة ضمن أمهات المؤمنين، وذلك كما هو حال اللائي طلقهن النبي في حياته؛ إذ هن جميعًا خارجات عن هذا الوصف والمقام وما يلحقها من آثار»([2]).

ثم أورد عدة روايات نذكرها خلال البحث...

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: العصمة ليست شرطًا في التقوى

ليس من شرط التقوى العصمة، فقد أثبت الله التقوى حتى لمن وقع في الكبائر لكنه يستغفر ولا يصر، قال الله تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ـ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ] {آل عمران:133-134}.

فالآية لا تنزه هؤلاء المتقين من المعاصي، بل لا تنزههم حتى من الكبائر (الفواحش)، فمَن ظن أن شرطَ التقوى عدمُ ارتكاب معصية فقد خالف كتاب الله تعالى وسنة النبي أو جهلهما.

ثانيًا: سقوط أمومة كل زوجات النبي ق بناء على تقرير الرافضي للعصمة

إن تقرير الرافضي لعصمة الزوجات عن المعاصي والكبائر يُلزِمه إسقاط أمومة عامة زوجات النبي للمؤمنين؛ إذ لا نص على عصمتهن، مع انعقاد إجماع الأمة على عدم عصمتهن، وعليه فما ثمة أمهات للمؤمنين لا على مذهب أهل السنة والجماعة، ولا حتى على مذهب أهله من الرافضة؛ إذ لا يثبتون العصمة لأحد من زوجات النبي ق؟!

وإذا كان مجرد وقوع المعصية من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أمومتهن للمؤمنين، فقد وجب آنذاك على النبي  طلاق أي واحدة ترتكب أي مخالفة في حياته؛ لأنها بذلك تخرج عن الأمومة المنصوص عليها في نص الكتاب الحكيم، وهذا ما لم يحدث قط، فبذلك تثبت مخالفة النبي ق لدينكم، أو أنكم أنتم من خالف دينه .

ثالثًا: أفضليتُهن على فاطمة ل بموجب تقرير الرافضي:

يلزم الرافضي من تقريره أن أية زوجة لنبينا تحقق شرط التقوى تكون أفضل من غيرها من نساء الأمة، وحتى من فاطمة ل، وذلك بنص قول الله تعالى: [ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ] {الأحزاب:32}.

قال ابن كثير: «هَذِهِ آدَابٌ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا نسَاءَ النبِيِّ، وَنسَاءُ الْأُمَّةِ تَبَعٌ لَهُن فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِنسَاءِ النبِيِّ ق بِأَنهُن إِذَا اتَّقَيْن اللهَ كَمَا أَمَرَهُن، فَإِنهُ لَا يُشْبِهُهُن أَحَدٌ مِن النسَاءِ، وَلَا يَلْحَقُهُن فِي الفضيلة وَالْمَنزِلَةِ»([3]).

قال البغوي: «قَالَ ابْن عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَيْسَ قَدْرُكُن عِندِي مِثْلَ قَدْرِ غَيْرِكُن مِن النسَاءِ الصَّالِحَاتِ، أَنتُن أَكْرَمُ عَلَيَّ، وَثَوَابُكُن أَعْظَمُ لَدَيَّ»([4]).

وبهذا يتبين أن أفضل نساء الأمة هن نساءُ نبينا  بنص الآية، وعليه فالرافضي بين أحد أمرين أحلاهما مُرٌّ:

الأول: أن تكون هناك أمهات للمؤمنين، وهذا لا يتحقق إلا بتحقيقهن للتقوى، فتكون أمهات المؤمنين أفضل من فاطمة بنص كتاب الله تعالى.

الثاني: أن لا تكون هناك أمٌّ للمؤمنين في أمة محمد  أصلًا، وبهذا يكون خالف نص القرآن من كون أزواج النبي  أمهات للمؤمنين.

