أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم الغلو في تلقيب عائشة بسيدة نساء العالمين

قالت الشيعة: «أما السيوطي فيصل به الغلو مبلغَ أن يطلق على عائشة لقب (سيدة نساء العالمين) حينما يذكر هذه الفضيلة المزعومة لها ضمن تعرضه لقصة الإفك.. فيقول: (وَالْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِين) يريد: أمثال عبد الله بن أبي، ومن شك في الله، ويقذف مثل سيدة نساء العالمين! (وَالطِّيبَاتُ للطَّيبِين) عائشة طيبها الله لرسوله، أتى بها جبرائيل في سَرَقَةٍ من حرير قبل أن تتصور في رحم أمها فقال له: عائشة بنت أبي بكر زوجتك في الدنيا وزوجتك في الآخرة عوضًا من خديجة.

هكذا هي اللغة البكرية دائمًا، تجنح نحو عائشة وتنحاز إليها انحيازًا مفرطًا ضد الجميع، حتى وإن كان من بين هذا الجميع رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته الزهراء وزوجاته الأخريات... ثم يأتي السيوطي ويسلب لقبًا خاصًّا بالسيدة الزهراء -صلوات الله عليها- فيمنحه لعائشة قائلًا: سيدة نساء العالمين»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: قاعدة في أحاديث الفضائل.

جاء في البخاري أن النبي ق قال لفاطمة: «أَمَا تَرْضَيْن أَن تَكُوني سَيِّدَةَ نسَاءِ أَهْلِ الجَنةِ، أَوْ نسَاءِ الْمُؤْمِنين؟»([2]).

وهذا كسائر أحاديث الفضائل، لا تفهم على إطلاقها، فليس معنى أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أن تكون سيدةً على أمها خديجة، وكذلك في حديث الحسن والحسين سَيِّدَيْ شباب أهل الجنة، فُهِمَ بإجماع الكل أنه يستثنى من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب بإجماع السنة والشيعة، وبإجماع أهل السنة يستثنى الأنبياء، ومن ثبت أنه أفضل منهما، كأبي بكر، وعمر، وعثمان.

وعليه؛ فالحديث لا بد أن يتقيد بقرائن لفهمه فهمًا منضبطًا، وقد أقر علماء الشيعة أن سيدة نساء العالمين هي مريم ابنة عمران.

ثانيًا: إذا كانت فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين، فلا يمنع من دخول غيرها معها.

قال الطباطبائي وهو يتكلم عن مريم ابنة عمران: «وأما ما اشتملت عليه الآيات في قصتها من التطهير والتصديق بكلمات الله وكتبه، والقنوت وكونها محدثة فهي أمور لا تختص بها، بل يوجد في غيرها، وأما ما قيل: إنها مصطفاة على نساء عالمي عصرها، فإطلاق الآية يدفعه»([3]).

فجواز شمول غيره مريم ابنة عمران لهذا اللقب مع نطق الكتاب الحكيم به لها وتعيينها به، دل على جواز شمول غير فاطمة لهذا اللقب أيضًا، ولا غضاضة في ذلك، فما قيل في مريم يُقال في فاطمة -رضوان الله عليها-.

والصحيح عندنا: أن سيدة نساء العالمين هي مريم ابنة عمران.

قال القرطبي في فضل ابنة عمران: «يَعْني عَالَمِي زَمَانهَا، عَن الْحَسَن وَابْن جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: [عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ] {آل عمران:42} أَجْمَعَ إِلَى يَوْمِ الصُّورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ»([4]).

ثالثًا: تفضيل فاطمة  على نساء المؤمنين بعد زوجاته 

قال ابن حزم: «وأما فضلهن -أي أمهات المؤمنين- على بنات النبي  فبيَّن بنص القرآن لا شك فيه، قال الله: [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ] {الأحزاب:32} فهذا بيان قاطعٌ لا يسع أحدًا جهله، فإن عارضنا معارض بقول رسول الله: «خير نسائها فاطمة بنت محمد» قلنا له وبِاللهِ تعالى التوفيق:

في هذا الحديث بيانٌ جليٌّ لما قلنا، وهو أنه لم يقل: خير النساء فاطمة، وإنما قال: «خير نسائها» فخص ولم يُعمم، وتفضيل الله لنساءِ النبي ق على النساء عام لا يجوز أن يستثني منه أحدًا من استثناء نص آخر، فصح أنه عليه السلام إِنما فضّل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه ، فاتفقت الآية مع الحديث، وقال رسول الله: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»، فهذا أيضًا عموم موافق للآيةِ، ووجب أن يُسْتَثْنى ما خصه النبي بقوله: «نسائها» من هذا العموم، فصح أن نساءَه ما خصه النبي  بقوله: «نسائها» من هذا العموم، فصح أن نساءهُ أفضل النساء جملة، حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالنبوة، كأم إسحاق وأم موسى وأم عيسى عليهن السلام، وقد نص الله تعالى على هذا بقوله الصادق: [يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ] {آل عمران:42} ولا خلاف بين المسلمين في أن جميع الأنبياء كل نبي منهم أفضل ممن ليس نبيًّا من سائر الناس، ومن خالف هذا فقد كفر، وكذلك أخبر فاطمةَ أنها سيدةُ نساء المؤمنين، ولم يدخل نفسه  في هذه الجملة، بل أخبر عمن سواه.

وبرهان آخر: وهو قول الله تعالى مخاطبًا لهن: [ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ]{الأحزاب:31}»([5]).

