أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

الرد على شبهة الشيعة بقولهم: قتل عائشة جِنًّا مُسلمًا

من الشبهات التي ذكرها بعض الشيعة، أن عائشة رضي الله عنهت قتلت جِنًّا مسلمًا، مستندين إلى ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عَن عَائِشَةَ بِنتِ طَلْحَةَ، عَن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنين: «أَنهَا قَتَلَتْ جَانًّا، فَأُتِيَتْ فِيمَا يَرَى النائِمُ فَقِيلَ لَهَا: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتِ مُسْلِمًا، قَالَتْ: فَلِمَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النبِيِّ ؟ فَقِيلَ لَهَا: مَا تَدْخُلُ عَلَيْكِ إِلَّا وَعَلَيْكِ ثِيَابُكِ، فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً وَأَمَرَتْ بِاثْنيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي سَبِيلِ اللهِ»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الجهالة أعيت من يداويها

مِنْ جهْل المعترض ظنه أن الرواية فيها قتل جني مسلم! إذ من معاني الجانّ أنه نوع من الحيات الصغيرة.

قال الزبيدي: «الجَان: الصغِيرُ مِن الحَيَّاتِ»([2]).

وقال أيضًا: «الجان: الحيَّاتُ الدِّقاق»([3]).

وقال أيضًا: «وَفِي الْمُحْكَم: الجان ضَرْبٌ مِن الحيَّاتِ (أَكْحَلُ العَيْن) يَضْرِب إِلَى الصُّفْرةِ (لَا تُؤْذِي)»([4]).

وقال ابن قتيبة: «الْجَان: الحَيَّة التي ليست بعظيمة»([5]).

ثانيًا: الجان في كتب الشيعة هي الحيات

جاء في بحار الأنوار نقلًا عن المرتضى: «الثعبان هي الحية العظيمة الخلقة، والجان: الصغير من الحيات»([6]).

وقال الكاشاني: «الجان حية مكحولة العين لا تؤذي، كذا في القاموس، وفي الصحاح: أنها حية بيضاء والعوامر الحيات التي تكون في البيوت، وأحدها عامر، وعامرة، سميت عوامر لطول أعمارها»([7]).

ثالثًا: الشرع أجاز قتل الحيات.

صح عن النبي  في كتبنا أنه أمر بقتل الحيات، فعَنِ ابْن عُمَرَ ب، أَنهُ سَمِعَ النبِيَّ  يَخْطُبُ عَلَى المِنبَرِ يَقُولُ: «اقْتُلُوا الحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْن وَالأَبْتَرَ، فَإِنهُمَا يَطْمِسَان البَصَرَ، وَيَسْتَسْقِطَان الحَبَلَ»([8]).

حتى إنه أمر محرِمًا بقتلها في الحرم؛ فعَن الْأَسْوَدِ، عَن عَبْدِ اللهِ، أَن رَسُولَ اللهِ : «أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنى»([9]).

وثبت أنها من الفواسق؛ فعَن عَائِشَةَ ل، عَن النبِيِّ ق قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْن فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ»([10]).

فثبت من هذا كله أن من قتل الحية فهو مأجور على فعله غير مأزور، وهذا حال أم المؤمنين عائشة ل في قتلها للحية، وبيانه في الوجه الرابع.

رابعًا: الأمر بقتل عوامر البيوت بعد التحريج عليهن ثلاثًا

أخرج مسلم في «صحيحه» أن رَسُولَ اللهِ  قال: «إِن لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِن ذَهَبَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ؛ فَإِنهُ كَافِرٌ»([11]).

وعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِن بِالْمَدِينةِ نفَرًا مِن الْجِن قَدْ أَسْلَمُوا، فَمَن رَأَى شَيْئًا مِن هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا، فَإِن بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ، فَإِنهُ شَيْطَان»([12]).

وقال الشيخ الشنقيطي في «أضواء البيان»: «التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَن مَا لَمْ يَكُن مِن الْحَيَّاتِ فِي الْبُيُوتِ؛ فَإِنهُ يُقْتَلُ كَالْحَيَّاتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْفَيَافِي، وَأَن حَيَّاتِ الْبُيُوتِ لَا تُقْتَلُ إِلَّا بَعْدَ الْإِنذَارِ.

وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْن عِندِي عُمُومُ الْإِنذَارِ فِي الْمَدِينةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنهُ لَا بُدَّ مِن الْإِنذَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا تَكْفِي ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْن، كَمَا تَقَدَّمَتْ أَدِلَّةُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ. وَأَن الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْن يُقْتَلَان فِي الْبُيُوتِ بِلَا إِنذَارٍ. لِمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنهُ قَدْ نهِيَ عَنهُن (يُرِيدُ عَوَامِرَ الْبُيُوتِ) وَأُمِرَ بِقَتْلِ الْأَبْتَرِ وَذِي الطُّفْيَتَيْن. وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَن أَبِي لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلُوا الْجِنان إِلَّا كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْن، فَإِنهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ، وَيُذْهِبُ الْبَصَرَ فَاقْتُلُوهُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَإِنذَارِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْن، وَغَيْرِهِمَا»([13]).

