قصة مالك الدار خازن عمر في التوسل برسول الله بعد موته

الشبهة السادسة والثلاثون

قصة مالك الدار خازن عمر في التوسل برسول الله بعد موته

 

محتوى الشبهة:

الجواب: من جملة الشبه التي يثيرها القوم في باب التوسل ودعاء غير الله، ما يعرف بقصة مالك الدار وكان خازن عمر. قال جعفر السبحاني: "دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم بحضور الصحابة.

روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الداري -وكان خازن عمر- قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللّه هلك الناس، استسق لأُمّتك، فأتاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: إئت عمر فاقرأه منّي السلام، وأخبره أنّهم مسقون مستقيون، وقل له: عليك الكيس! عليك الكيس! قال: فأتى الرجل عمر فأخبره، فبكى عمر، وقال: يا رب ما آلو إلاّ ما عجزت عنه"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الحديث فيه مقال معروف بين أهل العلم، ومنهم من أعله.

قال الألباني: "عدم التسليم بصحة هذه القصة؛ لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"([2]) ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه – مع سعة حفظه واطلاعه – لم يحك فيه توثيقاً فبقي على الجهالة، ولا ينافي هذا قول الحافظ: ".. بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان .." لأننا نقول: إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح، ولقال رأساً: "عن مالك الدار ... وإسناده صحيح"([3]).

ثانيًا: الرجل الذي جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مجهول لا يعرف، فكيف يعول في هذه القضية العظيمة على روايته!! ويؤصل هذا الأصل المتعلق بأهم العبادات على حادثته! لا شك أن الاعتماد على هذه الواقعة ضرب من الجنون والهوس. هذا إذا سلمنا جدلاً عدم وجود المخالف له. فكيف وقد خالفه الإجماع المنعقد على مقتضى النصوص الواردة فيما يشرع عند وجود القحط من استغفار الله تعالى والاستقامة على طريقه، والإيمان والتقوى، وتحكيم الشرع؟

وقد اعترض على هذه العلة القوية باعتراض هو: أن الرجل المذكور صحابي يدعى: بلال بن الحارث المزني كما صرحت بذلك بعض روايات هذا الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: "وقد روى سيف في "الفتوح" أن الذي رأى المنام المذكور هو: بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة".([4])

والجواب: أن هذه الرواية باطلة لا يحل الاستشهاد بها؛ وذلك لأن سيف بن عمر المتفرد بهذه الزيادة ضعيف باتفاقهم، بل قيل: إنه كان يضع الحديث، وقد اتهم بالزندقة([5]).

ثالثًا: أن هذه القصة منكرة المتن، لمخالفتها ما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء في مثل هذه المجالات. ولمخالفتها ما اشتهر وتواتر عن الصحابة والتابعين؛ إذ ما جاء عنهم أنهم كانوا يرجعون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأموات عند نزول النوازل واشتداد القحط يستدفعونها بهم وبدعائهم وشفاعتهم.

 بل كانوا يرجعون إلى الله واستغفاره وعبادته، وإلى التوبة النصوح، قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [سورة الجن:16]، وقال تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [سورة هود:52]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [سورة الأعراف:96].

وفي كتاب (المعرفة والتاريخ) ليعقوب بن سفيان([6]) بإسناد صححه الحافظ ابن حجر في (الإصابة)([7]) عن سليم بن عامر الخبائري قال: إن السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يدك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن فارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم".

وأبلغ من هذا فعل عمر بن الخطاب الذي كان بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيعدل عنه إلى التوسل بالعباس لكونه حيًّا قادرًا.

وهذا الأثر ضعفه ونكارته، قد خالف هذه الوقائع الصحيحة الثابتة عن خير القرون بأجمعهم. فلو كان ما تضمنه هذا الأثر صحيحًا لفعلوه ولو مرة لبيان الجواز، ومن المعلوم أن المضطر يتعلق بأدنى ما يجده لكشف ضره، فلما لم يفعلوا ذلك مع وجود الدافع تبين بطلان هذا الأثر وسقوطه([8]).

قال الشيخ بن باز: "هذا الأثر ـ على فرض صحته كما قال الشارح ـ ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؛ لأن السائل مجهول، ولأن عمل الصحابة رضي الله عنهم على خلافه، وهم أعلم الناس بالشرع، ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها، بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة، فعلم أن ذلك هو الحق، وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك، بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك"([9]).

رابعًا: على فرض صحة القصة -وقد عُلِمَ أنها ليست صحيحة- فإن مدارها على رؤيا، والرؤى ليست مصدراً من مصادر التشريع.

وعلى فرض صحة القصة فإن قوله: «إنكم مستسقون، فعليك الكفين» إرشاد إلى عمل مشروع وهو الاستسقاء، أي: اذهبوا فاستسقوا أنتم، فإنه ليس في (الرؤيا) أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء أو قال: «اللهم اسقِ أمتي».

خامسًا: ورد في كتب الرافضة ما ينقض عقيدتهم في التوسل والاستغاثة بالأموات، وبيان أن الوسيلة هي الأعمال الصالحة لا غير.

قال عليّ رضي الله عنه: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِه الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى: الإِيمَانُ بِه وبِرَسُولِه والْجِهَادُ فِي سَبِيلِه، فَإِنَّه ذِرْوَةُ الإِسْلَامِ، وكَلِمَةُ الإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وإِقَامُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ، وصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّه جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ، وحَجُّ الْبَيْتِ واعْتِمَارُه، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، ويَرْحَضَانِ الذَّنْبَ، وصِلَةُ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ ومَنْسَأَةٌ فِي الأَجَلِ، وصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وصَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ، وصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ"([10]).

وهذا ظاهر من تعريف الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه؛ فإنها الطاعات والأعمال الصالحة التي يفعلها العبد.

قال الطبرسي: "الوسيلة: كل ما يتوسل به إليه من الطاعات وترك المقبحات"([11]).   

وقال الطباطبائي: "وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، وإذ كانت نوعًا من التوصل وليس إلا توصلاً واتصالاً معنويًّا بما يوصل بين العبد وربه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربه إلا ذلة العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة الرابطة"([12]).

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) رسائل ومقالات، جعفر السبحاني (5/473).

([2]) الجرح والتعديل (4/1 – 213).

([3]) التوسل أنواعه وأحكامه، الألباني (ص 118).

([4]) فتح الباري (2/496).

([5]) ميزان الاعتدال، الحافظ الذهبي (2/256).

([6]) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2/280).

([7]) الإصابة لابن حجر (10/382)

([8])  الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية، سليمان بن سحمان (ص 173).

([9])  فتح الباري مع تعليقات ابن باز (2/495).

([10])  نهج البلاغة، الشريف الرضي (ص163).

([11]) تفسير جوامع الجامع، الطبرسي (1/496).

([12]) الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (5/328).


لتحميل الملف pdf

تعليقات