شبهات وردود

زعم الشيعة أن أولاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانوا يشربون الخمر!

الشبهة السابعة عشر

زعم الشيعة: أن أولاد عمر بن الخطاب رضي الله

عنه كانوا يشربون الخمر.

 

محتوى الشبهة:

بعد أن اتهم الرافضة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشرب الخمر بعد تحريمه، وقد تم الرد على هذا الاتهام الباطل، لم يسلم أبناؤه أيضا من هذا الافتراء.

قال جعفر مرتضى العاملي تحت عنوان: " ظاهرة شرب الخمر في بيت الخليفة:

وإذا راجعنا النصوص التاريخية، فسنجد أن أربعة من أبناء عمر بن الخطاب قد جلدوا الحد في الخمر، وبيان ذلك باختصار، أنهم يقولون:

إن عبد الله بن عمر شرب الخمر، وجلد فيها.

قال السائب بن يزيد: إن عمر صلى على جنازة، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: إني وجدت من عبد الله ريح شراب، وإني سألته عنه، فزعم أنه خل، وإني سائل عنه، فإن كان مسكراً جلدته. قال السائب: فأنا شهدته جلده الحد.

 عبد الله بن عمر، ذكر ابن عبد ربه ـ وغيره: أنه شرب الخمر بمصر، فحده هناك عمرو بن العاص سرّاً، فلما قدم على عمر جلده حداً آخر علانية.

 عبد الرحمن بن عمر المعروف بأبي شحمة، حده أبوه في الشراب، وفي أمر أنكره عليه. والمراد بالأمر الذي أنكره عليه هو جريمة الزنا، حسبما تقدم.

عاصم بن عمر: حده بعض ولاة المدينة في الشراب.

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: لم يثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه شرب الخمر، ولا أقيم عليه الحد في ذلك قط، وأما الذي ذُكر عنه ذلك فهو عبيد الله بن عمر، وقد اعتمد جعفر العاملي على رواية ابن شبة، والتي فيها تصحيف، والصواب: أنه عبيد الله بن عمر، فإن الرواية جاءت عن السائب أنه عبيد الله، وذلك عند الطبراني([1]).

وجاءت اللفظة عند مالك " فُلاَنٍ". قال المحقق الأعظمي: "بهامش الأصل «عبيد الله ابنه، ذكره معمر وابن عيينة وفي البخاري»، وبهامشه أيضاً «قال ابن قتيبة، قال: وأما أبو شحمة بن عمر فضربه عمر الحد في الشراب، وفي أمر آخر، فمات ولا عقب له. ذكره أبو محمد بن حزم أنه عبد الرحمن الأوسط، ذكره في نسب قريش له"([2]).

وعند البخاري قال: "وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ"([3]).

وقال الحافظ في (الفتح): "وَقَالَ (عمر) هُوَ بن الْخَطَّابِ (وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ بن عُمَرَ، قَوْلُهُ (رِيحُ شَرَابٍ وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ) وَصَلَهُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: "إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا"، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَسَأَلَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ يُسْكِرُ فَجَلَدَهُ.

 وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بن مَنْصُور عَن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: ذُكِــرَ لِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَصْحَابَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يسكر حددتهم.

 قَالَ ابن عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ: فَرَأَيْتُ عُمَرَ يَجْلِدُهُمْ.

 وَهَذَا الْأَثَرُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أَحَلَّهُ عُمَرُ مِنَ الْمَطْبُوخِ الَّذِي يُسَمَّى الطِّلَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَإِنْ بَلَغَهُ لَمْ يَحِلَّ عِنْدَهُ؛ وَلِذَلِكَ جَلَدَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ شَرِبُوا مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؟ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِعُمَرَ فِي جَوَازِ شُرْبِ الْمَطْبُوخِ إِذَا ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ، وَلَوِ أَسْكَرَ. فَإِنَّ عُمَرَ أَذِنَ فِي شُرْبِهِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَثَرَيْنِ عَنْهُ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَاسْتَغْنَى عَنِ التَّفْصِيلِ"([4]).

