شبهات وردود

قول الشيعة: كان الشيطان يفرّ من عمر بن الخطاب بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم!

الشبهة الخامسة والسبعون

كان الشيطان يفرّ من عمر بن الخطاب بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

محتوى الشبهة:

مما يشنع به الرافضة على أهل السنة، أنهم رووا في كتبهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تفر منه الشياطين، في حين لم يكن هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال صلاح الدين الحسيني: "نكتشف أن أمور التطاول على شخصه الكريم قد وصلت إلى أنْ جعلوا الشيطان يرتع في بيته، بينما يفرّ من عمر ومن كلّ فج يسلكه عمر، وكذلك جعلوا من مزمار الشيطان في بيته، وهو مقرٌ بذلك ويضحك ويبتسم"([1]).

وجعلوا لازم هذا أننا نقول بأفضلية عمر رضي الله عنه على الأنبياء جميعًا بما فيهم رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نجيز في حقهم وسوسة الشيطان.

قال عماد الدين الطبري: "والعجب من القوم أنّهم يجيزون وسوسة الشيطان على الأنبياء والمرسلين مع أنّهم لم يعبدوا صنمًا قط، وهذا عمر قضى أكثر عمره في عبادة الأصنام وكان مشركًا باللّه، صار الشيطان يفرّ منه"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الحديث المذكور في فضل عمر رضي الله عنه صحيح متفق عليه، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"([3]).  

وهذا لا يستلزم أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهناك توجيهان لأهل العلم في هذه المسألة:

1- أن حال النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلى وأجل من حال عمر رضي الله عنه؛ لأن الله تعالى أمكن نبيه الأمين من شيطانه، وأقدره عليه، فأسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم من شره وأذاه.

قال ابن القيم: "ولهذا كان حالُ النبي صلى الله عليه سلم في قهره قرينه، حتى انقاد وأَسلم له، فلم يكن يأْمره إلا بخير: أكملَ من حال عمر؛ حيث كان الشيطان إذا رآه يفر منه، وكان إذا سلك فجاً سلك غير فجه.

وبهذا خرج الجواب عن السؤال المشهور، وهو: كيف لا يقف الشيطان لعمر، بل يفر منه، ومع هذا قد تفلَّت على النبي صلى الله عليه سلم، وتعرض له وهو في الصلاة، وأَراد أن يقطع عليه الصلاة؟ ومعلوم أن حال الرسول أكمل وأقوى؟

والجواب: ما ذكرناه؛ أَن شيطان عمر كان يفر منه، فلا يقدر أحدهما على قهر صاحبه، وأَما الشيطان الذي تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم: فقد أخذه وأسره، وجعله في قبضته كالأَسير.

وأَين من يهرب منه عدوه، فلا يظفر به، إلى من يظفر بعدوه، فيجعله في أَسره وتحت يده وقبضته ؟!"([4]).

2- توجيه آخر ذكره الكلاباذي في كتابه "بحر الفوائد"، فقال: "ويجوز أن يكون الشيطان كان يخاف عمر، ولا يخاف النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو خاف النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل خوفه منه وهيبته إياه من أحد وجهين:

إما خوف إجلال وتعظيم، وهو فضيلة، والشيطان أبعد شيء من الفضائل، أو يكون خوفَ عقوبة يحلها به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاجل بالعقوبة استخفافًا به، وقلة مبالاة، إذ لم يكن صلى الله عليه وسلم يخاف فتنته، ولا يهاب وسوسته، وقد أيس الشيطان من ذلك، فلا يوسوس إليه، ولا يقرب منه، وأمن عقوبته، فلم يهبه اغتراراً به، وأمنًا من مكر الله، وهما من صفاته، أعني الاغترار بالله، وأمن مكره.

وأما عمر رضي الله عنه فإنه كان يخاف الشيطانَ أن يفتنه، ويوسوس إليه، فكان يناصبه، ويستعد له، ويُنصر عليه، فكان الشيطان يخافه لاستعداده له، ومناصبته إياه، فكان يترك فجه، وسبيله حذراً منه.

وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يبالي به، ولا يتفكر فيه، استخفافًا به، واستصغاراً له، كأنه ليس بشيء...

ألا ترى إلى ما روي في الحديث: «إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ([5])» ، هذا فيمن لم يقصد، فكيف بمن يقصد له، ذاكراً لله، مستعيذاً به منه.

غير أن الأنبياء صلوات الله عليه، والأكابر ممن دونهم لا يبالونه، ولا يتفكرون فيه، فهو يأمنهم اغتراراً بالله، فيدنو منهم يروم منهم ما يروم من غيرهم فلا يضرهم، يضر نفسه، كمثل الفراش يأمن النار فيدنو منها فيحرق نفسه"([6]).

ثانيًا: الرافضة يستنكرون هذا الحديث ويرون أن لازمه إثبات العصمة للفاروق عمر رضي الله عنه ، وهذا الاستنكار قد يكون نابعًا مما ورد في كتبهم أن أبليس كان يحب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

