الشبهة التاسعة عشر
زعم الشيعة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كشف ساق أم كلثوم بنت علي وقبَّلها قبل الزواج منها.
محتوى الشبهة:
واستدلوا على ذلك بعدة روايات، وأنا أذكر واحدة بنصها، ثم أشير إلى تضعيف باقي الروايات دون ذكر الرواية.
قال الإمام أبو بكر الخطيب : "وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّرْسِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مِهْرَانَ بْنِ رُسْتُمَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْقَيْسِيُّ، مَوْلَى بَنِي رِفَاعَةَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ بِمِصْرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ابْنَتَهُ مِنْ فَاطِمَةَ وَأَكْثَرَ تَرَدُّدَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا يَحْمِلُنِي عَلَى كَثْرَةِ تَرَدُّدِي إِلَيْكَ إِلا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّ سَبَبٍ وَصِهْرٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَنَسَبِي "، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ سَبَبٌ وَصِهْرٌ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَأَمَرَ بِابْنَتِهِ مِنْ فَاطِمَةَ فَزُيِّنَتْ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَلَمَّا رَآهَا قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِسَاقِهَا، وَقَالَ: قُولِي لأَبِيكِ قَدْ رَضِيتُ، قَدْ رَضِيتُ، قَدْ رَضِيتُ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى أَبِيهَا، قَالَ لَهَا: مَا قَالَ لَكِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَتْ: دَعَانِي وَقَبَّلَنِي، فَلَمَّا قُمْتُ أَخَذَ بِسَاقِي، وَقَالَ: قُولِي لأَبِيكِ قَدْ رَضِيتُ، فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَعَاشَ حَتَّى كَانَ رَجُلا ثُمَّ مَاتَ"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: جميع الروايات التي ذكرت ذلك أسانيدها باطلة.
فأما رواية الخطيب البغدادي فلا تصح، وآفتها إِبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمٍ بْنِ مَهْرَانَ، قال ابن عدي: "ليس بمعروف منكر الحديث عن الثقات"([2]). وقال الامام العقيلي: "كَثِيرُ الْوَهْمِ"([3]).
وكذلك في السند "أحمد بن الحسين الصوفي"، وهو مجهول.
والقصة رواها الحاكم في (المستدرك) من غير ذكر كشف الساق والتقبيل، ومع ذلك تعقب الذهبي الحديث على الحاكم لتصحيحه السند على عادته في التساهل، فقال الذهبي: «بل منقطع». يعني بين علي بن الحسين وعمر.
ورواها ابن إسحاق في (السير والمغازي)([4])، وعلته الانقطاع بين عمر بن عاصم بن قتادة، ورواها أيضًا بإسنادٍ فيه راوي مجهول عن بعض أهله([5]).
ورواه الطبراني في (المعجم الكبير)([6])، وفيه الحسن بن سهل الحناط، ذكره السمعاني ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلاً فبقي على الجهالة.
وله من طريق آخر عن يونس بن أبي يعفور وهو صدوق يخطئ كثيرًا، كما قرره الحافظ([7]).
وقد توبعت الرواية بمن لا يفرح به وهو سيف بن محمد، قال الحافظ: كذبوه ([8])، فهذه الرواية موضوعة بسبب أن سيفًا هذا كذاب.
( تنبيه وبيان) :
لئلا يتقَوّل علينا متقول، أو يتوهم واهم بأن القصة صحيحة مغترًا بأن الشيخ الألباني رحمه الله أوردها في (سلسلة السلسلة الصحيحة)([9]).
نقول: إن الشيخ الألباني رحمه الله، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء تراجع عن ذلك واعترف بالوقوع في خطأ تصحيح الرواية بناء على خطأ قلد فيه الحافظ ابن حجر، ثم تراجع عن التصحيح في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)، وعليه فجميع أسانيد الشبهة مكذوبة ولا تصح.
ثانيًا: قد صح تزويج عمر لأم كلثوم بنت علي عند السنة والشيعة.
أما عند السنة فقد ثبت في صحيح البخاري([10]). وأما عند الشيعة فقد ثبت ذلك الزواج المبارك([11])، وبالجملة فلا ينكر هذا الزواج إلا جاهل ومعاند، كما قال الشريف المرتضى في رسائله ([12]).
