شبهات وردود

زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه يجيز نكاح المتعة برواية: "وَيُشِيرُ بِيَدِهِ: مَهْرٌ مَهْرٌ"

الشبهة التاسعة والأربعون

زعم الشيعة: أن عمر رضي الله عنه يجيز نكاح المتعة برواية: "وَيُشِيرُ بِيَدِهِ: مَهْرٌ مَهْرٌ"

 

محتوى الشبهة:

الرواية في (مصنف عبد الرزاق) بسنده: "عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْبَلْتُ أُسَوِّقُ غَنَمًا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ فَحَفَنَ لِي حِفْنَةً مِنْ تَمْرٍ، ثُمَّ حَفَنَ لِي حِفْنَةً مِنْ تَمْرٍ، ثُمَّ حَفَنَ لِي حِفْنَةً مِنْ تَمْرٍ، ثُمَّ أَصَابَنِي، فَقَالَ عُمَرُ: «قُلتِ مَاذَا؟» فَأَعَادَتْ. فَقَالَ عُمَرُ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ: «مَهْرٌ مَهْرٌ»، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ كُلَمَّا قَالَ، ثُمَّ تَرَكَهَا"([1]).

يعلق الأردبيلي على الرواية قائلا:" من قال بإباحة المتعة عند الضرورة فقد قلد في ذلك عمر بن الخطاب في إسقاطه الحد من راعية الغنم"([2]).

قالوا: فهذا دليل واضح أن عمر اعتبر ما أخذته المرأة من الرجل مهراً، ولم يقم عليها الحد، فدل ذلك أنه يعتقد حِل نكاح المتعة.

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: قد تواتر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حرم المتعة تبعا لتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها.

ورد في مصنف عبد الرزاق عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ عُمَرَ: «يَنْهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ"([3]).

وفي صحيح مسلم: "عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا( ([4].

وفي سنن الدارقطني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ وَقَالَ: «إِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنِّسَاءُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ ثُمَّ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ، فَلَا أَقْدِرُ عَلَى أَحَدٍ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَتَحِلُّ بِهِ الْعُقُوبَةُ"([5]).

ثانيًا: كل نص في الشرع حتى ننفي عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، فلابد من جمع كل ما جاء في المسألة من نصوص، فلما نظرنا إلى مصنف عبد الرزاق الذي وردت فيه هذه الرواية وجدناه أنه صرح بأن عمر إنما درأ الحد لانتفاء شرط الاختيار، فإن المرأة كانت مضطرة لذلك.

"عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ امْرَأَةً أَصَابَهَا جُوعٌ، فَأَتَتْ رَاعِيًا، فَسَأَلَتْهُ الطَّعَامَ، فَأَبَى عَلَيْهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ نَفْسَهَا قَالَتْ: فَحَثَا لِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ، وَذَكَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ جُهِدَتْ مِنَ الجُّوعِ، فَأَخْبَرَتْ عُمَرَ فَكَبَّرَ، وَقَالَ: «مَهْرٌ مَهْرٌ مَهْرٌ، كُلُّ حِفْنَةٍ مَهْرٌ» وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ([6]).

"عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أُتِيَ بِامْرَأَةٍ لَقِيهَا رَاعٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ عَطْشَى، فَاسْتَسْقَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إِلَّا أَنْ تَتْرُكَهُ فَيَقَعَ بِهَا، فَنَاشَدَتْهُ بِاللَّهِ فَأَبَى، فَلَمَّا بَلَغَتْ جَهْدَهَا أَمْكَنَتْهُ، فَدَرَأَ عَنْهَا عُمَرُ الْحَدَّ بِالضَّرُورَةِ"( ([7].

وعليه: فإن المرأة كانت مضطرة، وخافت أن تهلك من الجوع إن رفضت ما أعطاها الرجل، وهذا بلا خلاف يدرأ الحد بل الذنب، حتى إن المسلم يجوز له أن ينطق بكلمة الكفر فما دونها أولى عند تحقق الاضطرار.

قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106]

وقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:115]

يقول الشيخ محمد المختار الشنقيطي: "فإذا ثبت أن الشريعة تخفف عن المضطر فالضرورة عند العلماء بالمصطلح الخاص: هي خوف فوات النفس، فإذا خاف الإنسان أنه إذا لم يفعل هذا الشيء فإنه سيموت، فهو مضطر، مثل من جاع ولم يجد طعاماً إلا ميتًا، فإنه إذا بقي على حكم الشرع بالتحريم، فإنه سيموت، وحينئذٍ يرخص له بأكل الميتة اضطرارًا لا اختيارًا؛ لأنه لو لم يأكلها لهلكت نفسه"( ([8].