رابعًا: مخالفة تفويض التطليق لتقرير الرافضي في شرط التقوى:

ناقض الرافضي نفسَه ودينه عندما قال: «قد صح عن النبي الأعظم والأئمة من عترته  الحكم بانفساخ عصمة عائشة من النبي وبينونتها منه وإباحة الأزواج لها وسلب شرف أمومة المؤمنين منها، وذلك لمخالفتها شرط: [إِنِ اتَّقَيْتُنَّ] {الأحزاب:32} وشرط: [وقرن في بيوتكن] {الأحزاب:33}»، فإذا كان الحكم الإلهي أو حكم النبي  هو انفساخ الزوجية وسقوط وصف الأمومة للمؤمنين بمجرد مخالفتها للتقوى، فإن أمْرَ علِي بإيقاع الطلاق لا يكون له محل؛ إذ إنها بمجرد المخالفة يقع الانفساخ.

ثم أنتم تعتقدون في أم المؤمنين مخالفاتٍ أخرى كإنكار الوصي، والخروج من البيت للحج في زمن عمر وعثمان، وقتل النبي في زعمكم الآثم، فلماذا لم يقع الانفساخ المباشر بمجرد الوقوع في تلك المخالفات؟! أم كان النبي ق على مذهبكم أو وصيه علي بن أبي طالب، على خوف ووجل من عائشة وأبيها؟!

خامسًا: جهل الرافضي بالتقريرات الفقهية والإجماع في دينه ومذهبه:

ففي قوله: «وإباحة الأزواج لهَا وسلب شرف أمومة المؤمنين منها» جهل منه بالأحكام في دين الشيعة؛ إذ إن الشيعة قرروا أن المرأة منهن إذا طُلقت أو فُسِخ عقدها، فإنه لا يجوز لها الزواج بعد النبي أيضًا.

قال الفاضل الهندي: «من الكرامات أنه (جُعلت أزواجه أمهات المؤمنين) بنص الآية (بمعنى تحريم نكاحهن على غيره) واحترامهن (سواء فارقهن بموت) كالتسع المعروفات (أو فسخ) كالتي فسخ نكاحها بالبرص (أو طلاق) كالتي استعاذت منه؛ لشمول الأزواج لهن (لا لتسميتهن أمهات، ولا لتسميته صلى الله عليه وآله أبًا)»([5]).

وقال الحلي: «وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين، بمعنى: تحريم نكاحهن على غيره، سواء فارقهن بموت أو فسخ أو طلاق، لا لتسميتهن أمهات»([6]).

بل الشهيد الثاني يرى حرمة وقوع النكاح بمن فارقهن النبي في حياته، فيقول: «ولم يمت ص عن زوجة في عصمته إلا مدخولًا بها، ونقل المصنف الإجماع على تحريم المدخول بها، والخلاف في غيرها ليس بجيد؛ لعدم الخلاف أولا، وعدم الفرض الثاني ثانيًا.

وإنما الخلاف فيمن فارقها في حياته بفسخ أو طلاق، كالتي وجد بكشحها بياضًا، والمستعيذة، فإن فيه أوجهًا، أصحها عندنا: تحريمهما مطلقًا؛ لصدق نسبة زوجيتها إليه ص بعد الفراق في الجملة، فتدخل في عموم الآية»([7]).

سادسًا: مِن أحمق الأدلة وأعجبها

قد ادعت الرفضةُ أن النبي  قد فوض عليًّا بتطليق نسائه من بعده! وهذا حمق لم نسمع به قط يومًا ما ولن نسمع، ولكن لا بأس من تفنيد الروايات التي ساقها الرافضي من كتبه كدليل -في زعمه- على أن أم المؤمنين عائشة  طلقها علي بن أبي طالب بعد وفاة النبي.

 الرواية الأولى: رواية الغيبة للطوسي، وفيها: «يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي، فمن ثَبَّتَهَا لقيتني غدًا، ومن طلقتها فأنا بريء منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي»([8]).

وهذه الرواية لا تصح عند الشيعة أنفسهم؛ إذ هي من طريق المجاهيل.

- علي بن سنان الموصلي أبو الحسن المعدل: قال الجواهري: «مجهول»([9]).

- جعفر بن أحمد المصري: مجهول([10]).

- أحمد بن محمد بن الخليل أبو عبد الله: مجهول([11]).

فهذه رواية مجاهيل، ورواية المجهول مردودة باتفاق، قال صاحب الوصول: «لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الجماهير منا ومن العامة»([12]).

