شبهات وردود

زعم الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من حرم نكاح المتعة!

الشبهة الثالثة والستون

زعم الشيعة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من حرم نكاح المتعة

 

محتوى الشبهة:

من القضايا التي يثيرها علماء الرافضة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أول من نهى عن نكاح المتعة، يقول التيجاني:" ثم كانت خلافة عمر بن الخطاب نتيجة حتمية لذلك الاجتهاد؛ إذ أن أبا بكر اجتهد برأيه وأسقط الشورى التي كان يستدل بها هو نفسه على صحة خلافته، وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي اُمور المسلمين فأحل ما حرم الله ورسوله، وحرم ما أحل الله ورسوله"، ويقول في الهامش موضحًا كلامه: "كتحريمه متعة الحج ومتعة النساء، صحيح مسلم، كتاب الحج. صحيح البخاري، كتاب الحج، باب التمتع"([1]).

وعمدة أدلتهم على هذا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه حين قَالَ: "مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَانْتَهَيْنَا"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: يجب أن يعلم أن المتعة الذي حرمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريمًا أبديًّا بعد أن رخص فيها، وفي هذا أحاديث عديدة من كتب أهل السنة، منها: حديث سَبُرَة الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»([3]).

وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة، ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر"([4]).

وقد تنازع رواة حديث عليٍّ رضي الله عنه هل قوله (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أو له ولتحريم المتعة؟

فالأول قول ابن عيينة وغيره، قالوا: إنما حرمت عام الفتح. قال سفيان بن عيينة: "قوله (يوم خيبر) يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة". وقال أبو عوانة في صحيحه: "سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث عليٍّ أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها، وإنما نهي عنها يوم الفتح"([5]).

وقيل: أنها حرمت يوم خيبر ثم أبيحت، ثم حرمت مرة أخرى، وعلى العموم فقد ثبت تحريمها بالاتفاق عام الفتح من فم النبيّ صلى الله عليه وسلم، واستقر الأمر على النهي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه غاية ما فيه: أن البعض لم يبلغه النسخ، وهذا ليس بغريب، ولا يفهم من الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقرّهم على هذا، بل الحديث يفهم منه أن هذا الأمر لم يكن منتشرًا، بل كان نادرًا، وإلا لو كان معروفًا منتشرًا لنهى الصحابة الذين سمعوا تحريمه من النبيّ صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر، فلما علم عمر رضي الله عنه بالأمر نهى عنه، أي: أخبر الناس بمنع النبيّ صلى الله عليه وسلم لا أنه اجتهد من عنده وحرمه من ذاته.

قال ابن العربي: "فأما حديث جابر بأنهم فعلوها على عهد أبي بكر فذلك من اشتغال الخلق بالفتنة عن تمهيد الشريعة فلما علا الحق على الباطل وتفرغ المسلمون ونظروا في فروع الدين بعد تمهيد أصوله أنفذوا في تحريم المتعة ما كان مشهوراً لديهم حتى رأى عمر معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث فنهاهما"([6]).

وقال الحافظ ابن حجر:" ومما يستفاد أيضاً أن عمر لم ينه عنها اجتهاداً، وإنما نهى عنها مستنداً إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع التصريح بذلك، فيما أخرجه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: (لما ولي عمر خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثًا، ثم حرمها). وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ([7]).

والصحابة كلهم أقروا عمر رضي الله عنه على كلامه، ولم ينكروا عليه.

ثالثًاً: قول عمر رضي الله عنه: (وأنا أنهى عنهما) فمعناه: أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب، وهو قوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7]، إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه.

رابعًا: يذكر بعض علماء الرافضة أن سبب تحريم ونهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمتعة، هو: أن أخته عفراء مارست المتعة، فنهى عنها بعد ذلك،
قال المجلسي: "فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في الحج وغيره وأيام أبي بكر وأربع سنين في أيام عمر حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلًا يرضع من ثديها، فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد وأزبد.. فأعلموا سائر الناس أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قد رأيت تحريمها"([8]). 

وهذه القصة الموضوعة – قبح الله واضعها- أمارات الكذب عليها ظاهرة، فإنه لم تكن هناك أخت لعمر رضي الله عنه اسمها عفراء أصلاً، يقول محقق (بحار الأنوار) تعليقًا على كلام المجلسي: "لم يكن للخطاب بن نفيل سوى عمر بن الخطاب، وصفية، وأميمة، ... ولم يذكر النسابون في ولد الخطاب بنتًا اسمها عفراء، واحتمال أن تكون هي إحدى البنتين لا يمكن؛ لأنهما كانتا متزوجتين، فأين عفراء التي لم يعلم لها عمر زوج، ولا المسلمون من هاتين الأختين اللتين ذكر المؤرخون والنسابون أنهما كانتا متزوجتين ولهما الأولاد؟"([9]).

وقال في موضع آخر:" لم يعنونها – يعني عفراء- أصحاب الرجال، وانما عنوا صفية بنت الخطاب كانت زوجة قدامة بن مظعون، وأظن القصة مجعولة مختلقة"([10]).