ويلزم من هذا الزواج إبطال الروايات المختلفة التي وضعها الكذابون والتي تحكي أن عمر بن الخطاب ضرب فاطمة برجله حتى أسقط جنينها، وسائر المظلوميات الشيعية على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
كما يلزم أن علي بن أبي طالب رضي دين عمر وأمانته، ففي (أمالي الطوسي): "عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إنما النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدة فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته".
وبإسناده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"([13]).
ثالثاً: جاء في كتب الشيعة مثل ما ذكروه عن عمر وأشنع منه.
في كتاب (قرب الإسناد): "عَنِ ابْنِ عُلْوَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ الْجَارِيَةَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقَيْهَا فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا"([14]).
فهل يطعن الشيعة في علي؛ لأنه يكشف عن ساق امرأة وينظر إليها؟!
وفي (الحدائق الناضرة)، و(تهذيب الأحكام): "في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمع؟ قال: لا بأس"([15]).
وقال محمد تقي المجلسي: "في الموثق عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين إنما نساؤكم بمنزلة اللعب"([16]).
وفي (جامع المدارك) للخوانساري: "وأما جواز أن ينام بين أمتين فلمرسل ابن أبي نجران " أن أبا الحسن عليه السلام كان ينام بين جاريتين". والمشهور كراهته بين الحرتين ولم يظهر وجهها سوى الشهرة بين الأصحاب مع أن في الخبر " لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين إنما نساؤكم بمنزلة اللعب"([17]).
فأين الحياء يا شيعة عندما نسبتم إلى أهل البيت كل تلك الرذائل وكأنهم يعيشون في ملاهي ليلية لا دين ولا حياء؟!!
رابعًا: هذه الرواية فيها طعن في علي رضي الله عنه قبل الطعن في عمر رضي الله عن الجميع، فمن المعروف نخوة العرب وغيرتهم، فكيف يقبل أمير المؤمنين أن تُقبل أبنته ويكشف عن ساقيها من غير عقدٍ ولا نكاحٍ.
فهل يقبل الشيعة اتهام أمير المؤمنين على رضي الله عنه بالدياثة وقلة الغيرة؟!!
سبحانك هذا بهتان عظيم
فرضي الله عن عمر وعلي وسائر اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
والحمد الله رب العالمين
([1]) تاريخ بغداد (7 / 126).
([2]) الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1 / 32).
([3]) الضعفاء الكبير (1/52).
([4]) السير والمغازي (ص 248).
([5]) سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي، (ص 248).
([6]) (المعجم الكبير) (1/124/1).
([7]) التقريب (7920).
([8]) التقريب (2726).
([9]) السلسلة الصحيحة (1/156-158).
([10]) صحيح البخاري، (4/33) و(5/100)، وانظر: ابن حجر في الإصابة (كتاب الكنى وكتاب النساء ص276). والذهبي في سير أعلام النبلاء (2/525). وابن الجوزي في المنتظم (4/131).
([11]) انظر: الكليني في (الكافي) كتاب النكاح (5/346) باب تزويج أم كثوم، و(الفروع من الكافي) (6/115 و116). وصحح المجلسي الروايتين اللتين في الكافي في كتابه (مرآة العقول) (21/197). ورواه الطوسي في (الاستبصار) (3/352)، وفي (تهذيب الأحكام) (8/161 و9/262) والمجلسي في (بحار الأنوار) (38/88)، ورواه المرتضى في (الشافي) (ص 116)، وفي كتابه (تنزيه الأنبياء) (ص141)، و(مناقب آل أبي طالب) (3/162) لابن شهر آشوب، و(كشف الغمة في معرفة الأئمة) للآربلي (ص10)، ومنتهى الآمال (1/186) للقمي، وتاريخ اليعقوبي (2/149 و150) ... إلخ
([12]) رسائل المرتضى (3 / 150).
([13]) الأمالي (ص 519).
([14]) قرب الإسناد (1/103).
([15]) الحدائق الناضرة (23/137) وتهذيب الأحكام (8/208).
([16]) روضة المتقين (8/449).
([17]) جامع المدارك، للخوانساري (4/357).
لتحميل الملف pdf