شبهات وردود

قول الشيعة: إن تبشير غير المعصوم بالجنة إغراء بالقبيح.. ولا يجوز

الشبهة الرابعة والسبعون

قول الشيعة: إن تبشير غير المعصوم بالجنة إغراء بالقبيح، ولا يجوز

 

محتوى الشبهة:

قال المفيد: " فأما ما ادعوه على النبي صلى الله عليه وآله من قوله: "عشرة من أصحابي في الجنة "، ثم سموا أبا بكر، وعمر، وعثمان ومن تقدم ذكره فيما حكيناه، فإنه ساقط من غير وجه:

أحدها: أن الذي رواه فيما زعموا عن النبي صلى الله عليه وآله سعيد بن زيد ابن نفيل، وهو أحد العشرة بما تضمنه لفظ الحديث على شرحهم إياه، وقد ثبت أن من زكى غيره بتزكية نفسه لم تثبت تزكيته لذلك في شريعة الإسلام، ومن شهد لغيره بشهادة له فيها نصيب لم تقبل شهادته باتفاق.

ومنها: أن سعيدًا واحد، ورواية الواحد لا يقطع بها على الحق عند الله سبحانه.

 ومنها: أن دليل العقل يمنع من القطع بالجنة والأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الأعمال، ومن ليس بمعصوم من الزلل والضلال، لأنه متى قطع له بما ذكرناه، وهو من العصمة خارج بما وصفناه، كان مغرى بمواقعة الذنوب والسيئات، مرحاً في ارتكاب ما تدعوه إليه الطبائع والشهوات، لأنه يكون آمنا من العذاب، مطمئنا إلى ما أخبر به من حسن عاقبته، وقطع له به من الثواب في الجنات، وذلك فاسد لا يجوز على الحكيم سبحانه، ولا يصح منه تدبير العباد "([1]).  وذكر مثل ذلك الطوسي في الاقتصاد ([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: ما قاله المفيد من أن حديث العشرة المبشرين بالجنة رواية آحاد، ولا يُقطع به على الحق. فهو فاسد؛ لأن أهل العلم أجمعوا على أن تفرد الصحابي لا يضر، وكم من حديث آحاد في أعلى درجات الصحة، وأجمع المسلمون على العمل به كحديث "إنما الأعمال بالنيات"([3]). وحديث "كلمتان خفيفتان..."([4]).

فالأول لم يرو إلا عن عمر رضي الله عنه، والثاني لم يرو إلا عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومع ذلك تلقتهما الأمة بالقبول.

يقول الشيخ عبد الكريم الخضير معلقًا على كلام الحافظ: "تفرد الصحابي لا يضر؛ لأن الواحد من الصحابة يعدل أمة"([5]).

وقال ابن القيم: "ولا نعلم أحداً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع ومن تبعهم في ذلك أقوال، لا يعرف لها قائل من الفقهاء........ والعجب أن الرادين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيراً من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتها، لا تعرف عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن يعد"([6]).

قلت: ولو رددنا أحاديث الآحاد لرددنا حديث الكساء الذي لم يصح إلا من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما قرر ذلك كثير من علماء أهل السنة، وآخرهم الشيخ عثمان الخميس في كتابه (الأحاديث الواردة في شأن الحسن والحسين جمع وتخريج ودراسة وحكماً).

ومع ذلك:

 فإن حديث العشرة المبشرين بالجنة روي من طرق أخرى غير طريق سعيد بن زيد:

 فروي عن عبد الرحمن بن عوف، كما في مسند أحمد وغيره([7]).

 وروي عن علي بن أبي طالب وحديثه في مسند البزار([8]).

هذا مما يبين جهل أو كذب علماء الشيعة فيما ينسبونه لأهل السنة.

ثانيًا: قول المفيد أن من زكى غيره بتزكية نفسه لم تثبت تزكيته لنفسه لأنها شهادة للنفس!

فجوابنا عليه: أن هذا جهل بحقيقة المسألة، إذ أن هذا ليس من باب الشهادة، إنما من باب الرواية، والعدل الصادق إذا روى ما يزكي به نفسه لا يجوز لنا رد روايته، فضلا عن أن هذه التزكية ليست منهم إنما الذي زكاهم هو الله في كتابه وشهد لهم بالجنة، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].

ثم زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، وعلى مبنى المفيد والطوسي إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزكي أصحابه فلا يمكن قبول ذلك منه صلى الله عليه وسلم قط؛ لأنه لا محالة الذي سيَنقل ذلك صحابي من الصحابة، وهذا مما يبين فساد ذلك المنهج.

 ثالثًاً: الدليل العقلي الذي ذكره المفيد والطوسي من أن ذلك فيه إغراء بمواقعة الذنوب والسيئات.

فنقول: إن هذا جهل بالواقع وحقيقة البُشرى، فإن التقي إذا بُشر بذلك تاقت نفسه إلى الجنة فازداد تقوى وتواضعًا لدينه، وهذا كان واقع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما بُشروا بذلك لم يتَّكِلوا، بل وهانت عليهم أنفسهم في الله.