ثالثًاً: كلمة "مهر" تطلق في لغة العرب على دية الفرج المغصوب، وتطلق على أجرة الزنا.

أما كونها تطلق على دية الفرج المغصوب أو أجرته، فقد قال ابن فارس: "وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ لِدِيَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عُقْرٌ، وَذَلِكَ إِذَا غُصِبَتْ. وَهَذَا مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ، إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ. فَسُمِّيَ الْمَهْرُ عُقْرًا"( ([9].

وقال ابن منظور: "العُقْرُ الْمَهْرُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: عُقْرُ المرأَة ديةُ فَرْجِهَا إِذَا غُصِبَت فَرْجَها"([10]).

وعليه فما أخذته المرأة يسمى مهرًا لغةً.

وأما المعنى الثاني: أن تأخذ المرأة أجرة فرجها بدون اضطرار ولا زواج.

ما ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ"([11]).

وفي كتب الشيعة سمى المعصوم أجرة الزنا مهرًا، ففي (الخصال) للصدوق: "عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر دعا بقوسه فاتكأ على سيتها ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر ما فتح الله له ونصره به ونهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي"( ([12].

وفي (علل الشرائع): "قَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِئَلَّا يُشْبِهَ مَهْرَ الْبَغِيِّ"([13]).

رابعًا: ثبت عن علي بن أبي طالب في كتب الشيعة أنه درأ الحد عن الزاني المكره.

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر عليه‌ السلام قال: "أتي عليٌ عليه ‌السلام بامرأة مع رجل قد فجر بها، فقالت:

استكرهني والله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد، ولو سئل هؤلاء عن ذلك، لقالوا: لا تصدق، وقد فعله أمير المؤمنين عليه‌ السلام"([14]).

ولذلك نص علماء الشيعة على أن المرأة "إذا ادعت الإكراه على الزنا قبلت"([15]).

خامسًا: جاءت الرواية التي هي أصل الشبهة في كتب الشيعة، ولكن الذي حكم بإسقاط الحد هو علي بن أبي طالب وليس عمر.

روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله قال:" جاءت امرأة إلى عمر، فقالت: إني زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير المؤمنين (ع) فقال: كيف زنيت؟ فقالت: مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين (ع): تزويج ورب الكعبة"([16]).

وعلق المجلسي على هذه الرواية، فقال: "ولعل المراد والمعني بهذا الخبر أن الاضطرار يجعل هذا الفعل بحكم التزويج، ويخرجه عن الزنا"(2).

وفي (الوسائل) بسنده: "... قالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة، فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابياً، فسألته الماء فأبى عليّ أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي، فوليت منه هاربة، فاشتد بي العطش، حتى غارت عيناي وذهب لساني، فلما بلغ مني أتيته فسقاني، ووقع عليّ، فقال له عليٌّ عليه السلام: هذه التي قال الله عزّ وجلّ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] هذه غير باغية ولا عادية إليه فخلى سبيلها"([17]).

وعليه فكل تشغيب على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو مقلوب عليهم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاشاه من افتراءاتهم..

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1])  مصنف عبد الرزاق الصنعاني- ج7- ص406.

 ([2])المتعة أو النكاح المنقطع، مرتضى الأردبيلي الموسوي (ص147).

([3]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (7/505).  

([4]) صحيح مسلم (2/914).

(([5]  سنن الدارقطني (/383).

([6]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني )7/406).

([7]) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (7/407).

([8])  شرح زاد المستقنع، محمد المختار الشنقيطي (20/ 352).

([9])  مقاييس اللغة، ابن فارس (4/92).

 ([10]) لسان العرب، ابن منظور (4/595).   

 ([11]) صحيح البخاري (3/84)، صحيح مسلم (3/1198).

([12])  الخصال، الصدوق (1/417).

(([13]  علل الشرائع، الصدوق (2/501).

 ([14]) الكافي، الكليني (7/196). وقال المجلسي في مرآة العقول (23/299): (صحيح).

(([15] القضاء والشهادات، الخوئي (2/357)، منهاج الصالحين، محمد إسحاق الفياض (3/280).

(1( الكافي، الكليني (5/467).

(([17] وسائل الشيعة، الحر العاملي (28 /112).


لتحميل الملف pdf

تعليقات