 الرواية الثانية: نقلًا عن رضي الدين الموسوي من كتاب «خصائص الأئمة» عن هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي، عن عيسى الضرير، عن الكاظم، عن أبيه  قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: «يا علي، إن فلانة وفلانة ستشاقانك وتبغضانك بعدي، وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد، وتخلف الأخرى تجمع إليها الجموع هما في الأمر سواء، فما أنت صانع يا علي؟ قال: يا رسول الله، إن فَعَلَتا ذلك تَلَوْتُ عليهما كتاب الله، وهو الحجة فيما بيني وبينهما، فإن قبلتا وإلا خبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقي المفروض عليهما، فإن قبلتاه وإلا أشهدت الله وأشهدتك عليهما، ورأيت قتالهما على ضلالتهما، قال: وتعقر الجمل وإن وقع في النار، قلت: نعم، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا علي، إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن فأبِنهما مني، فإنهما بائنتان، وأبواهما شريكان لهما فيما عملتا وفعلتا»([13]).

وهذا نص «بحار الأنوار» الذي أحال عليه الرافضي.

ولكن الرافضي صاحب الشبهة، كذّب ودلس على أتباعه؛ حيث صرح بذكر اسم أم المؤمنين عائشة وحفصة مع أن نص الرواية: «فلانة وفلانة» ومعلوم أن الرواية حتى لو صحت -ودونها خَرْط القتاد- فلا يصح الاستدلال بمثل هذه الألغاز وعدم التصريح في قضية خطيرة كهذه، ولكن هذا الرافضي لعلمه بذلك دلَّس على نص الرواية، وصرح من عند نفسه بالاسمين كذبًا وتدليسًا.

أما الإسناد فهو أيضًا ساقط متهالك على مباني الرافضة الروائية:

فعيسى الضرير ضعيف مجهول، قال محمد الجواهري: «عيسى الضرير: مجهول، روى عن أبي عبد الله  رواية في «الكافي»، متحد مع لاحقه، ٩٢٣٦ - ٩٢٣٥ - ٩٢٥٤ - عيسى الضعيف: روى عن أبي عبد الله  في «الكافي» و«التهذيب» و«الفقيه»، وهو عيسى الضرير «المجهول المتقدم» سابقه»([14]).

الرواية الثالثة: في «إرشاد القلوب» للديلمي، وفيها قوله: «ثمَّ أمر خادمة لاُمِّ سلمة فقال: اجمعي لي هؤلاء (يعني نساءَه) فجمعتهن له في منزل اُمِّ سلمة، فقال لهن: اسمعن ما أقول لكن، وأشار بيده إلى عليِّ بن أبي طالب، فقال لهن: هذا أخي ووصيِّي ووارثي والقائم فيكن وفي الاُمَّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركن به ولا تعصينه فتهلكن بمعصيته، ثمَّ قال: يا عليُّ، أُوصِيك بهن، فأمسكهن ما أطعن الله ورسوله وأطعنك، وأنفق عليهن من مالك، ومُرهن بأمرك، وانههن عمَّا يريبك، وخلِّ سبيلهن إن عصينك.

فقال عليٌّ: يا رسول الله، إنهن نساء ومنهن الوهن وضعف الرأي، فقال: ارفق بهن ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهن فطلِّقها طلاقًا يبرأ الله ورسوله منها، قال: وكلُّ نساء النبي -صلى الله عليه وآله- قد صَمَتْن فما يقلن شيئًا، فتكلَّمت عائشة فقالت: يا رسول الله، ما كنا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.

فقال لها: بلَى يا حميراء، قد خالفْتِ أمري أشدَّ خلاف، وايم الله، لتخالفن قولي هذا ولتعصينه بعدي، ولتخرجن من البيت الذي أخلِّفك فيه متبرِّجة، قد حفَّ بك فئام من الناس، فتخالفينه ظالمة له عاصية لربِّك، ولتنبحنك في طريقك كلاب حوأب، أَلَا إن ذلك لكائن، ثمَّ قال: قمن فانصرفن إلى منازلكن، قال: فقمن فانصرفن»([15]).