خامسًا: ورد في كتب الرافضة ما يدل على تحريم النبيّ صلى الله عليه وسلم لنكاح المتعة، فقد روى الطوسي بسنده عن علي عليه ‌السلام قال: حرم رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة"([11]).

ثم حاول الطوسي أن يجد مخرجًا للرواية؛ إذ هي مخالفة لما استقر عليه علماؤهم من إباحة المتعة، وعدم نسخها، فقال: "فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقية؛ لأنها موافقة لمذاهب العامة والأخبار الأولى موافقة لظاهر الكتاب وإجماع الفرقة المحقة على موجبها، فيجب أن يكون العمل بها دون هذه الرواية الشاذة"([12]).

وقال أيضا: "فإن هذه الرواية وردت مورد التقية، وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة"([13]).

وحمل الرواية على التقية مع استلزامه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحاشاه. غير مسلّم، فإن مرجع الرافضة السيستاني يقرّر أن أحاديث المتعة لا تقية فيها فقال: "إن الملاحظ في الروايات الصادرة عنهم (ع) عدم التقية في مجال الأصول العقائدية الخاصة بالمذهب، فترى الروايات كثيرة في العصمة وعلم الغيب والمعاجز والفضائل والمطاعن على الآخرين لا تقية ولا خوف أصلاً، وكذلك في الفروع الواقعية محل النزاع الشديد كالمتعة، والمسح على الخفين، والعول، والتعصيب، فإن الأحاديث صدرت فيها بلا تقية أصلا، بل ألفت فيها الكتب، أمثال أعلام الشيخ المفيد، والانتصار للسيد المرتضى، فإذا كانت هذه الموارد الحساسة التي يختص بها المذهب دون غيره من المذاهب لا يتقي فيها الأئمة أحدًا، مع أنها مورد النزاع، فكيف بالموارد الجانبية كبعض الوضوء، وأحكام الشك والسهو، تكون صادرة على نحو التقية مع أنها محل الخلاف حتى بين العامة أنفسهم، فمن لا يتقي في أصول الفكر ومهمات المسائل، كيف يتقي في المسائل الفرعية الجانبية؟"([14]).

وما وراه الكليني في (الكافي) بسنده عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يتزوج المرأة متعة فيحملها من بلد إلى بلد؟ فقال: يجوز النكاح الآخر، ولا يجوز هذا"([15]).

والحديث قال عنه المجلسي: "صحيح، وظاهره أنه سأل السائل عن حكم المتعة؟ وأجاب عليه ‌السلام بعدم جواز أصل المتعة تقية". والجواب عن كلام المجلسي بمثل ما تقدم في الرواية السابقة ([16]).

سادسًا: القول بأن المتعة حرمت فقط بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفنده ويبطله عمل الإمام علي رضي الله عنه الذي أقر على التحريم في مدة خلافته ولم يأمر بالجواز، وعندهم عمل الإمام حجة لا سيما عند بسط اليد ونفوذ الأمر، وخاصة بناء على ما زعموه من أن عليًّا رضي الله عنه اشترط في قبول الخلافة أن يسير بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بسيرة الشيخين، فإذاً إقراراه على التحريم، يعني: أنها كانت محرمة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لكان يعارضها، ويبين حكم الله فيها.

سابعًا: يعتقد الرافضة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من نهى أو حرم المتعة، وجعلوا هذا من أدلة معارضته لأحكام الشريعة، لكن في نفس الوقت يبيحون للمرجع أو الفقيه أن ينهى ويحرم نكاح المتعة إذا رأى مصلحة في ذلك:

فقد سئل المرجع السيستاني: "هل يحق للفقيه تعطيل زواج المتعة أو تحريمه، إذا اقتضت الضرورة ذلك؟ الفتوى: يجوز"([17]).

فكيف جاز للفقيه أو المرجع أن يحرم الحلال وينهى عنه؟ أحلال عليه حرام على غيره مثلا؟

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) ثم اهتديت (167).

([2]) مسند أحمد (22 /365)، وقال عنه شعيب الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم".

([3]) صحيح مسلم (4/134).

([4]) رواه البخاري (5115)، ومسلم (1407).

([5]) فتح الباري لابن حجر (9/73).

([6]) عارضة الأحوذي (3/51).

([7]) فتح الباري (9/77).

([8]) بحار الأنوار (100/ 303-304).

([9]) بحار الأنوار (100/ 303-304) الهامش رقم (1).

([10]) بحار الأنوار (53/28) الهامش رقم (2).

([11]) الاستبصار (3 /142).

([12]) الاستبصار (3 /142).

([13]) تهذيب الأحكام (7 /251).

([14]) اختلاف الحديث من محاضرات سماحة آية الله السيد علي السيستاني، بقلم العلامة السيد هاشم الهاشمي، (ص109).

([15]) الكافي- ط الاسلامية (5 / 467).

([16]) مرآة العقول (20/257).

([17]) المصدر شبكة السراج، رقم الفتوى (203).  

http://www.alseraj.net/ar/fikh/2/?TzjT8odmvl1075094365&181&210&7


لتحميل الملف pdf

تعليقات