شبهة إنكار عمر بن الخطاب موت رسول الله صلى الله عليه وسلم

الشبهة الرابعة والعشرون

إنكار عمر بن الخطاب موت رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

محتوى الشبهة:

من المواقف التي حصلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما سمع بخبر وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنكر ذلك في بادئ الأمر من شدة الهول والصدمة، وقال: بأنه لم يمت وسيعود، إلى أن هدّأ من روعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه مذكرًا إياه بالآية المباركة التي تخبر عن وفاته.

فجعل الرافضة هذا من المطاعن في الفاروق عمر رضي الله عنه، على عادتهم في التعامل مع النصوص، وقلب مدلولاتها، وتحميلها أكثر مما تتحمل، وجعلوا موقفه هذا كاشفا عن عدم علمه بالقرآن الكريم.

قال محمد الشيرازي: "اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفّي أنكر عمر موته، وكان يحلف بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر:30]، وقوله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران:144].

فإذا كان عمر تاليًا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار، عارفًا لرموز القرآن وتعاليمه، ما أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم جازمًا بحيث يحلف عليه ويهدّد من خالفه في معتقده بالسيف!!"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: أن هذا من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشيء، وكثيرا ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد؛ لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية.

 ألا ترى أن يوشع -مع كونه نبيًّا معصومًا- نسي أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل، بل إن موسى عليه السلام مع كونه من أولي العزم قد نسي معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات.

وقال تعالى في حق آدم {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [سورة طه:115].

فأي ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الأمر العظيم، وأي طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه صلى الله عليه وسلم؟ ([2]).

 ثانيًا: أنه قد تراجع عن هذا بعد أن ذكره أبو بكر رضي الله عنه بالآيات القرآنية الدالة على موته صلى الله عليه وسلم كباقي البشر، ولم يستمر على قوله السابق، مما يدل أنه كان وقافا عند النصوص الشرعية، متبعا للأدلة، مقدماً لها على رأيه، فيكون هذا من فضائله ومناقبه.

ثالثًا: في المواقف العظيمة قد يذهل الإنسان، ويفقد تركيزه، ويتشتت تفكيره، وهذا يثبته الرافضة حتى للنبيّ صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن هو دونه؟

قال محمد حسن النجفي: "وفي‌ خبر المعراج المروي عن العلل بسند جيد إلى أن قال: "فنظرت إلى شيء ذهب منه عقلي فاستقبلت الأرض بوجهي ويدي، فألهمت أن قلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده لعلو ما رأيت، فقلتها سبعًا، فرجعت إلى نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي، فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الأعلى وبحمده، وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي وعلو ما رأيت، فألهمني ربي عز وجل وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي، فرفعت فنظرت إلى ذلك العلو فغشي علي، فخررت لوجهي واستقبلت الأرض بوجهي ويدي، وقلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده سبعًا"([3]).

رابعاً: أن الرافضة نسبوا لفاطمة رضي الله عنها أنها تجاوزت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحاشاهما، وخاطبته بكلام قاس؛ لأنه قصّر في الدفاع عنها، والوقوف معها في قضية فدك، واعتذروا لها بأن ذلك اليوم يوم عظيم، فلا تلام على كلامها.

قال الحائري: "ولا تلام من يوم دخلت على أمير المؤمنين (ع) ونادت: يا ابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الاجدل، فخانك ريش الاعزل، هذا ابن أبي... الخ؛ لأن ذلك اليوم يوم عظيم ولا يخفي على البصير عظم ذلك اليوم"([4]).

فإذا كان عظم ذلك اليوم عذرا لفاطمة رضي الله عنها، مع تجاوزها على مقام أمير المؤمنين، وهو المعصوم عندكم، فيقال كذلك أن يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم منه، فلا يلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على موقفه.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) ليالي بيشاور، محمد الشيرازي (ص 1011).

([2])  مختصر التحفة الاثني عشرية، محمود شكري الآلوسي (ص252).

([3]) جواهر الكلام، محمّد حسن النّجفي (10/184).

([4]) شجرة طوبى، محمد مهدي الحائري المازندراني (2/270).


لتحميل الملف pdf

تعليقات