قال محسن الخياط: «رَفع صوتِها عند النبي صلى الله عليه وسلم! [قال الإمام أحمد]: حدثنا أبو نعيم، حدثنا يونس، حدثنا العيزار بن حُريثٍ، قال: قال النعمان بن بشير: استأذن أبو بكرٍ على رسول الله ، فسمع صوت عائشة عاليًا، وهي تقول: واللهِ لقد عرفتُ أن عَليًّا أحَبُّ إليكَ من أبي، مرَّتين أو ثلاثًا، فاستأذن أبو بكرٍ، فدخلَ، فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة، ألا اسمعُكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله ... تعليق الأرناؤوط: إسناده حسن»([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: جواز وقوع هذا الفعل بين الأزواج.
العادة تقتضي جواز وقوع مثل هذا بين الزواج، ولا غضاضة في هذا لا في الشرع ولا العرف، وقد حصل قريب من هذا بين عليٍّ وفاطمة ب حسبما نقلته كتب الرافضة مع اعتقادهم العصمة فيهما.
قال المجلسي: «وجدت في نسخةٍ قديمةٍ لكشف الغمة، منقولةٍ من خط المصنف، مكتوبًا على هامشها بعد إيراد خطبتها -صلوات الله عليها- ما هذا لفظه: وجد بخط السيد المرتضى علم الهدى الموسوي -قدس الله روحه- أنه لما خرَجَت فاطمة من عند أبي بكر حين ردها عن فدك، استقبلها أمير المؤمنين فجعلت تعنفه، ثم قالت: اشتملت... إلى آخر كلامها»([2]).
وهذا في غاية الإساءة من المعصومة للمعصوم.
قال التبريزي: «قولها : (ومنك حاميًا)، أي: الله يقبل عذري أيضًا في إساءتي إليك، وإيذائي إياك بالمخاطبة الخشنة، والمكالمة الغليظة في حال حمايتك عني، والحماية عن الرجل الدفع عنه.
[وفي بعض النسخ]: عذيري الله منك عاديًا ومنك حاميًا، أي: الله يقبل العذر، أو يقيمه من قبلي في إساءتي إليك حال صرفك المكاره، ودفعك الظلم عني، أو حال تجاوزك الحد في القعود عن نصري، أي: عذري في سوء الأدب، وأنك قصرت في إعانتي والذب عني»([3]).
فهذه المعصومة فاطمة تعنف زوجها المعصوم عليًّا، فهل هذا جائز في حق المعصومين؟
ووقوع هذا التعنيف واللوم والتوبيخ بين المعصومين كان بلا شك برفع صوت!
ونظير هذا لا يجوز أن يقع بين المعصومين، ومع ذلك جوزت كتب الشيعة وقوعه، فما بالك إذا كانت أم المؤمنين عائشة ل غير معصومة! فما جاز وقوعه على المعصومين في هذا جاز وقوعه على غيرهم من بابٍ أولى، فإن كان ذلك في حق أم المؤمنين عائشة ل معصيةً وإثمًا كبيرًا فهو بعينه في حق المعصومين، بل هو في حقهم أعظم وأشنع، وإن كان هذا في حق المعصومين مغفورًا مُتجاوزًا عنه؛ فهو في غيرهم آكد في التجاوز عنه بلا شك.
ثانيًا: رفع الصوت وقَع كذلك من علي بن أبي طالب وغيره.
رفع الصوت إن كان وجد من الصديقة عائشة رضى الله عنه، فقد وجد من علي ابن أبي طالب :
روى الطحاوي بسنده عَن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ ا قَالَ: «لَمَّا أُصِيبَ حَمْزَةُ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ا خَرَجَ زَيْدُ بْن حَارِثَةَ حَتَّى أَقْدَمَ ابْنةَ حَمْزَةَ، وَقَالَ: أَنا أَحَقُّ بِهَا تَكُون عِندِي؛ تَجَشَّمْتُ السَّفَرَ، وَهِيَ ابْنةُ أَخِي.
وَقَالَ عَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ: أَنا أَحَقُّ بِهَا تَكُون عِندِي، وَهِيَ ابْنةُ عَمِّي، وَعِندِي ابْنةُ رَسُولِ اللهِ .
وَقَالَ جَعْفَرُ بْن أَبِي طَالِبٍ: أَنا أَحَقُّ بِهَا، لِي مِثْلُ قَرَابَتِكَ، وَعِندِي خَالَتُهَا، وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ق فَقَالَ: «أَنا أَقْضِي بَيْنكُمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ»، قَالَ عَلِيٌّ: فَتَخَوَّفْتُ أَن يَكُون قَدْ نزَلَ فِينا قُرْآن لِرَفْعِنا أَصْوَاتِنا»([4]).