رابعاً: الصاعقة أنه قد ورد في كتب الرافضة عشرات الروايات التي فيها شهادة المعصوم لغير المعصوم بالجنة، فهل سيقول الرافضة أن الامام المعصوم يغري بالقبيح، ومواقعة الذنوب والسيئات؟!!

وهذه بعض الأدلة على بشارة الإمام المعصوم عند الإمامية لغير المعصوم بالجنة، ففي (معرفة اختيار الرجال) بسنده عن زرارة قال:" قال أبو عبد الله عليه السلام: يا زرارة إن اسمك في أسامي أهل الجنة بغير ألف، قلت: نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقبت بزرارة "([9]).

فهل زرارة معصوم عند الشيعة؟

وقال الخوئي: "وهناك روايات أخر مادحة فيها الصحاح، ذكرها الكشي في ترجمة (زرارة)، وليث المرادي، ومحمد بن علي النعمان أبي جعفر الأحول مؤمن الطاق، منها صحيحة جميل، قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست"([10]).

فهؤلاء أصحاب أئمتهم قالوا أنّهم مبشرون بالجنة، وليس فيه إغراء بالقبيح! 

واحتج الخوئي برواية فيها تبشير المعصوم لعلباء الأسدي بالجنة وفيها: "... فقال له أبو عبد الله عليه السلام: هاته، فوضع بين يديه، فقال له: قبلنا منك ووهبناه لك وأحللناك منه وضمنا لك على الله الجنة".

 قال الخوئي أقول: الرواية لا بأس بها، وهي كافية في الدلالة على جلالة علباء الأسدي"([11]).

فهنا استدل الخوئي على رواية تبشير علباء الأسدي بالجنة على جلالته. وفي رواية أخرى: "بشَّر المعصوم إبراهيم بن أبي محمود بالجنة"([12]).

وفي (بصائر الدرجات): بشَّر المعصوم أبأ بصير بالجنة([13]).

ووقوع العبد في الذنب لا يلزم منه القطع عليه بالنار، أو الطعن به، بل قد قال الشيعة بأن الكبائر مغفورة حتى بدون توبة.

قال المفيد: "قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48]، فأخبر أنه لا يغفر الشرك مع عدم التوبة منه، وأنه يغفر ما سواه بغير التوبة، ولولا ذلك لم يكن لتفريقه بين الشرك وما دونه في حكم الغفران معنى معقول"([14]).

وقال مثله الطوسي في (تفسير التبيان): "ما رواه الصدوق في الأمالي في الصحيح، عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه عليه السلام قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام، دخلت أم أيمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي ملحفتها شيء، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما معك يا أم أيمن فقالت: إن فلانة أملكوها قد نثروا عليها فأخذت من نثارها، ثمَّ بكت أم أيمن فقالت: يا رسول الله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم أيمن لم تكذبين؟ فإن الله تبارك وتعالى لما زوج فاطمة عليه السلام عليًّا (عليه السلام) أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم (أي: على الملائكة والحور العين الذين حضروا في التزويج من حليها وحللها وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها فأخذوا منها ما لا يعلمون ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فجعلها في منزل عليّ صلوات الله عليهما"([15]).

بل قد قال الشيعة أن أم أيمن "كذبت" وصحح الرواية المجلسي الأول([16]).

ومع ذلك قال المعصوم أنها من أهل الجنة، والرواية معتبرة السند كما قال هادي النجفي: "... قال: أرأيت أم أيمن؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه". الرواية معتبرة الإسناد"([17]).

يبدو أن باءكم تجر وباؤنا لا تجر!

قال الإمام الكرجي القصاب: "مَنْ لَمْ يُنْصِفْ خُصُوْمَهُ فِي الاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُهُ، وَأَظْلَمَ بُرْهَانُهُ"([18]).

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) الإفصاح، الشيخ المفيد (71 – 72).

([2])الاقتصاد (230 – 231).

([3])صحيح البخاري (1/6).

([4]) صحيح البخاري ح (6406)، ح (6682).

([5]) عبد الكريم الخضير، شرح اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (ص 73) ط ابن الجوزي.

([6]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/295-296).

([7]) مسند أحمد (3/209).

([8]) مسند البزار (البحر الزخار) (2/181).

([9]) اختيار معرفة الرجال، الطوسي (1/345).

([10]) معجم رجال الحديث، الخوئي (4/197).

([11]) معجم رجال الحديث، الخوئي (12 /198 – 199).

([12]) اختيار معرفة الرجال، الطوسي (2/838).

([13]) بصائر الدرجات، الصفار (289).

([14])  المسائل السرورية (ص101).

([15]) تفسير التبيان (3/218)

([16]) روضة المتقين – محمد تقي المجلسي (5/368).

([17]) موسوعة أحاديث أهل البيت، هادي النجفي (3/494).

([18]) نكت القرآن (2/113).


لتحميل الملف pdf

تعليقات