فهذا نقل ابن حجر عن أهل الحديث أنه عبيد الله بن عمر وليس عبد الله بن عمر.

ومما يؤكد ذلك، وينفي التهمة عن عبد الله بن عمر أن الرواية جاءت من طريق عبد الله بن عمر عند عبد الرزاق في (المصنف)([5]). وكل هذا يؤكد براءة إمام الناس في زمانه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تلك التهمة.

قال الذهبي: "قَالَ مَالِكٌ: كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس.

وروى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَجلِسَانِ لِلنَّاسِ عِنْدَ مَقْدَمِ الحَاجِّ، فَكُنْتُ أَجلِسُ إِلَى هَذَا يَوْماً، وَإِلَى هَذَا يَوْماً، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُجِيبُ وَيُفْتِي فِي كُلِّ مَا سُئِلَ عَنْهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَردُّ أَكْثَرَ مِمَّا يُفْتِي"([6]).

هذا بالنسبة لعبد الله بن عمر رضي الله عنه.

أما ما ذُكِر عن عبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر، فقد قال بعض أهل العلم أن صاحب القصة واحد وهو المعروف بأبي شحمة، وهو عبد الرحمن الأوسط.

قال الباجي في (شرحه على الموطأ): "وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَوْسَطُ، كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كُلُّهُمْ يُسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَكْبَرُهُمْ يُقَالُ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالثَّانِي: هُوَ أَبُو شَحْمَةَ الْمَجْلُودُ فِي الْخَمْرِ، وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ جَدُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّر"([7]).

وقال ابن العربي: "قول عمر رضي الله عنه: "إنِّي وَجَدتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ" يقال: إنَّ الّذي وجد منه ريح الشّراب هو ابنه، روى معمر عن الزّهريّ هذا الحديث فقال: إِنِّي وَجَدتُ مِنْ عُبَيْدِ الله رِيحَ شَرَابٍ" والأصحّ أنّه ابنه عبد الرّحمن الأوسط "وكان له ثلاثة بنين ذكور"([8]). 

ولو حملنا الأمر على وقوع ذلك لعبيد الله بن عمر الذي وجد منه ريح الشراب، فلما سأل عنه ووجد أن المشروب يُسكر جلده عمر، كما في رواية عبد الرزاق الأولى، والآخر هو عبد الرحمن الأوسط المعروف بأبي شحمة، والذي شرب في مصر فجلد عمرو بن العاص، فكل هذا لا إشكال فيه، وكلا الروايتين في (مصنف عبد الرزاق).

الأولى: عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا"، فَقَالَ: "إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحَ الشَّرَابِ، وَإِنِّي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَزَعَمَ أَنَّهَا الطِّلَاءُ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا جَلَدْتُهُ"، قَالَ: فَشَهِدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِدُهُ"([9]). 

هذه في عبيد الله.

الثانية: عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "شَرِبَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُمَا بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَسَكِرَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالَا: طَهِّرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ.

 فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَكَرَ لِي أَخِي أَنَّهُ سَكِرَ، فَقُلْتُ: ادْخُلِ الدَّارَ أُطَهِّرْكَ، وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمْا أَتَيَا عَمْرًا، فَأَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ الْأَمِيرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "لَا يَحْلِقُ الْقَوْمُ عَلَى رُءوسِ النَّاسِ ادْخُلِ الدَّارَ أَحْلِقْكَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مَعَ الْحُدُودِ فَدَخَلَ الدَّارَ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمْ عَمْرٌو فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو أَنِ ابْعِثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى قَتَبٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ، وَعَاقَبَهُ لِمَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَلِبَثَ شَهْرًا صَحِيحًا، ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ فَمَاتَ، فَيَحْسِبُ عَامَّةُ النَّاسِ أَنَّمَا مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ"([10]).

هذه في عبد الرحمن.

