زعم الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جزع عند موته

الشبهة الثـامنة عشر

زعم الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جزع عند موته

 

محتوى الشبهة:

من افتراءات الرافضة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شهد على نفسه عند موته، وأصابه الجزع، قال التيجاني: "أخرج البخاري في (صحيحه) في باب مناقب عمر بن الخطاب، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ . قَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَىَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِى بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَىَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِى، فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِى طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ ([1]).

وقد سجل التاريخ له أيضًا قوله: "ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدًا، ثم أكلوني وأخرجوني عذرة، ولم أكن بشرا"([2]).

وجعلوا هذا من المطاعن في عمر رضي الله عنه ومنافيًا لما صح من كونه أحد المبشرين بالجنة.

الرد التفصيلي على الشبهة:

الرواية الأولى: قوله: "وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِى طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ ".

والرد عليها من وجوه:

أولا: أن هذه الآثار المذكورة تدل على شدة خوف عمر رضي الله عنه من الله تعالى وتعظيمه لربه، وهذا من كمال فضله وعلو شأنه في الدين، ولذا أثنى الله في كتابه على عباده الخائفين منه المشفقين من عذابه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ} [النازعات:40].

ثانيًا: هذا الكلام الصادر عن عمر رضي الله عنه كان بعد الطعن مباشرة، ولم يكن حال معاينة الموت، فهذا الكلام من أعظم مناقبه الدالة على شدة خشيته وخوفه من الله.

وهذا الكلام لا علاقة له بقول الكفار يوم القيامة الذين أخبر عنهم الله عزوجل: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]

فالآية تتعلق بيوم القيامة بعد أن يرى الكفار مقامهم من النار، وما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من باب الخوف من النار في الدنيا الذي هو من صفات عباد الله المؤمنين، فالكافر هو الذي لا يخاف الله ولقائه وعذابه ويأمن مكره، قال الله: {كَلَّا ۖ بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ} [المدثر:53]

ثالثًا: ورد في كتب الرافضة ما يدل على أن الأئمة كان يصيبهم مثل هذا عند الموت، ولم يقل أحد أن هذا منهم شك بمقامهم، أو جزع منهم، روى الصدوق بسنده عن الحسين بن على عليهم السلام، قال: لما حضرت الحسن بن على الوفاة بكى فقيل له: يا ابن رسول الله أتبكي ومكانك من رسول الله (ص) مكانك الذي أنت فيه، وقد قال: رسول الله (ص) فيك ما قال، وقد حججت عشرين حجة ماشيًا، وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل وبالنعل. فقال: إنما أبكي لخصلتين لهول المطلع وفراق الأحبة"([3]).

فهل بكاء الحسن رضي الله عنه عند موته دليل على جزعه؟

وشهادة على نفسه بعدم النجاة مثلا؟ وهو أحد الأئمة المعصومين عند الرافضة.

وورد أيضا في مناجاة السجاد أنه كان يتمنى لو لم يولد أصلا، قال محمد تقي المدرسي:" أو لم تسمع مناجاة الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام: لَيْتَ شِعْرِي أَلِلشَّقَاءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي أَمْ لِلْعَنَاءِ رَبَّتْنِي، فَلَيْتَهَا لَمْ تَلِدْنِي، وَلَمْ تُرَبِّنِي، وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ جَعَلْتَنِي وَبِقُرْبِكَ وَجِوَارِكَ خَصَصْتَنِي فَتَقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنِي وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي‌"([4]).

وهذا الكلام عند أهل الفهم السوي، والفطرة المستقيمة لا إشكال فيه، بل هذه الصديقة مريم، قال تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23].

فهل يتجرأ الرافضة للطعن في مريم عليه السلام، أو في الإمام السجاد،

كما صنعوا مع الفاروق عمر رضي الله عنه؟

 

الرواية الثانية: قوله: "ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني".

الرد من وجوه:

أولا: الأثر رواه هناد بن السري قال حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك قال: مر أبو بكر بطير واقع على شجرة، فقال: «طوبى لك يا طير؛ تقع على الشجر وتأكل الثمر، ثم تطير وليس عليك حساب ولا عذاب يا ليتني كنت مثلك؛ والله لوددت أن الله خلقني شجرة إلى جانب الطريق، فمر بي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني، ثم ازدردني، ثم أخرجني بعرًا، ولم أك بشرا»، قال: وقال عمر: «يا ليتني كنت كبش أهلي، سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض ما يحبون فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدًا ثم أكلوني، فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرًا»، قال : وقال أبو الدرداء : «يا ليتني كنت شجرة تعضد ولم أك بشرًا»([5]).  

وهذا إسناد ضعيف جداً فجويبر، قال عنه النسائي: "جويبر بْن سَعِيد الخراساني متروك الْحَدِيث"([6]).

 والضحاك لم يسمع ابن عباس فضلاً عن الصديق أو الفاروق؛ قال شعبة: قلت لمشاش: الضحاك سمع من ابن عباس؟ قال: "ما رآه قط. وقال عبد الملك بن ميسرة: الضحاك لم يلق ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جبير بالريّ، فأخذ عنه التفسير. ذكرهما الطبري في تفسيره([7]).

ثانيًا: على فرض صحتها، يجاب عنها بما سبق في الرواية الأولى من كونه محمولا على الخشية والخوف من الله تبارك وتعالى، فيكون دليلا على المدح لا على الذم؛ لأن الله قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [سورة فاطر:28].

ثالثًاً: وردت في كتب الرافضة نفس الرواية عن الصحابة المنتجبين عندهم، من ذلك ما رواه ابن طاووس: "لما نزلت هذه الآية على {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:43-44] بكى النبي صلى الله عليه  وسلم بكاءً شديدًا وبكت صحابته لبكائه... فسمع سلمان فقال: يا ليتني كنت كبشا لأهلي فأكلوا لحمي، ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النار، وقال أبو ذر: يا ليت أمي كانت عاقرًا ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار ، وقال عمار : يا ليتني كنت طائرا في القفار لم يكن علي حساب ولا عقاب ولم أسمع بذكر النار ، وقال علي عليه السلام: يا ليت السباع مزقت لحمي وليت أمي لم تلدني ولم أسمع بذكر النار"([8]). 

فهل أبو ذر وسلمان رضي الله عنهما وهما من الصحابة المنتجبين عند الرافضة جزعا وشكا في كونهما من أهل الجنة؟

وماذا يقول الرافضة عن قول قسيم الجنة والنار عندهم وتمنيه أن السباع قد مزقت لحمه، وأن أمه لم تلده أصلا؟

فعمر رضي الله عنه لم يقل هذا الكلام قنوطاً أو يأساً من رحمة الله، إنما قاله ورعاً وخشية من الله سبحانه وتعالى، وإلا فعمر يعلم أنه مبشر بالجنة، فكيف يقنط من رحمة الله تعالى؟!!

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) رواه البخاري ، باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3692).

([2]) ثم اهتديت (ص 111).

([3]) عيون أخبار الرضا (2/ 271).

([4]) من هدى القرآن (12/192).

([5]) الزهد (ص 443).

([6]) الكامل في ضعفاء الرجال (2/340).

([7]) تفسير الطبري (1/ 86).

([8]) الدّروع الواقية (ص274)، بحار الأنوار (43/ 87 ح 9).


لتحميل الملف pdf

تعليقات