وهذه الرواية كما ترى ذُكرت دون إسناد في إرشاد القلوب، وقد نقله صاحب الدرجات الرفيعة عن إرشاد القلوب قائلًا: «وروى الديلمي في إرشاد القلوب مرفوعًا»([16]).

فالخبيث يحتج برواية لا سند لها، وعندما وجدنا إسنادًا، لم نجد النص الذي اعتمد عليه، فقد ذكر هذه الرواية ابن طاووس في كتابه «اليقين» وليس فيها ذكر للنص الذي يستشهد به، ومع ذلك فإسنادها ساقط، وهذا هو سند رواية ابن طاووس التي نقلها عن كتابٍ وجده لابن الأثير الرافضي: «محمد ابن الحسين الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا الحسن بن زيادٍ الأنماطي قال: حدثنا محمد بن عبيد الأنصاري، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعدي...»([17]).

قلت: وهذا الإسناد كله مجاهيل.

- محمد بن الحسين الواسطي: مجهول([18]).

- إبراهيم بن سعيد المدني: مجهول([19]).

- الحسن بن زيادٍ الأنماطي: لم أجد له ترجمة في كتب الرجال عند الرافضة.

- محمد بن عبيد الأنصاري: مجهول، ليس له ترجمة، ولم يذكروه بجرح ولا توثيق، وهو غير محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي أبي عمرو، كما ذكر ذلك علي النمازي الشاهرودي([20]).

- أبو هارون العبدي: مجهول، قال الشاهرودي: «لم أقف على اسمه ولا حاله في كتب أصحابنا»([21]).

- ربيعة السعدي: مجهول([22]).

 الرواية الرابعة: في الاحتجاج للطبرسي قال: «وروي عن الباقر  أنه قال: لما كان يوم الجمل، وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين : والله ما أراني إلا مطلقها، فأنشد الله رجلًا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وآله- يقول: «يا علي، أمْرُ نسائي بيدك من بعدي» لما قام فشهد، فقال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله -صلى الله عليه وآله- يقول لعلي بن أبي طالب : «يا علي، أمْرُ نسائي بيدك من بعدي» قال: فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها، فقال علي : لقد أنبأني رسول الله -صلى الله عليه وآله- بنبأ فقال: إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين»([23])

وهذه الرواية التالفة كما ترى هي مجرد حكاية بلا إسناد.

الرواية الخامسة: رواها صدوقهم في كتابه «كمال الدين وتمام النعمة» وفيها: «فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنا روينا عنكم أن رسول الله -صلى الله عليه وآله- جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين  حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بَنيكِ حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنى غرابك وإلا طلقتك، ونساء رسول الله -صلى الله عليه وآله- قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله- قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لأن الله -تبارك وتعالى- حرم الأزواج عليهن، قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله -صلى الله عليه وآله- حكمه إلى أمير المؤمنين ، قال: إن الله تقدس اسمه عظَّم شأن نساء النبي -صلى الله عليه وآله- فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله: يا أبا الحسن، إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين»([24]).

 قلت: وقد كفانا محقق الكتاب الرد على تلك الرواية، فقال في هامش (ص482): «رجال السند بعضهم مجهول الحال، وبعضهم مهمل، والمتن متضمن لغرائب بعيد صدروها عن المعصوم ، ويشتمل على أحكام تخالف ما صح عنهم، مضافًا إلى أن الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة، أبوه أو محمَّد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد كما هو المحقق عند من تتبَّع كتبه ومشيخته، وهنا بين المؤلف وسعد خمس وسائط، وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا»([25]).

وقال: «في طرق هذه الرواية معلى بن محمد البصري، قال العلامة في حقه: مضطرب الحديث والمذهب، وكذا النجاشي، وقال ابن الغضائري: نعرف حديثه وننكره؛ يروي عن الضعفاء»([26]).

وبهذا تسقط الرواية، ويظهر جهل الرافضي الخبيث بكتبه التي يستدل بها، أو على الأقل تدليسه على الكتب التي ينقل منها، ولا بد أنه رأى وهو ينسخ الرواية كلام المحقق عليها وأنها لا تصح.