فهذا ابن حزم -وإن كنا لا نوافقه على ذكر بعض النساء في الأنبياء- قد بيَّن الفهم الصحيح للرواية التي احتج بها الخبيث، وأنه ليس فيها عمومٌ لجميع النساء.

رابعًا: أحب الناس إلى النبي  زوجته عائشة

ثبت عند أهل السنة أن محبة النبي لأم المؤمنين عائشة كانت أكبر وأكثر من غيرها، ففي الصحيحين أن عمرو بن العاص سأل النبي عن أحب الناس إليه فقَالَ: «عَائِشَةُ» قَالَ: مِن الرِّجَالِ؟ فقَالَ: «أَبُوهَا»([6]).

قال ابن حزم: «فَإِذا كَانت عَائِشَةُ أتمَّ حظًّا فِي الْمحبَّة الَّتِي هِيَ أتم فَضِيلَة؛ فَهِيَ أفضل مِمَّن حَظه فِي ذَلِك أقل من حظها؛ ولذَلِك لما قيل لَهُ: مِن الرِّجَال؟ قَالَ: «أَبوهَا» ثمَّ «عُمَر»، فَكَان ذَلِك مُوجبًا لفضل أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة ، فَالْحكم بِالْبَاطِلِ لَا يجوز فِي أَن يكون يُقدَّم أَبُو بكر ثمَّ عمر فِي الْفضل من أجل تقدمها فِي الْمحبَّة عَلَيْهِمَا، ومَا نعلم نصًّا فِي وجوب القَوْل بِتَقْدِيم أبي بكر ثمَّ عمر على سَائِر الصَّحَابَة إِلَّا هَذَا الْخَبَر وحده.

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد): وقد نص النبِي على مَا يُنكح لَهُ من النسَاء فَذكر الْحسب والْمَال والْجمال والدّين، ونهى عَن كل ذَلِك بقوله: «فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَدَاكَ»، فَمن الْمحَالِ الْمُمْتَنع أَن يكون يحض على نكَاح النسَاء واختيارهن للدّين فَقَط، ثمَّ يكون هُوَ يُخَالف ذَلِك فيحب عَائِشَة لغير الدّين، وكَذَلِكَ قَوْله: «فَضْلُ عَائِشَةَ على النسَاء كفضْلِ الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام» لَا يحل لِمُسلم أَن يظن فِي ذَلِك شَيْئًا غير الْفضل عِند الله
–تَعَالَى- فِي الدّين، فوصفُ الرجلِ امْرَأَته للرِّجَال لَا يرضى بِهِ إِلَّا خسيسٌ نذلٌ سَاقِطٌ، ولَا يحل لمن لَهُ أدنى مسكَةٍ من عقل أَن يمر هَذَا فِي باله عَن فَاضل من الناس، فَكيف عَن الْمُقَدّس المطهر الْبَائِن فَضله على جَمِيع الناس ؟!»([7]).

خامسًا: محبة النبي لأم المؤمنين توجب لها الديانة والأمانة.

محبة النبي لأم المؤمنين عائشة توجب الاعتقاد بأنها كانت أفضل النساء دينًا وتقوى، قال الندوي في سيرة عائشة: «ويظن عامة الناس أن حبَّ النبي لعائشة كان لحُسنها وجمالها، وهذا مرفوض إطلاقًا؛ لأن غيرها من الأزواج المطهرات أمثال: زينب وجويرية وصفية أيضًا كن ذواتِ حُسْن وجمال، وكُتب الأحاديث والآثار والسير والتاريخ غنية بذكر محاسنهن وجمالهن، لكن لا يوجد فيها شيء عن حسن عائشةَ وجمالها، إلا ما ذكر في موضع أو موضعين، ويستثنى من ذلك ما قاله عمر  لحفصة: «لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحبُّ رسول الله إياها»، فلما سمع النبي ذلك تبَسَّم، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن عائشة رضي الله عمها قد احتلت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم منزلة في المحبة لم يصل إليها غيرها من أمهات المؤمنين، غير أن الأصل في هذا الباب هو ما روته عائشة نفسها، ورواه أبو هريرة كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود، أن الرسول قال: «تُنكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وبالتالي: فأحب نساء النبي هي من تكون أنفع لخدمة الدين ونشر الإسلام من غيرها.

والشيء الذي يميز أم المؤمنين عائشة عن غيرها من أمهات المؤمنين هو بلوغ علمها ذروة الإحاطة والنضج في كل ما اتصل بالدين من قرآن وتفسير وحديث وفقه، والنضج في الاجتهاد، والنظر في دقائق المسائل، واستنباط الأحكام للوقائع الجديدة، والاضطلاع فيه، فكان من الطبيعي أن تكون هي أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرها»([8]).

قلت: أفَتَكُون امرأةٌ بتلك الصفات، ثم لا تكون سيدةً من سيدات نساء العالمين؟! فثبت بهذا كله أن أم المؤمنين عائشة سيدةٌ على نساء العالمين بنص كلام النبي ، وليس في كلام السيوطي أي غلو.

 

اقرأ أيضا| الرد على زعم الشيعة بأن هناكَ من هن خير من عائشة 

([1]) الفاحشة، ياسر الحبيب (222/223).

([2]) صحيح البخاري (4/203).

([3]) الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (3/189).

([4]) تفسير القرطبي (4/82).

([5]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/97).

([6]) صحيح البخاري (5/166)، صحيح مسلم (4/1856).

([7]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/99- 100).

([8]) سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين، سليمان الندوي (79/80).


لتحميل الملف pdf

تعليقات