الشبهة الثالثة عشر
إنكار الشيعة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم رضي الله عنها
محتوى الشبهة:
يعمد كثير من علماء الرافضة إلى إنكار الأمور الثابتة إذا كانت تعارض معتقدهم، وتنقضه، ومن ذلك زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت عليّ رَضيَ الله عَنهُمَا، فقد أنكره البعض، واستبعد ثبوته؛ لأنه ينسف مظلومياتهم، ويهدم ما بنوه في قضية العلاقة بين الصحابة وأهل البيت.
وعمدة النافين لهذا الزواج، هو قول المفيد: "في تزويج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ابنته من عمر بن الخطاب.
وتزويج النبي الله عليه وآله ابنتيه: زينب ورقية من عثمان؟
الجواب: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين رضي الله عنه ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقًا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام، وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم"([1]).
ومستند المفيد ومن وافقه على نفي الزواج؛ أن الروايات وردت من طريق الزبير بن بكار، وهو مطعون فيه.
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: هذا الزواج المبارك ثابت عند المسلمين في أصح كتب الحديث عندهم، وليس من طريق الزبير بن بكار، كما ادعى المفيد.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من طريق ابن شهاب:" قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ المَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الـمُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ ج الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: «أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ، وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم»"([2]).
وهذا صريح في كون أم كلثوم كانت زوجة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
ثانيًا: هذا الزواج ورد في أحاديث الشيعة وبطرق صحيحة عندهم:
روى الكليني في: باب المتوفى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد وما يجب عليها، بسنده عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: "سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها أتعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت، إن عليا رضي الله عنه لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته"([3]).
قال عنه المجلسي: "الحديث الأول: موثق"([4]).
وروى أيضًا بسنده عن سليمان بن خالد قال: "سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن امرأة توفى زوجها أين تعتد، في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: بلى حيث شاءت، ثم قال: إن عليًّا رضي الله عنه لما مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته"([5]).
وقال عنه المجلسي: "الحديث الثاني: صحيح"([6]).
ثالثاً: صرح علماؤهم أن أحاديث إثبات هذا الزواج متواترة، فلا مجال لردها أساسا.
قال التستري: "قال المصنّف: في الأخبار: أنّ عمر تزوّجها غصبا، وللمرتضى رسالة أصرّ فيها على ذلك وأصرّ آخرون على الإنكار. قلت: لم ينكره محقّق محقّقًا، فأخبارنا به متواترة في نكاحها وعدّتها فضلا عن أخبار العامّة واتّفاق السير"([7]).
وقال الطهراني: "إن زواج عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت الصديقة الكبرى سلام الله عليها من الحوادث التاريخية المسلم بها، فلماذا يريد بعض الشيعة أن ينكر ذلك في بعض الكتب"([8]).
رابعاً: لو سلمنا أن الأحاديث وردت من طريق الزبير بن بكار فقط، كما زعم المفيد، فهذا لا يعد سببًا لردها، لوجود القرائن الكثيرة على صحة نقله، علاوة على ما ورد في كتب الشيعة من تأييد لروايته.
قال الميرزا أبو الحسن الشعراني: "ولكنّ الحق إنّ رواية زبير بن بكار مع قرب عهده وكون كتابه في مرأى العارفين بهذه الواقعة ومشهدهم ملحق بالتواتر؛ لأنّ تزويج بنت عليّ عليه السلام لخليفة عصره لم يكن ممّا يخفى أو ينسى بعد مائة سنة، و نقل من يدّعي العلم والثّقة كزبير بن بكار الذي كان قاضي مكّة وكان معروفًا بعلم الأنساب في عصره وبعده لا بدّ أن يكون صادقا مع أنّ هذه الواقعة نقلت من رجال آخرين أيضًا على ما في الاستيعاب والإصابة كأبي بشر الدولابي، وابن سعد، وابن وهب ممّا يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة، وما ورد في أحاديثنا أيضا مؤيّد له"([9]).
خامساً: بعض علماء الشيعة رد على المفيد، واستغرب نفيه للزواج مع كثرة الأدلة على ثبوته.
قال المجلسي: "وكذا إنكار المفيد (ره) أصل الواقعة، إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود تلك الأخبار، وما سيأتي بأسانيد أن عليًّا عليه السلام لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته، وغير ذلك مما أوردته في كتاب (بحار الأنوار) إنكار ذلك عجيب"([10]).
بل الشريف المرتضى حكم على من نفى الزواج، أنه إما جاهل أو معاند.
فقال: "فأما من جحد من غفلة أصحابنا وقوع هذا العقد، ونقل هذا البيت، وأنها ولدت أولادًا من عمر معلوم مشهور. ولا يجوز أن يدفعه الا جاهل أو معاند، وما الحاجة بنا إلى دفع الضرورات والمشاهدات في أمر له مخرج من الدين"([11]).
فالمفيد ومن نفى وقوع الزواج يدور بين الجهل والعناد
سادساً: ورد في بعض كلمات علماء الرافضة، ما يثبت كون الزواج بإذن وموافقة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال الطهراني: "فقد كان النكاح برضا علي، وكان العباس مصيبًا في وساطته، وكان عمر محمودًا على رغبته، ويعرف العلماء أن زواج عثمان بابنة المصطفى صلى الله عليه واله كان فخرًا لعثمان لا للمصطفى صلى الله عليه وآله...أجل، استبان مما ذكرنا أن زواج عمر بأم كلثوم أمر تاريخي ثابت مسلم به لا يمكن إنكاره"([12]).
وقال النسابة علي العمري: "والمعوّل عليه من هذه الروايات ما رأيناه آنفا من أنّ العبّاس بن عبد المطّلب زوّجها عمر برضا أبيها رضي الله عنه وإذنه، وأولدها عمر زيدا"([13]).
وهذه الموافقة تدل على أن عليَّ بن أبي طالب كان يرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كفؤًا لابنته؛ لأنه كما قال المدرسي: "ولا يجوز تزويج البنت بغير الكفء"([14]).
والحمد الله رب العالمين
([1]) المسائل السروية، المفيد (ص86).
([2]) صحيح البخاري (4/33) رقم الحديث (2881).
([3]) الكافي، الكليني (6/115).
([4]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (21/197).
([5]) الكافي، الكليني (6/115).
([6]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (21/ 199).
([7]) قاموس الرجال، محمد تقی شوشتری (12/216).
([8]) معرفة الإمام، محمد الحسين الطهراني (15/258).
([9]) الوافي، الفيض الكاشاني (21/109).
([10]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسی (20/45).
([11]) رسائل الشريف المرتضى (3/149).
([12]) معرفة الإمام، محمد الحسين الطهراني، (15/263).
([13]) المجدي في أنساب الطالبيين، علي بن أبي الغنائم العمري (ص199).
([14]) فاطمة الزهراء قدوة وأسوة، محمد تقي المدرسي (ص33).
لتحميل الملف pdf