 الرواية السادسة: في كتاب «شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار» للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي الشيعي قال: «عن سالم بن أبي الجعد قال: بعث علِي  إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة، أن ارجعي إلى بيتك، فأبت، ثم أرسل إليها ثانية، فأبت، ثم أرسل إليها ثالثة: لترجعن أو لا أتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله. فقالت: أرحلوني أرحلوني.

فقالت لها امرأة -ممن كان عندها من النساء-: يا أم المؤمنين، ما هذا الذي ذعرك من وعيد علِي  إياك. قالت: إن النبي -صلى الله عليه وآله- استخلفه على أهله وجعل طلاق نسائه بيده»([27]).

 قلت: وسند هذه الرواية كالتالي: «إبراهيم بن الحسين، بإسناده عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث علِي  إلى عائشة.. الخ

هذا هو إسناد الرواية وهو ساقط قطعًا؛ فإبراهيم بن الحسين هذا لا ندري كم بينه وبين سالم بن أبي الجعد، وما إسناده ذلك الذي قاله! كما أن هذا الاسم «إبراهيم بن الحسين» مشترك بين عدة مجاهيل ذكرهم صاحب مستدركات علم الرجال، وهم عشرة من الرواة من رقم 184 إلى 193.

 وأَيَّمَّا كان الأمر فمؤلف الكتاب توفي سنة 363 ه‍([28]) وسالم بن أبي الجعد بعضهم يذكره في أصحاب علي بن أبي طالب وبعضهم يذكره في أصحاب السجاد([29])، والسجاد متوفًّى سنة 95هـ، فبينه وبين المؤلف أكثر من مئتين وخمسين عامًا، وهذا كافٍ للحكم على الرواية بالانقطاع كما هو ظاهر من إسنادها.

 الرواية السابعة: في الشرح للنعماني الشيعي قال: «عن عبد الله بن عباس أنه قال: لما استقر أمر الناس بعد واقعة الجمل... فأرسل إليها علِي -صلوات الله عليه-: والله لترجعن إلى بيتك أو لألفظن بلفظة لا يدعوك بعدها أحد من المؤمنين أمًّا، -فلما جاءها ذلك- قالت: أرحلوني أرحلوني، فوالله لقد ذكرني شيئًا لو ذكرته من قبل ما سرت مسيري هذا، فقال لها بعض خاصتها: ما هو يا أم المؤمنين؟ قالت: إن رسول الله -صلوات الله عليه وآله- قد جعل طلاق نسائه إليه، وقطع عصمتهن منه حيًّا وميتًا، وأنا أخاف أن يفعل ذلك إن خالفته. فارتحلت...»([30])

وهذه الرواية كسابقتها ذكرت بلا إسناد.

وعليه: فالوكَالة المدعاة لعلي على أزواج النبي ، إنما هي محض خرافة سبأية نوكاء، ومع هذا فلا توجد أي رواية صريحة رواها الرافضة عن عليٍّ أنه طلق أم المؤمنين -بزعمهم الأنوك- وهذا ما اعترف به الرافضي المؤلف نفسه، وأنه لا توجد روايات تذكر أنه طلق أم المؤمنين، وإنما فقط هدَّد بذلك، وهذا في ص277، ولكنه ذكر أن الذي ورد أنه أوكل ذلك للحسن؛ حتى لا يتحمل هو تبعاته!

قال الرافضي: «ولذا ورد في الآثار أنه  فوَّض أمر التطليق إلى وصيه الحسن ، الذي أوقع طلاق عائشة فعلًا يوم ركبت على بغل لتمنع دفن الحسن  إلى جوار جده -صلى الله عليه وآله-.