روى الصدوق بسنده عن سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ:" مَرَّ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ بِنَفَرٍ يَتَنَاوَلُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع)، فَوَقَفَ أَمَامَهُمْ، فَقَالَ الْقَوْمُ: مَنِ الَّذِي وَقَفَ أَمَامَنَا؟ فَقَالَ: أَنَا أَبُو مُرَّةَ. فَقَالُوا: أَبَا مُرَّةَ أَمَا تَسْمَعُ كَلَامَنَا. فَقَالَ: سَوْأَةً لَكُمْ تَسُبُّونَ مَوْلَاكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالُوا لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ مَوْلَانَا؟ قَالَ مِنْ قَوْلِ نَبِيِّكُمْ (ص) "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ" فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْتَ مِنْ مَوَالِيهِ وَشِيعَتِهِ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا مِنْ مَوَالِيهِ وَلَا مِنْ شِيعَتِهِ، ولَكِنِّي أُحِبُّهُ وَمَا يُبْغِضُهُ أَحَدٌ إِلَّا شَارَكْتُهُ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ. فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا مُرَّةَ فَتَقُولُ فِي عَلِيٍّ شَيْئاً؟ فَقَالَ لَهُمْ: اسْمَعُوا مِنِّي مَعَاشِرَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ، عَبَدْتُ اللَّهَ فِي الْجَانِّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَلَمَّا أَهْلَكَ الْجَانَّ شَكَوْتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْوَحْدَةَ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَعَبَدْتُ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ أُخْرَى، فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ؛ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ نُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى وَ نُقَدِّسُهُ؛ إِذْ مَرَّ بِنَا نُورٌ شَعْشَعَانِيٌّ فَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِذَلِكَ النُّورِ سُجَّداً، فَقَالُوا: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، هَذَا نُورُ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، فَإِذَا بِالنِّدَاءِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى: مَا هَذَا نُورُ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ هَذَا نُورُ طِينَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ"([7]).

ورى أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب، قال: "كنت جالساً عند الكعبة، وإذا شيخ محدودب قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر، وفي يده عكازة، وعلى رأسه برنس أحمر، وعليه مدرعة من الشعر، فدنا إلى النبي (ص) وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقال: يا رسول الله ادع لي بالمغفرة، فقال النبي (ص): خاب سعيك يا شيخ وضل عملك، فلما تولى الشيخ قال، يا أبا الحسن أتعرفه؟ قلت اللهم لا قال: ذلك اللعين إبليس، قال علي: فعدوت خلفه حتى لحقته وصرعته إلى الأرض وجلست على صدره ووضعت يدي في حلقه لأخنقه، فقال لي: لا تفعل يا أبا الحسن، فإني (من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)، ووالله يا علي، إني لأحبك جدًا، وما أبغضك أحد إلا شركت أباه في أمه فصار ولد الزنا، فضحكت، وخليت سبيله"([8]).

فهنا إبليس الرجيم يعترف بأنه يحب الإمام حبًّا كبيرًا.

ويقول البحراني نقلا عن البرسي: "ورد في كتب الشيعة عن أمير المؤمنين أنّ إبليس -لعنه اللّه- مرّ به يوما، فقال له أمير المؤمنين: يا أبا الحارث ما ادّخرت اليوم ليوم معادك؟ فقال: حبّك، فإذا كان يوم القيامة أخرجت ما ادّخرت من أسمائك التي يعجز عن وصفها كلّ واصف، وكلّ اسم مخفيّ عن الناس ظاهره عندي قد رمزه اللّه في كتابه لا يعرفه إلّا اللّه والراسخون في العلم، فإذا أحبّ اللّه عبدًا كشف عن بصيرته وعلّمه إيّاه، فكان ذلك العبد بذلك السرّ عين الأمّة حقيقة، وذلك الاسم هو الذي قامت به السماوات والأرض المتصرّف في الأشياء كيف يشاء"([9]).

وروى المجلسي في (بحار الأنوار) رواية طويلة عن ابن عباس رضي الله عنه جاء فيها أنه: "اجتمع النبي وعلي وجعفر عند فاطمة وهي في صلاتها، فلما سلمت أبصرت عن يمينها رطبًا على طب، وعلى يسارها سبعة أرغفة وسبع طيور مشويات، وجام من لبن، وطاس من عسل، وكأس من شراب الجنة، وكوز من ماء معين، فسجدت وحمدت وصلت على أبيها، وقدمت الرطب، فلما فرغوا من أكله قدمت المائدة، فإذا بسائل ينادي من وراء الباب: أهل بيت الكرم هل لكم في إطعام المساكين؟ فمدت فاطمة يدها إلى رغيف ووضعت عليه طيرًا، وحملت بالجام، وأرادت أن تدفع إلى السائل، فتبسم رسول الله في وجهها، وقال: إنها محرمة على هذا السائل، ثم نبأها بأنه إبليس لعنه الله، وأنه لو واسيناه لصار من أهل الجنة، فلما فرغوا من الطعام خرج عليّ من الدار وواجه إبليس وبكته ووبخه، وقال له: الحكم بيني وبينك السيف، ألا تعلم بفناء من نزلت يا لعين؟ شوشت ضيافة نور الله في أرضه في كلام له ـ فقال النبي: كل أمره إلى ديان يوم الدين، فقال إبليس: يا رسول الله، اشتقت إلى رؤية علي فجئت آخذ منه الحظ الأوفر، وأيم الله إني من أودائه، وإني لأواليه"([10]).

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) نهج المستنير وعصمة المستجير، صلاح الدين الحسيني (ص 147).

([2]) تعريب كامل البهائي، عماد الدين الطبري (1/ 200).

([3]) صحيح البخاري (4/126)، صحيح مسلم (4/1863).

([4]) طريق الهجرتين وباب السعادتين، ابن القيم (ص228).

([5])  (حصاص) أي ضراط وقيل الحصاص شدة العدو.

([6]) بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار، الكلاباذي (ص 213).

([7]) علل الشرائع، الصدوق (1/143-144(.

([8]) عيون أخبار الرضا، الصدوق (1/77.(

([9]) مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، هاشم البحراني (1/127).

([10]) بحار الأنوار، المجلسي (37/102).


لتحميل الملف pdf

تعليقات