وسواء قلنا أن الصواب انه عبد الرحمن وليس عبيد الله، أو قلنا بالتعدد، فكلاهما ليس فيه تعمد لشرب الخمر من أبناء عمر بن الخطاب  رضي الله عنه، ولا جزم بعلمهما بأن ما شرباه خمرًا، وليس في الرواية الأولى أن عبيد الله لما شرب سكر، بل العكس هو الصحيح؛ لأن الروايات قالت: بأن عمر سأل عن ذلك فقالوا شربنا الطلاء، والطلاء يعني: ما يعتصر من الفواكه، ثم يطبخ، حتى يغلظ، فمنه ما يصل إلى حد الإسكار إذا حبس بعد ذلك أياماً، ومنه ما لا يصل إلى حد الإسكار إذا شرب فوراً، إلا أنه قد يعالج بمواد تحفظه، وبطريقة تحفظه إلى أن يصل إلى حد الإسكار فيستمر الأيام الطوال والأشهر ولا يسكر، ولو كان في الأصل مسكراً، مثل عصير العنب إذا وضعت فيه المواد الحافظة، وأحكم تعليبه في المعلبات الموجودة الآن لا يسكر، وغيره من الفواكه، لكن لو لم يحكم غطاؤه، أو لم يوضع عليه بعض المواد التي تحفظه الأصل فيه أنه مسكر([11]).

فمثل هذا مَن شربه لا يقال إنه تعمد شرب الخمر؛ ولذلك سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما تحقق أنه يُسكر، جلد ابنه الحد بدون سؤال هل سكر فعلا أم لا؟

وأما رواية عبد الرحمن بن عمر فقد طالب هو وصاحبه بإقامة الحد لما شربوا شرابًا ما ظنوا أنه يسكرهم فوقع السكر؛ ولذلك جاء النص: "فَقَالَا: طَهِّرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاه"، فليس في الامر تعمد لشرب الخمر، بل فيه غاية الورع، وإرادة التطهير بإقامة الحد.

وأما إعادة الحد على ابنه فقد قال ابن كثير في توجيهه: "ويحتمل أنه ثنَّاه عليه لأجل أنه قريبه، فإنَّه كان قد تقدَّم في أوَّل ولايته إلى أهله أنهم لا يأتون شيئًا مما نهى الناس عنه إلا أضعف لهم العقوبة. وهذا هو الظاهر؛ لقول عبد الله بن عمرَ: فلمَّا قَدِمَ عليه جَلَده، وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ومرادُ عمرَ أنَّ وَلَدَهُ لا يختصُّ في حدود الله من بين الناس بمزية، وإلا فلو رأى الإمامُ أن يُقيمَ الحدَّ على شارب الخمر في البيت كان له ذلك"([12]).

وقال ابن الجوزي: "ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولاً، فظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، فلما خرج الأمر بهما إِلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبا للَّه تعالى على أنفسهما المفرطة، فأسلماها إلى إقامة الحد"([13]). 

بل حتى ولو تنزلنا وقلنا بغير ذلك، فقد ثبت أن إقامة الحدود كفارات، ولا يجوز أن يُعيَّر المسلم بذنب تاب منه، بالاتفاق. 

ثانياً: من حسن أدب عمر لأبنائه رضي الله عنهم جميعًا أنه لم يثبت على أحد منهم قط أنه تعمد شرب الخمر مرَّة، وإنما كان الجلد كما سبق بيانه لمجرد شرب شيء ظنوه حلالاً فبان أنه مما يدخل فيما أسكر كثيره؛ ولذلك فإن الروايات التي ذكرت القصة ما جاءت بلفظة "شرب الخمر" قط، وإنما ذكرت "شرابًا".

قال الباجي: "اسْمُ الشَّرَابِ يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ مَشْرُوبٍ مُسْكِرٍ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ الشَّارِبِ رِيحَ شَرَابٍ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ هَلْ هُوَ رِيحٌ مُسْكِرٌ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَلَوْ تَمَيَّزَ لَهُ أَنَّهُ رِيحُ شَرَابٍ مُسْكِرٌ لَمَّا احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ إنْ كَانَ مُسْكِرًا أَوْ لَا"([14]).

