شبهات وردود

زعم الرافضة محاولة بعض الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة

الشبهة الثانية عشر

زعم الرافضة محاولة بعض الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة.

 

محتوى الشبهة:

يتهم الرافضة بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم أرادوا قتله في العقبة، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

واستندوا إلى ما رواه مسلم من طريق الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ: ثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ؛ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ، قَالَ -يعني حذيفة-: كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، وَعَذَرَ ثَلاثَةً، قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ r، وَلا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةٍ، فَمَشَى، فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ فَلا يَسْبِقْنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَوَجَدَ قَوْمَاً قَدْ سَبَقُوهُ ، فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ"([1]).

والحديث وإن كان واضحًا وليس فيه تعيين لأسماء هؤلاء، لكنهم يحتجون بكلام لابن حزم يقول فيه: "وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ -وَهُوَ هَالِكٌ- وَلَا نَرَاهُ يَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَخْبَارًا فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ r وَإِلْقَاءَهُ مِنْ الْعَقَبَةِ فِي تَبُوكَ، -وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي يَطْعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ- فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ"([2]).

وقالوا: بما أن الوليد بن جُميع من رجال مسلم، ووثقه غير واحد، إذن كلام ابن حزم ما هو إلا محاولة للدفاع عن الشيخين لا غير، يقول علي الشهرستاني: "قد حاول ابن حزم الأندلسي أن يدافع عمّا نسب إلى الشيخين من أنهما اشتركا في محاولة قتل رسول الله في العقبة ضمن دفاعاته عن الصحابة"([3]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد توفرت فرص كثيرة للصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخلوة بالنبي r، فهما وزيراه، وصاحباه، وقد زوجاه من ابنتيهما، وصاحبه الصدِّيق في الهجرة من مكة إلى المدينة في رحلة استغرقت عشرة أيام، وقد كان هذا معروفاً عند المسلمين والكفار، ولذا فقد اختارهما الصحابة الأجلاء أمراء عليهم بعد وفاة النبي r؛ فالزعم بأن أبا بكر وعمر أراد قتل النبي r زعم باطل، يعلم قائله إنه سيصير أضحوكة بين العالَمين بسبب قوله هذا.

 

ثانيًا: القصة صحيحة على ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، لا إشكال فيها، لكن الرافضة زعموا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا من أولئك المنافقين الذين حاولوا قتله صلى الله عليه وسلم، وهو زعم باطل.

فهل يمكن لعاقل أن يصدِّق أن يترك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رفقة النبي r، ثم يتلثمان، ويحاولان قتله؟! ولماذا لم يفعلا هذا قبل ذهابهما معه لـ"تبوك"؟

ولماذا لم يفعلا هذا أثناء خلوتهما بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو عليهما يسير؟!

وقد أوحى الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأسماء أولئك، وقد عذر منهم ثلاثة، فكيف يكون أولئك الأجلاء منهم ولا يحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين منهم؟!

وكيف يثني عليهما، ويأمر بتقديمهما، ويرضى صحبتهما ونسبهما؟!

وكيف يبايع حذيفة  رضي الله عنه ذينك الإمامين أبي بكر وعمر وهو يعلم أنهما من المنافقين؛ بل جزم لعمر t أنه ليس من المنافقين، وقد كان عنده خبر المنافقين من النبي صلى الله عليه وسلم؟!

 

ثالثاً: ورد في بعض الروايات تعيين أسماء هؤلاء، وليس منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قطعًا.

قال ابن كثير: " وَقَدْ تَرْجَمَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ حُذَيْفَةَ تَسْمِيَةَ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ مُعَتِّب بْنُ قُشَيْرٍ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَجَدُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَل بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الطَّائِيُّ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِي، والحارث بن سُوَيْد، وَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَقَيْسُ بْنُ فَهْدٍ، وَسُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللَّصِيتِ، وَسُلَالَةُ بْنُ الْحِمَامِ، وَهُمَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ "([4]).

 

رابعاً: أما كلام ابن حزم، فالرد عليه من وجهين:

أخطأ ابن حزم رحمه الله في وصف الوليد بالهلاك، وأعدل الأقوال فيه أنه "صدوق يهم"، كما وصفه به الحافظ ابن حجر([5]).

لا يُعرف في الدنيا إسناد فيه ذِكر أولئك الصحابة الأجلاء أنهم اشتركوا في محاولة قتل النبي r، وابن حزم يضعف ذلك الراوي أصلاً، قبل هذا الحديث، والمفهوم من كلامه رحمه الله أن وضع أسماء أولئك الصحابة كان مقحماً في إسناد الوليد الأصلي للحديث، وأنه لا دخل له به، ومما قاله ابن حزم رحمه الله في هذا الصدد: "ولا نراه يَعلم مَن وضع الحديث".

 فالحديث بذكر أولئك الصحابة مكذوب قطعاً على الوليد بن جُمَيع رحمه الله، وقال بعدها مباشرة: "وهذا هو الكذب الموضوع، الذي يَلعن الله تعالى واضعَه، فسقط التعلق به، والحمد لله رب العالمين "([6]).

