شبهات وردود

شبهة قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة"

الشبهة الخامسة والخمسون

قول عمر بن الخطاب: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة.

 

محتوى الشبهة:

يقول عبد الحسين شرف الدين: "على أنّ مَن أَلَمّ بتاريخ قريـش وسائر العـرب في صدر الإسلام، يعلم أنّهم لم يخضعوا للنبـوّة الهاشمية إلاّ بعد أن تهشّموا ولم يبق فيهم من قـوّة، فكيف يرضون في اجتماع النبـوّة والخلافة في بني هاشم؟!

وقد قال عمر في كلام دار بينه وبين ابن عبّـاس: إنّ قريشاً كرهت أنْ تجتمع فيكم النبـوّة والخلافة فتجحفون على النـاس"([1]).

وهذه الرواية استدل بها الشيعة على أن الصحابة رضي الله عنهم، لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا كرهًا.

قال الامام الطبري: "حدّثني ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق. عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "... فقلت: وفقت يا أمير المؤمنين، ولم تزل موفقاً، فقال: يا بن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة.."([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: هذا الأثر لا يصح، وفيه علتان:

1- محمد بن حميد الرازي ضعيف:

قال الذهبي: "محمد بن حميد الرازي الحافظ عن يعقوب العمي وجرير، وابن المبارك: ضعيف لا من قبل الحفظ. قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو زرعة: يكذب، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه، ومن ابن الشاذكوني"([3]). وقال الحافظ ابن حجر: "حافظ ضعيف"([4]).

2- محمد بن إسحاق: مدلس، وقد عنعن، قال الحافظ ابن حجر: "محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي صدوق، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما"([5]).

وذكره الحافظ في المرتبة الرابعة في المدلسين، وقد قال عن هذه المرتبة:" الرابعة من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم، إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد"([6]).

ثانيًا: هذا طعن عظيم في إيمان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين زكاهم الله في كتابه، وذكر أنهم المؤمنون حقا.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [سورة الأنفال:74]

وروى المجلسي في (بحار الأنوار): "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ياليتني قد لقيت إخواني، فقال له أبو بكر وعمر: أولسنا إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك؟ قال: قد آمنتم وهاجرتم وياليتني قد لقيت إخواني فأعادا القول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني، ومارأوني، فياليتني قد لقيت إخواني"([7]).

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر خاصة وللصحابة عامة "قد آمنتم وهاجرتم" والله قال { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[سورةالأنفال:74]، ثم يأتي من يعرّض بأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم  ويتهمهم أنهم ما آمنوا إلا كرهًا.

ثالثًاً: الروايات الشيعية قالت أنَّ الذي كره جمع النبوة والخلافة هو الله، ولم يرض بذلك، ثم علي بن أبي طالب.

في (بحار الأنوار): "عن جابر قال: قرأت عند أبي جعفر "ليس لك من الامر شيء"، قال: فقال أبو جعفر: بلى، والله لقد كان له من الامر شيء وشيء، فقلت له: جعلت فداك فما تأويل قوله: "ليس لك من الامر شيء"، قال: "إن رسول الله حرص على أن يكون الامر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب من بعده، فأبى الله "([8]).

فالذي كره أن يجمع النبوة والخلافة عند الشيعة هو الله.

وأيضا جاء في (نهج البلاغة) أن الذي كره الخلافة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

يقول أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر السياسي من الشورى الى ولاية الفقيه)([9]):  "وإذا ألقينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها أقطاب الشيعة الإمامية، كالكليني، والمفيد، والمرتضى، فإننا نرى أنها تكشف عن عدم وصية رسول الله للإمام علي بالخلافة والإمامة  وترك الأمر شورى، وهو ما يفسر إحجام الإمام علي عن المبادرة إلى أخذ البيعة لنفسه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغم من إلحاح العباس بن عبد المطلب عليه بذلك، حيث قال له: "امدد يدك أبايعك، وآتيك بهذا الشيخ من قريش –يعني أبا سفيان– فيُقال: (إنّ عم رسول الله بايع ابن عمه) فلا يختلف عليك من قريش أحد ، والناس تبع لقريش) فرفض الإمام علي ذلك([10]). 

ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "واللَّه مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ ـ ولَا فِي الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ، ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا"([11]).

وقال أيضًا: "دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي، فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً، لَه وُجُوه وأَلْوَانٌ، لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ، ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ، وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ، واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ، وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوه أَمْرَكُمْ، وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً ـ خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً"([12]).

فهذا عليّ رضي الله عنه يرفض الخلافة، التي كلفه الله بها في كتب الشيعة ويأمر الناس بمبايعة غيره!!!

والحمد الله رب العالمين

وصلي اللَّهُم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) فلسفة الميثاق والولاية (1/69)

([2]) تاريخ الطبري (2/ 417 – 418).

([3]) المغني في الضعفاء، الذهبي (2/573).

([4]) تقريب التهذيب، لابن حجر (1/475).

([5]) طبقات المدلسين، لابن حجر (1/51).

([6]) طبقات المدلسين، لابن حجر (1/13).

([7]) بحار الأنوار (٥٢/١٣٢)

([8]) بحار الأنوار (٣٦/١٣٢).

([9]) تطور الفكر السياسي من الشورى الى ولاية الفقيه (ص54).

([10]) الشافي في الإمامة (3/237)، وكذلك (2/149).

([11]) نهج البلاغة (1/322).

([12]) نهج البلاغة (1/136).


لتحميل الملف pdf

تعليقات