ثالثاً: ما ذكره جعفر العاملي من الروايات في الأرقام (٢،٣،٤)، وهو يتكلم عن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر المعروف بأبي شحمة، وعاصم بن عمر، فجميع الروايات نقلها من (العقد الفريد) لابن عبد ربه، وقد ذكر الجميع بغير إسناد، وبمثل هذا لا تقوم حجة([15]).

 

رابعاً: هذه الروايات فيها مدح عظيم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كونه كان يقيم الحدود على أقرب الناس وأحب الناس إليه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهذا غاية المدح لعمر بن الخطاب، ولا يعاب المرء بمعاصي ولده المكلف، وإلا رجع الطعن لنوح ’ الذي ذكر الله في كتابه كفر ابنه، ومع ذلك فلا يعاب نوح به، ومن باب أولى لا يعاب عمر بأفعال أبنائه، ومع ذلك فقد كان من أبنائه الفقهاء والعلماء، كعبد الله بن عمر وابنه سالم أحد فقهاء المدينة السبعة.

خامساً: من العجيب أنهم يتهمون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبناءه بسبب الخمر -وحاشاهم- ويجعلون ذلك طعنًا عليهم، في الوقت الذي يعترفون فيه بأن رواتهم الثقاة كانوا يشربون الخمر.

فقد رووا أن الصادق ترحم على شارب الخمر:

عن فضيل الرسان...قال: فسمعت نحيبًا من وراء الستر، فقال: من قال هذا الشعر؟ قلت: السيد بن محمد الحميري، فقال قلت: إني رأيته يشرب النبيذ، فقال: قلت: إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق، قال: تعني الخمر؟ قلت: نعم، قال: وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي"([16]).

فهذا شارب خمر يترحم عليه الصادق، فما لكم لا تستنون بسنة الصادق وتترحمون على من تتهمونهم بتلك التهمة من أبناء أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؟

وقد ثبت أن أبا حمزة الثمالي كان يشرب الخمر، ومع ذلك اعتذر له المامقاني، فقال: "وعلى تقدير الصحّة، يمكن أن يكون أبو حمزة:

ما كان يعرف حرمته، يومئ إليه سؤال أصحابه عنه عليه السلام عن حرمته، كما ورد في كتب الأخبار، ومنه هذا الخبر.

أو أنّه كان يشرب لعلّة كانت فيه باعتقاد حلّه لأجلها.

أو كان يشرب الحلال منه فنمّوا إليه عليه السلام، ويكون استغفاره من سوء ظنّه بعام، ولعلّه هو الظاهر؛ إذ لا دخل لعدم تحريشه في الاستغفار عن شربه؟ فتأمّل.

أو كان استغفاره من ارتكابه بجهله.

أو بظهور خطأ اجتهاده.

أو كان ذلك قبل وثاقته"([17]).

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) مسند الشاميين للطبراني (4/159)، السنن الكبرى للبيهقي (8/547).

([2]) موطأ مالك، ت الأعظمي (١٢٣٣/٥).

([3]) صحيح البخاري (7/107).

([4]) فتح الباري، لابن حجر (10/64-65).

([5]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (9/232).

([6]) سير أعلام النبلاء (4/313).

([7]) المنتقى شرح الموطإ (3/142).

([8]) المسالك في شرح موطأ مالك (5/346).

([9]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (9/228).

([10]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني- 9/232.

([11]) انظر: شرح الموطأ، عبد الكريم الخضير (15/ 159).

([12]) مسند الفاروق- 2/390.

([13]) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم- 4/184-185.

([14]) المنتقى شرح الموطإ (3/142).

([15]) انظر: العقد الفريد (8/62).

([16]) اختيار معرفة الرجال المعروف بـ (رجال الكشي)، للطوسي (2/570).

([17]) تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني (13/279).


لتحميل الملف pdf

تعليقات