وعليه فخطأ ابن حزم أو مخالفته في الحكم على هذا الراوي، لا يستلزم بالضرورة قبول روايته في مشاركة هؤلاء الصحابة، لأن ابن حزم نفسه يقرر أن الواضع لهذا الكذب الواضح ليس الوليد بن جميع.

خامساً: كيف يعقل أن علي بن أبي طالب r يزوج ابنته لمن حاول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أكد بعض علماء الرافضة أن هذا الزواج كان برضى من عليّ بن أبي طالب.

قال الطهراني: "فقد كان النكاح برضا عليّ، وكان العباس مصيبًا في وساطته، وكان عمر محمودًا على رغبته"([7]).

وقال أيضًا النسابة علي بن محمد العمري: والمعول عليه من هذه الروايات ما رأيناه آنفا من أن العباس بن عبد المطلب زوجها عمر برضا أبيها عليه السلام، وأولدها عمر زيدا"[8].

فهل يعقل يا رافضة أن الإمام يرضى ويوافق على تزويج ابنته ممن حاول قتل رسول الله r؟

سادساً: لو رجعنا إلى كتب الرافضة لوجدنا أنهم الذين كانوا يسعون في قتل الأئمة وإيذائهم، والإمام عندهم كالنبيّ، فالساعي في قتل الإمام والإضرار به كالساعي في قتل النبيّ سواء بسواء.

قال نعمة الله الجزائري: "ويؤيده أن كثيرًا من الشيعة ومن أقارب الأئمة عليهم السلام كانوا يؤذون أئمتهم عليهم السلام بأنواع الأذى مثل العباس أخو الرضا عليه السلام، ومثل أقارب مولانا الصادق عليه السلام، وقد كان جماعة منهم يسعون بقتلهم وإهانتهم عند خلفاء الجور، ومع هذا كله إذا أراد أحد من الشيعة أن يذكرهم بسوء في مجالس الأئمة عليهم السلام يغضبون عليهم السلام، ويبالغون في نفيه، ويقولون إن هؤلاء أقاربنا دعونا منهم لا تتعرضوا لهم بسوء من كلام خبيث وغيره"([9]).

وهذا النص يبين لنا إجرام الشيعة في حق الأئمة؛ فمع أن هؤلاء الشيعة ومن أقارب الأئمة، كانوا يسعون في أذيتهم بل وفي قتلهم، ومع ذلك لم يرض الأئمة بالطعن فيهم، أو التعرض لهم.

ومن أمثلة هذا: ما وقع من هشام بن الحكم، ومشاركته في قتل الإمام الكاظم.

روى الكشي بسنده عن أبي الحسن الرضا قال:" أما كان لكم في أبي الحسن (عليه السلام) عظة ما ترى حال هشام بن الحكم؟ فهو الذي صنع بأبي الحسن ما صنع، وقال لهم وأخبرهم، أترى الله يغفر له مار كب منا"([10]).

وقد تورط علماء الرافضة بهذه الراوية، ولم يجدوا لها مخرجًا سوى التوقف في شأنها، وترك علمها إلى أهلها.

يقول الخوئي: "نعم، إن هناك رواية واحدة صحيحة السند دلت على ذم هشام بن الحكم، غايته. وهي ما رواه محمد بن نصير، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا(ع)، قال: أما كان لكم في أبي الحسن(ع) عظة، ما ترى حال: هشام بن الحكم فهو الذي صنع بأبي الحسن(ع)ما صنع، وقال لهم: وأخبرهم أترى الله أن يغفر له ما ركب منا.

ولكن هذه الرواية لا بد من رد علمها إلى أهلها، فإنها لا تقاوم الروايات الكثيرة التي تقدمت بعضها، ويأتي بعضها الآخر وفيها الصحاح، وقد دلت على جلالة هشام بن الحكم وعظمته"([11]).

بعد أن حكم الخوئي بصحة الرواية التي تدل على مشاركة هشام بن الحكم في قتل الإمام الرضا، لم يجد مخرجا سوى التوقف في شأنها، ورد علمها إلى أهلها، ولا ندري من هم؟

فإذا تعلق الأمر بأصحاب الأئمة وإن فعلوا ما فعلوا، نجد الترقيعات والتبريرات التي لا تخطر على بال.

ولكن إذا تعلق الأمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تراهم يتمسكون بالضعيف، بل بالموضوع المكذوب من أجل الطعن فيهم، والنيل منهم.

 

([1]) صحيح مسلم (4/2144).

(([2] المحلى بالآثار، ابن حزم (12/160).

([3]) تاريخ الحديث النّبوي، علي الشهرستاني (ص 249).

(([4] تفسير ابن كثير (4/182-183).

([5]) تقريب التهذيب، ابن حجر (ص582).

([6]) المحلى بالآثار، ابن حزم (12/160).

(([7] معرفة الإمام، محمد الحسين الطهراني (15/263).

(([8] المجدي في أنساب الطالبيين، علي بن محمد العمري (ص199).

(([9] الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (3/185).

([10]) اختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي الطوسي (2/561).

(([11] معجم رجال الحديث، الخوئي (20/316).


لتحميل الملف pdf

تعليقات