فقد روى المسعودي: «وكان الحسين  قد عزم على دفنه مع رسول الله -صلَّى الله عليه وآله-، فمنعت عائشة من ذلك؛ ركبت بغلة لها وخرجت تؤلِّب الناس عليه وتحرِّضهم، فلما رأى الحسين  ذلك دفنه بالبقيع مع أمِّه، ولقيها بعض بني هاشم -وروي أن ابن عباس لقيها- منصرفة إلى منزلها، فقال لها: أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل؟ يومًا على جمل ويومًا على بغل بارزة عن حجاب رسول الله -صلى الله عليه وآله- تريدين إطفاء نور الله؛ والله متمُّ نوره ولو كره المشركون، إنا لله وإنا إليه راجعون. فقالت له: إليك عني، أُفٍّ لك.

ورُوي أن الحسين  عندما فعلت عائشة وجَّه إليها بطلاقها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله- جعل طلاق أزواجه بعده إلى أمير المؤمنين  وجعله أمير المؤمنين بعده إلى الحسن، وجعله الحسن إلى الحسين.

وقال النبيُّ -صلوات الله عليه-: إن في نسائي من لا تراني يوم القيامة، وتلك من يطلقها الأوصياء بعدي»([31]).

 قلت: سبحان الله! أرأيتم كيف يوقع اللهُ الرافضيَّ في شر أعماله؟! وكما يقال: «أراد أن يبني قصرًا فهدم مصرًا»، فهنا هدم كل ما ذكره من أن عليًّا كان مأمورًا بطلاق من عصت وخرجت عليه، حتى جاء هنا ليثبت أنه لم يطلق، وإنما الذي طلق هو الحسن!

وهذه الرواية رواها المسعودي رافضي، والأنكى من ذلك أنه رواها دون إسناد، وإنما جاء بلفظ يفيد التضعيف والتمريض فقال: «رُوي»، فهل بمثل هذا يكون الاستدلال على أمر خطير كهذا؟! فهذه هي طريقة الرافضي في الاستدلال، أن يأتي بكل شاردة خبيثة باطلة ساقطة فيستدل بها على نظائرها من الشوارد الباطلة في اعتقاده!


اقرأ أيضا| تجويزهم نكاحَ الخبيثات على النبي.. رد مفصل على شبهات الشيعة

([1]) الفاحشة (ص265).

([2]) المرجع السابق.

([3]) تفسير ابن كثير، ت سلامة (6/408).

([4]) تفسير البغوي (6/348).

وقال القطان في آية الأحزاب أيضًا: «ليس هناك جماعة من النساء تساويكُن في الفضل والكرامة؛ لأنكن أَزواج خاتَم النبييّن، وأمهات المؤمنين، وهذه منزلةٌ عظيمة لم يتشرّف بها احدٌ من النساء غيركن». تيسير التفسير، القطان (3/107).

([5]) كشف اللثام (7/39).

([6]) قواعد الأحكام (8/3).

([7]) مسالك الأفهام (7/80).

([8]) الغيبة، الطوسي (ص150).

([9]) المفيد من معجم رجال الحديث (ص398).

([10]) مستدركات علم الرجال (2/143) قال: «لم يذكروه».

([11]) مستدركات علم الرجال (1/434) قال: «لم يذكروه».

([12]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار (ص190).

([13]) كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين (ص37).

([14]) المفيد من معجم رجال الحديث (ص450).

([15]) إرشاد القلوب (2/180).

([16]) الدرجات الرفيعة، علي بن معصوم (ص288).

([17]) اليقين، ابن طاووس (ص384).

([18]) المفيد من معجم رجال الحديث (ص520). وفي مستدركات علم الرجال (7/65) قال: «لم يذكروه».

([19]) المفيد من معجم رجال الحديث (ص8).

([20]) مستدركات علم رجال الحديث (ص262).

([21]) مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (8/368).

([22]) مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (3/392) قال: «لم يذكروه».

([23]) الاحتجاج، الطبرسي (1/240).

([24]) كمال الدين وتمام النعمة (ص459).

([25]) كمال الدين وتمام النعمة (ص482).

([26]) كمال الدين وتمام النعمة (ص485).

([27]) شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان المغربي (1/210).

([28]) مستدركات علم الرجال (1/138 - 139).

([29]) معجم رجال الحديث، الخوئي (9/14 - 15).

([30]) شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان المغربي (1/392).

([31]) إثبات الوصية، المسعودي (ص173).


لتحميل الملف pdf

تعليقات