الشبهة السادسة والستون
زعم الشيعة: أن جواري عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخدمن كاشفات شعورهن، تضطرب ثديهن.
محتوى الشبهة:
قال علي الكوراني: "وكانت جواري عمر في دار الخلافة متبرجات! روى البيهقي في "سننه" (2/ 227)، عن أنس قال: "كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن"! وقال السرخسي في "المبسوط" (9/12): "حديث أنس رضي الله عنه: كن جواري عمر رضي الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرؤوس مضطربات الثدي"! وقال الألباني في "إرواء الغليل" (6/204): "كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن، تضطرب ثديهن. قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات غير شيخ البيهقي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي، وهو صدوق، كما قال الخطيب (10 /303). وقال البيهقي عقبه: والآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك صحيحة)!! انتهى. وقد أعطى فقهاء السلطة حكم الشرعية لهذا التبرج!
فقال السرخسي: (10/ 1515): (وكان عمر إذا رأي أمة متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألقي عنك الخمار يا دفار، -صفحة 68- وقال عمر: إن الأمة ألقت قرونها من وراء الجدار، أي: لا تتقنع. قال أنس: كن جواري عمر يخدمن الضيفان كاشفات الرؤوس مضطربات البدن!؛ ولأن الأمة تحتاج إلى الخروج لحوائج مولاها، وإنما تخرج في ثياب مهنتها، وحالها مع جميع الرجال في معنى البلوى بالنظر والمس كحال الرجل في ذوات محارمه)! فيظهر أن معاوية أخذ هذا الفقه من عمر"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الرواية الصحيحة عند البيهقي رحمه الله في (سننه): "كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ رضي الله عنه يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثُدِيّهُنَّ"([2]).
وأما رواية "تضطرب ثديهن": فهي عند يحيى بن سلام في تفسيره ([3])، وفي إسنادها نصر بن طريف وهو متهم بالكذب، قال يحيى: "من المعروفين بوضع الحديث"، وقال الفلاس: "وممن أجمع عليه من أهل الكذب أنه لا يروي عنهم قوم، منهم: أبو جزي القصاب نصر بن طريف"([4]).
والفرق أن الرواية التي عند البيهقي فيها وصف للشعر فقط، ومعناه: أن الشعر يضرب الصدر من سرعة الحركة، والدأب في الخدمة، أما الثانية ففيها وصف للصدر نفسه أنه يضطرب، وهذا لا يصح.
ثانيًا: لا شك أن الشرع فرَّق بين الأمة والحرة في أحكام الحجاب، وما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا محذور فيه من ناحية الشريعة لا عند السنة ولا عند الشيعة.
فأما عند أهل السنة فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قَوْلُهُ تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59] الْآيَةَ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِجَابَ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ الْحَرَائِرَ دُونَ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَزْوَاجَهُ وَبَنَاتَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك وَإِمَائِك وَإِمَاءِ أَزْوَاجِك وَبَنَاتِك، ثُمَّ قَالَ: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}، وَالْإِمَاءِ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: { نِسَائِهِنَّ} مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَهُنَّ حَتَّى عَطَفَ عَلَيْهِ فِي آيَتَيْ النُّورِ وَالْأَحْزَابِ". ([5]) .
ومن اعترض على هذا الحكم فهو جاهل بالنكتة في ذلك، فإنه لما كانت الإماء تكثرُ إليهن الحاجة في الاستخدام وأمورِ المهنة، وكنّ مبتذلاتٍ بكثرة الذهاب والمجيء، وكان فرضُ الحجاب عليهن مما يشقُ مشقةً بالغة كان هذا الحكم تخفيفا من الشرع، ثم إن الأمة مملوكة تُباع وتُشتَرى فكيف ستُباع وتُشترى إن كانت متخفية ومحتجبة؟؛ ولذلك فرَّق الشرع بين الأمة التي للتسري والتي للخدمة.
قال ابن القيم: " وأما إماء التسرِّي اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فأين أباح اللَّه ورسوله لهن أن يكشفنَ وجوهَهنَّ في الأسواقِ والطُّرقاتِ ومجامعِ الناس، وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض.
ثالثًاً: من يُشغب بهذا من الشيعة فهو من أجهل الناس بفقه الشيعة، فإن عورة الأمة عند الشيعة ما بين السرة والركبة!
ورد في كتاب (قرب الإسناد)([6]) : "عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ إِلَى عَوْرَتِهَا. وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَة".
بل إنهم أوصلوا تغطية الأمة لشعرها عن الأجانب إلى التحريم تارة، والكراهة تارة أخرى.
قال البحراني: "وظاهر الصدوق في كتاب "العلل" القول بتحريم الستر على الأمة، حيث قال: «باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها». ورجح البحراني كراهة أن تغطي الأمة شعرها. ([7]) .
وأوردوا في ذلك روايات كثيرة، بل حتى في الصلاة لا تغطي الأمة رأسها؛ فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال سألته عن الأمة تقنع رأسها في الصلاة قال اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة".([8]).
رابعًا: قال الشيعة بجواز أن يُحل الرجل جاريته للرجل بدون زواج، ولا شراء، ولا هبه...!
ففي (الكافي) ([9]) -وقال المجلسي في (مرآة العقول): حسن-: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام، قَالَ: «إِذَا أَحَلَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ مِنْ جَارِيَتِهِ قُبْلَةً، لَمْ يَحِلَّ لَهُ غَيْرُهَا؛ فَإِنْ أَحَلَّ لَهُ مِنْهَا دُونَ الْفَرْجِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ غَيْرُهُ؛ وَإِنْ أَحَلَّ لَهُ الْفَرْجَ، حَلَّ لَهُ جَمِيعُهَا.
وفي (الاستبصار) للطوسي([10]) ، -وقال المجلسي الأول في (روضة المتقين)([11]) في القوي كالصحيح-: "قال لي أبو عبد الله عليه: يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها، فإذا خرجت فارددها إلينا".
وهذا الخبر معتبر، كما يقول على الطبطبائي في (رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل)([12]). واحتج به البحراني في (الحدائق الناضرة)([13]) .
قلت: فإذا كان يجوز في دين الإمامية أن يُحل الرجل جاريته للرجل، فإنه لن يرَ شعرها فقط بل سيرى ويفعل كل شيء بدا له.
والحمد الله رب العالمين
([1]) جواهر التاريخ (2/67 – 68).
([2]) السنن الكبرى للبيهقي (2/320، برقم3222).
([3]) تفسير يحيى بن سلام (1/ 441).
([4]) لسان الميزان (6/153).
([5]) مجموع الفتاوى (15/448)
([6]) (قرب الإسناد) ( 1/103)
([7]) الحدائق الناضرة في أحكام العترة، يوسف البحراني (7/18).
([8]) مسند الإمام الصادق، للعطاردي (10/271).
([9]) الكافي (11 /69)
([10]) (الاستبصار) للطوسي (3/136
([11]) روضة المتقين (8/437)
([12]) رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل (11/432).
([13]) (الحدائق الناضرة) (24/316).
لتحميل الملف pdf