خامسًا: الأمر بقتل الحيات في كتب الشيعة

وقد جاء عند الشيعة ما يدل على جواز قتل ذلك الجان، حتى عوامر البيوت.

فأما قتل الحيات، ففي من لا يحضره الفقيه قال: «وسأل الحلبيُّ أبا عبد الله  عن قتل الحيات، فقال: اقتل كل شيء تجده في البرية إلا الجان، ونهى عن قتل عوامر البيوت.

وقال: لا تدعوهن مخافة تبعاتهن، فإن اليهود على عهد رسول الله


صلى الله عليه وآله قالت: من قتل عامر بيت أصابه كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تركهن مخافة تبعاتهن فليس مني، وإنما تتركها لأنها لا تريدك، وقال: ربما قتلتهن في بيوتهن»([14]).

قال المجلسيُّ الأبُ معلقًا على هذه الرواية: «أي ليس قتلها بحرام، ولا موجبًا لتبعة كما قالت اليهود، فيجوز قتلها لاحتمال الضرر، وتركها لعدم الضرر غالبًا»([15]).

وفي بحار الأنوار قال المجلسي الابن: «عن سليمان الجعفري عن الرضا ، أن عصفورًا وقع بين يديه وجعل يصيح ويضطرب، فقال: أتدري ما يقول؟ فقلت: لا. قال: قال لي: إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت، فقم وخذ تلك النسعة، وادخل البيت واقتل الحية، فقمت وأخذت النسعة، ودخلت البيت، وإذا حية تجول في البيت فقتلتها»([16]).

أما قتل الحيات التي في البيت، فقد جاء في سفينة البحار: «أمر رسول الله بقتل الحيّة التي كانت في ناحية البيت»([17]).

سادسًا: موافقة فعل عائشة  لأمر المشرع.

صح عن أم المؤمنين عائشة ل أنها حرَّجت على ذاك الجان، فقد روى الإمام الذهبي بسند رجاله ثقات، عَن عَبْدِ اللهِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَن عَائِشَةَ بِنتِ طَلْحَةَ قَالَتْ: «كَان جَان يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ فحرجت عليه مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ، فَأَبَى إلَّا أَن يَظْهَرَ فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيدَةٍ فَقَتَلَتْهُ»([18]).

فهنا ثبت أن أم المؤمنين أعذرته فلم يغادر، وقد ثبت أمر النبي  بقتل ذلك بعد ثلاث، وقد امتثلت أم المؤمنين أمرَ رسول الله ، ومن فعل ذلك فهو ممدوح غير مذموم، مأجور غير مأزور.

ومن خلال روايات الشيعة وتعقيب المجلسي على رواية الفقيه نقول:

وحتى لو لم تُحَرِّج أم المؤمنين عائشة  على ذلك الجان ثلاثًا؛ فلا إثم عليها في قتلها هذا الجان، فكيف وهي قد حرَّجت؟!

أما الرؤيا فلا يؤخذ منها أحكام، ومع ذلك فقد احتاطت أم المؤمنين وتصدقت بصدقة كبيرة، ولم يكن هذا واجبًا عليها، كما قال ابن حزم: «لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنهَا قَصَدَتْ بِذَلِكَ قَصْدَ دِيَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهَا، فَزِيَادَةُ ذَلِكَ عَلَيْهَا كَذِبٌ لَا يَحِلُّ، وَإِنمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَتْ بِهَا»([19]).

ولو فرضنا جدلًا أن هذا جِن مسلم، فهو مستحق للقتل؛ لكونه ظهر في صورةٍ أمر النبي  بقتله فيها إذا حرجت عليه ثلاثًا ولم يخرج، فيكون الخطأ عنده هو، لا عند مَن امتثل أمر رسول الله .

اقرأ أيضا|  القرآن الكريم لا يحتوي على أي دليل يثبت عقائد الشيعة.. بث مباشر جديد لـ رامي عيسى (شاهد)

([1]) مصنف ابن أبي شيبة (6/182).

([2]) تاج العروس (2/88).

([3]) تاج العروس (34/371).

([4]) تاج العروس (7/343).

([5]) غريب القرآن، ابن قتيبة، ت أحمد صقر (ص322).

([6]) بحار الأنوار، المجلسي (13/43).

([7]) الوافي: الفيض الكاشاني (19/261).

([8]) صحيح البخاري (4/127).

([9]) صحيح مسلم (4/1755).

([10]) صحيح البخاري (4/129).

([11]) صحيح مسلم (4/1756).

([12]) صحيح مسلم (4/1757).

([13]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي (4/123).

([14]) من لا يحضره الفقيه، الصدوق (3/351).

([15]) روضة المتقين، محمد تقي المجلسي (7/505).

([16]) بحار الأنوار، المجلسي (64/260).

([17]) سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، عباس القمي (2/515).

([18]) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ط الحديث (3/464).

([19]) المحلى بالآثار، ابن حزم (10/291).


لتحميل الملف pdf

تعليقات