زعم الشيعة أن عمر جهل كتاب الله في قضية الحامل التي وضعت لستة أشهر وهمَّ برجمها

الشبهة الحادية والعشرون

زعم الشيعة: أن عمر جهل كتاب الله في قضية الحامل التي وضعت لستة أشهر وهمَّ برجمها

 

محتوى الشبهة:

نقل ذلك الأميني في كتابه (نوادر الأثر في علم عمر) ([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الروايات التي وردت في ذلك اضطربت في أصحاب القصة بين عمر وعلي، أو عمر وابن عباس، أو عثمان وعلي، أو عثمان وابن عباس رضى الله عنهم جميعًا.

 قَالَ ابن عبد البر: "يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي رِوَايَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهَا لعثمان مع علي، كما رواها مالك وبن أَبِي ذِئْبٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهَا عَنْ عُثْمَانَ مع بن عَبَّاسٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَيَرَوْنَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَهَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ"([2]).

بل قد جاءت الرواية في (مصنف عبد الرزاق) أن الذي صحح لعمر هو ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: " إِنِّي لَصَاحِبُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أُتِيَ بِهَا عُمَرَ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِعُمَرَ: «لِمَ تَظْلِمُ؟» فَقَالَ: كَيْفَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: "اقْرَأُ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأحقاف:15]، " وَقَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[سورة البقرة:233]، كَمِ الْحَوْلُ؟ قَالَ: سَنَةٌ. قَالَ: قُلْتُ: "كَمِ السَّنَةُ؟" قَالَ: اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا. قَالَ: قُلْتُ: "فَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، حَوْلَانِ كَامِلَانِ وَيُؤَخَّرُ مِنَ الْحَمْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَيُقَدَّمُ" فَاسْتَرَاحَ عُمَرُ إِلَى قَوْلِي"([3]).

فتكون الفضيلة لابن عباس، وأيا ما كان الأمر فالقصة لو صحت فهي مجرد فضيلة لعلي بن أبي طالب أو لابن عباس ولعمر ولعثمان رضى الله عنهم أجمعين.

قال ابن عبد البر: "وَفِي الْخَبَرِ بِذَلِكَ فَضِيلَةٌ كبيرة وشهادة عادلة لعلي وابن عَبَّاسٍ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْفِقْهِ فِي دِينِ اللَّهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ"([4]).

وأما الفضيلة للخليفة فتأتينا في ثانيًا.

ثانيًا: هذه الرواية دليل سعادة عمر رضى الله عنه في الدنيا والآخرة كونه وُفق لأصحاب صالحين يسددونه، وينصحونه للخير كله، ولا يقرونه على خلاف الحق.

 روى المجلسي في (البحار): "أنّ النبيّ سليمان، قال: "لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يصاحب، فإنّما يُعرف الرجل بأَشكاله وأَقرانه ويُنسب إلى أَصحابه وأَخدانه"([5]).

وقد كان علي بن أبي طالب نِعم الرفيق لعمر بن الخطاب رضى الله عنهما. فقد روي عنه أنه قال: "إنّما سمّي الرفيق رفيقاً؛ لأنّه يرفقك على صلاح دينك، فمن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق"([6]).

وقال أيضا: "الصديق من كان ناهياً عن الظلم والعدوان، معيناً على البرّ والإحسان"([7]).

ولو كان عمر كما يزعمون لما جاز لعليّ أن يصاحبه، ولا أن يساكنه في بلدة واحدة.

فقد رووا عن الإمام الصادق أنّه قال: "لا تصحب الفاجر، فيعلّمك من فجوره"([8]).‏

وعَنْ مَرْوَانَ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ: "خَرَجَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) إِنَّ اللَّهَ إِذَا كَرِهَ لَنَا جِوَارَ قَوْمٍ نَزَعَنَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ"([9]).

فإذا كان الله لم ينزع عليًّا من جوار عمر فقد رضي له جواره، وقد رضي عليّ جواره بالتبع، وهذ دليل محبة بلا شك، وإلا لوجب على عليّ أن يهاجر ويترك أرض الظالمين التي استضعف فيها، وعليه فقد كانت مشورة عليّ لعمر غاية المنقبة لعمر بنص هذه الروايات.

 

ثالثًا: الآيات التي ذكرها علي لعمر ليس في صريحها ما ذكره عليّ، وإنما هو اجتهاد قد يخالف فيه كثير من العلماء، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على تلك الرواية.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسْتَشِيرُ الصَّحَابَةَ، فَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بِمَا يَرَاهُ صَوَابًا، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ. وَبِهَذَا مَدَحَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [سورة الشورى:38]، وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ وَلَا ادَّعَتْ شُبْهَةً: هَلْ تُرْجَمُ؟

فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالسَّلَفِ: أَنَّهَا تُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

 وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: لَا تُرْجَمُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالُوا: لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُسْتَكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ وَطْءٍ... وَالْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ نَادِرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ قَدْ لَا تَخْطُرُ بِالْبَالِ، فَأَجْرَى عُمَرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ فِي النِّسَاءِ، كَمَا فِي أَقْصَى الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مَنِ النِّسَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلِدُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يُوجَدُ قَلِيلًا مَنْ تَلِدُ لِسَنَتَيْنِ، وَوُجِدَ نَادِرًا مَنْ وُلِدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوُجِدَ مَنْ وُلِدَتْ لِسَبْعِ سِنِينَ، فَإِذَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ بَعْدَ إِبَانَةِ زَوْجِهَا لِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ.

فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَحُدُّ لِأَقْصَى الْحَمْلِ الْمُدَّةَ النَّادِرَةَ، هَذَا يَحُدُّ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا يَحُدُّ أَرْبَعًا، وَهَذَا يَحُدُّ سَبْعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ نَادِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَبَانَهَا وَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ، مَعَ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَجِبْ إِلْحَاقُهُ بِهِ"([10]).

 وليس من شرط المجتهد الوصول إلى الصواب في كل مسألة باتفاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ"([11]).

فثبت من ذلك أن عمر مأجور غير مأزور، عالم غير جاهل بفضل الله تعالى.

 

رابعًا: معلوم أن الكبير قد يتعلم من الصغير شيئًا، بل ويروي عنه حديثا، ولا يقلل ذلك من قدر الكبير، وأهل العلم اشتهر بينهم مصطلح "رواية الأكابر عن الأصاغر.

قال الحافظ: "وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر ومنه الآباء عن الأبناء وفي عكسه كثرة ومنهم من روى عن أبيه عن جده"، إذا روى الراوي عمن دونه في السن أو في المقدار فليعلم أن هذا النوع يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر.

 قال ابن الصلاح: "ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر وأفضل من الراوي نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتهما، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم".

قال الحافظ العراقي في (شرح ألفيته): "والأصل في هذا الباب رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري، النبي صلى الله عليه وسلم روى عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو في (صحيح مسلم)، هذه من رواية الأكابر عن الأصاغر"([12]). 

وللحافظ ابن حجر جزءٍ لطيف سمّاه: "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين".

 وهذا لا يقلل من علم الصحابي ولا من قدره.

قال ابن حزم في بيان فضل علم عمر على علم علي بن أبي طالب رضى الله عنه: "وبرهان على ذَلِك أَن من عَمَّر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عُمرًا قَلِيلا قل النَّقْل عَنْهُم، وَمن طَال عمره مِنْهُم كثر النَّقْل عَنْهُم إِلَّا الْيَسِير من اكتفا بنيابة غَيره عَنهُ فِي تَعْلِيم النَّاس، وَقد عَاشَ عَليّ بعد عمر بن الْخطاب سَبْعَة عشر عَامًا غير أشهر ومسند عمر خَمْسمِائَة حَدِيث وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا يَصح مِنْهَا نَحْو خمسين كَالَّذي عَن عَليّ سَوَاء بِسَوَاء، فَكل مَا زَاد حَدِيث عَليّ على حَدِيث عمر تِسْعَة وَأَرْبَعين حَدِيثا فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة، وَلم يزدْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيح إِلَّا حَدِيثا أَو حديثين وفتاوي عمر موازنة لفتاوي عَليّ فِي أَبْوَاب الْفِقْه، فَإِذا نسبنا مُدَّة من مُدَّة وضربنا فِي الْبِلَاد من ضرب فِيهَا، وأضفنا حَدِيث إِلَى حَدِيث وفتاوي إِلَى فتاوي علم كل ذِي حس علما ضَرُورِيًّا أَن الَّذِي كَانَ عِنْد عمر من الْعلم أَضْعَاف مَا كَانَ عِنْد عَليّ من الْعلم"([13]).

خامسًا: قد جاء في كتب الرافضة جهل علي بن أبي طالب رضى الله عنه وغيره ممن ينسب إليهم الشيعة دينهم، وقد سبق ذكر ذلك مرارًا، فإذا كان الجهل بشيء يُسقط الإمامة فقد سقطت إمامة أئمتهم، وإلا فلا وجه للتشغيب على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمثل ذلك.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) نوادر الأثر في علم عمر (ص١٩-٢٠)

([2]) الاستذكار (7/491).

([3]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (7/352).

([4]) الاستذكار (7/493).

([5]) بحار الأنوار، المجلسي (71/188).

([6]) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي (ص 424).

([7]) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم (ص 415).

([8]) الخصال، الصدوق (1/161).

([9]) علل الشرائع، الصدوق (1/244).

([10]) منهاج السنة النبوية (6/93-95).

([11]) صحيح مسلم (3/1342).

([12]) انظر: شرح نخبة الفكر، عبد الكريم الخضير (10/16-17).

([13]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/108-109).


لتحميل الملف pdf

تعليقات