فهل هذا يكون قادحًا في عليّ ا أيضًا؟
ثالثًا: أصحاب الأئمة الثقات كانوا يرفعون أصواتهم على الأئمة ولا غضاضة في ذلك
إن كان رفع الصوت دليلًا على سوء الأدب، فقد ورد في كتب الرافضة ما يدل على أن الثقة الجليل عندهم «زرارة بن أعين» قد رفع صوته في حضرة الإمام الباقر، ومع ذلك برر علماء الرافضة فعلته، واعتذروا له باعتذارات شتى.
فروى الكليني بسنده عن زرارة قال: «دخلت أنا وحمران -أو أنا وبكير- على أبي جعفر قال: قلت له: إنا نمد المطمار، قال: وما المطمار؟ قلت: التُرَّ([5])، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه، ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة، قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله : [إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا] {النساء:98}؟ أين المُرجون لأمر الله؟ أين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا؟ أين أصحاب الأعراف؟ أين المؤلفةُ قلوبُهم؟!
وزاد حماد في الحديث قال: فارتفع صوت أبي جعفر وصوتي حتى كان يسمعه مَن عَلى باب الدار.
وزاد فيه جميل عن زرارة: فلما كثر الكلام بيني وبينه، قال لي: يا زرارة، حقًّا على الله ألا يدخل الضُّلال الجنة»([6]).
فهذه الرواية تبين أن زرارة كان يجادل الإمام، بل وصل به الحال أن رفع صوته بحضرته، حتى كان يسمعه مَن على باب الدار!
قال المجلسي: (فارتفع صوت أبي جعفر): هذا مما يُقدحُ به في زرارة ويدل على سوء أدبه، ولما كانت جلالته وعظمته ورفعة شأنه وعلو مكانه مما أجمعت عليه الطائفة، وقد دلت عليه الأخبار المستفيضة، فلا يُعبأ بما يوهم خلاف ذلك.
ويمكن أن تكون هذه الأمور في بُدوِ أمره قبل كمال معرفته، أو كان هذا من طبعه وسجيته ولم يمكنه ضبط نفسه، ولم يكن ذلك لشكه وقلة اعتنائه، أو كان قصده معرفة كيفية المناظرة في هذا المطلب مع المخالفين، أو كان لشدة تصلبه في الدين وحبه لأئمة المؤمنين؛ حيث كان لا يجوِّز دخول مخالفيهم في الجنة»([7]).
فبعد أن اعترف المجلسي أن الرواية دالة على سوء أدب زرارة مع الإمام الباقر، حاول الاعتذار لفعله، وذكر جملة من الاحتمالات.
وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني: «قوله: (على سوء أدب زرارة وانحرافه) أما سوء الأدب فهو كذلك، وأما الانحراف فلا يدل كلامه عليه؛ إذ رُبَّ محبٍّ يطيش فيخرج عن الأدب لا عن الحب، وليس كل أحد معصومًا عن الزلل؛ أما رأيتَ ولدًا بارًّا بوالديه قد يتفق عند الغضب أن يُخَشِّن الكلام، ويهجر الوالد، ثم يندم من قريب ويعتذر؟
وروي من ابن عباس أشد من ذلك بالنسبة إلى أمير المؤمنين، وكان تابعًا وليًّا له من أول عمره إلى آخره بعد ذاك العتاب وقبله، بل يدل هذا الحديث على أن زرارة مفرطٌ في الولاية، مبالغٌ فيه زائدٌ، متجاوزٌ عن الحد الذي كان يرضى به الإمام ، وكان يرى أن كل متخلفٍ عن أهل البيت كافر، وردعه عنه الإمام بأن المستضعفين من الضلال في الجنة»([8]).
فالمحقق وإن نازع في دلالة الحديث على انحراف زرارة، لكنه لم يجد بُدًّا من الاعتراف بقلة أدبه، لكنه حاول التبرير لفعل زرارة، والعجيب أنه جعل قلة الأدب دليلًا على المدح، وعلامة على فرط المحبة والولاية لأهل البيت!
وما أجمل ما قال: (وليس كلُّ أحد معصومًا عن الزلل) وهذا عين ما نقوله في حق أصحاب رسول الله وفي حق زوجاته الطاهرات .
اقرأ أيضا| رامي عيسى: تدمير اليمن هدف جماعة الحوثي الأساسي (بث مباشر)
([1]) الإفصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسنن والصحاح، محسن الخياط (2/55).
([2]) بحار الأنوار، المجلسي (29/311).
([3]) اللمعة البيضاء، التبريزي الأنصاري (ص735).
([4]) شرح مشكل الآثار، الطحاوي (8/93).
([5]) أي أنهم يضعون ميزانا لتولي الناس والبراءة منهم، وهو ما هم عليه من التشيع، فمن استقام معهم عليه فهو ممن يتولونه، ومن مال عنه وعدل فهو ممن يتبرؤون منه، كائنا من كان.
([6]) الكافي، الكليني (2/382). قال المجلسي: حسن كالصحيح. مرآة العقول (11/107).
([7]) مرآة العقول، المجلسي (11/107).
([8]) شرح أصول الكافي، الملا صالح المازندراني (10/54).
لتحميل الملف pdf