ذكرت الشيعة أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لسن معصومات من الكفر والردة، بدليل أن قتيلة بنت قيس تزوجها النبي ثم ارتدت، كما في رواية ابن سعد([1]): «.. عن ابن عباس قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي خرج والغضب يُعرف في وجهه، فقال له الأشعث بن قيس: لا يسوؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟ قال: من؟ قال: أختي قتيلة. قال: قد تزوجتها. قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها، حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي فردها إلى بلاده»([2]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: فساد الدليل
الصحيح أن النبي لم يتزوج قتيلة بنت قيس، ولا أخذت أحكام الزوجات، وبيانها كالتالي:
رواية ابن سعد: من طريق الكلبي وأبيه وأبي صالح، وكلهم متروكون، قال الذهبي في الكلبي: «قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه، وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي، ليس بثقة»([3]).
وأبوه مثله متروك؛ قال البخاري: «محمد بن السائب أبو النضر الكلبي، تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي، وقال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك فهو كذب، وروى محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، وهو الكلبي»([4]).
وقال ابن حبان: «... عن سفيان قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك فهو كذب، قال أبو حاتم: الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئًا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح، إلا الحرف بعد الحرف، فجعل لما احتيج إليه تخرج له الأرض أفلاذ كبدها، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟!»([5]).
ثانيًا: لم يدخل النبي بها فلم يثبت لها ما ثبت لغيرها من زوجاته
وقع الاتفاق بين العلماء على عدم دخوله بها، واختلفوا هل عقد عليها أم لا، ولهذا فهي لا تعد من زوجات النبي اللاتي لا يجوز الزواج منهن بعد موته، ولا من أمهات المؤمنين، ولا ممن خيرهن النبي .
قال الحافظ ابن حجر: «روى أبو نعيم في المعرفة في ترجمة قتيلة من حديث داود عن الشعبي مرسلًا، وأخرجه البزار من وجه آخر، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موصولًا، وصححه ابن خزيمة، والضياء من طريقه في المختارة، أن النبي طلق قتيلة بنت قيس أخت الأشعث، طلقها قبل الدخول، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل فشق ذلك على أبي بكر، فقال له عمر: «يا خليفة رسول الله، إنها ليست من نسائه، لم يحزها النبي ق، وقد برأها الله منه بالردة، وكانت قد ارتدت مع قومها ثم أسلمت»، فسكن أبو بكر.
وروى الحاكم من طريق هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عَن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَفَ عَلَى أَسْمَاءَ بِنتِ النعْمَان الْمُهَاجِرُ بْن أَبِي أُمَيَّةَ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَن يُعَاقِبَهَا فَقَالَتْ: «وَاللهِ مَا ضُرِبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ وَلَا سُمِّيتُ بِأُمِّ الْمُؤْمِنين» فَكَفَّ عَنهَا.
وروى الحاكم بسنده إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى، أنه تزوج حين قدم عليه وفد كندة قتيلة بنت قيس أخت الأشعث ولم تدخل عليه، فقيل: إنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: «لقد هممت بأن أحرق عليهما». فقال عمر: «ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها، ولا ضرب عليها الحجاب»؛ فسكن»([6])
وقال الطاهر بن عاشور: «قتيلة بنت قيس الكلبية التي زوجها أخوها الأشعث بن قيس من رسول الله ثم حملها معه إلى حضرموت، فتوفي رسول الله قبل قفولهما فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، وأن أبا بكر هم بعقابه فقال له عمر: إن رسول الله لم يدخل بها، والمرويات في هذا الباب ضعيفة، والذي عندي أن البناء والعقد كانا يكونان مقترنين، وأن ما يسبق البناء مما يسمونه تزويجًا فإنما هو مراكنة ووعد، ويدل لذلك ما في الصحيح أن رسول الله لما أحضرت إليه الكندية ودخل عليها رسول الله فقال لها: هبي لي نفسك (أي ليعلم أنها رضيت بما عقد لها وليها) فقالت: ما كان لملكة أن تهب نفسها لسُوقة، أعوذ بالله منك. فقال لها: لقد استعذت بمَعَاذ.
فذلك ليس بطلاق، ولكنه رجوع عن التزوج بها، دال على أن العقد لم يقع، وأن قول عمر لأبي بكر أو قول من قال لعمر: إن رسول الله لم يدخل بها هو كناية عن العقد»([7]).
ثالثًا: لو سلمنا جدلًا بزواجه ق منها فقد طلقها وزال عنها كل شرف وحسب.
الثابت عند أهل السنة والشيعة أن النبي مات عن تسع نسوة([8])، وهن: عائشة، وسودة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة .
وعليه فلو تنزلنا وقلنا بأن النبي تزوجها ثم طلقها، فهي لم تعد في عصمته ولم تعد من أمهات المؤمنين، وإلا فما فائدة الطلاق إذًا؟!
فنوَال المرأة شرف أمومة المؤمنين مرتبط بوصف الزوجية؛ لقوله تعالى: [ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ ۗ {الأحزاب:6}؛ فكان وصفُ زوجات النبي بأمهات للمؤمنين مرتبطًا بكونهن زوجات للنبي ق، حتى بعد وفاته.
رابعًا: عدم عصمة نسائه يجيز الذنوب
الزعم بأن عدم العصمة يوجب تجويز الردة على أمهات المؤمنين، قلنا: هذا وإن كان من ناحية القاعدةِ سليمًا، إلا أنه منخرم في التطبيق على أمهات المؤمنين، وذلك أن الله مدحهن بقوله: [ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ ۗ ] {الأحزاب:6}، ومن المحال أن يتعبدنا الله بقرآن يُتلى إلى يوم الدين بامتداح نساء يعلم وقوع الردة منهن على أي وجه كان.
فهذا أشبه بمن يقول بجواز إيمان أبي لهب بعد قوله تعالى: [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5] {المسد:1-3} فإنه إذا جاء نص بالمدح أو الذم، ثم جوزنا تبديله؛ لجوزنا على الله الكذب، وهذا باطل ممتنع.
وخاتمة المسك أن الرافضة لا تملك رواية صحيحة تذكر أن النبي تزوج قتيلة، فيقول شيخهم علي آل محسن: «الثاني: أنا لا نجزم بأن النبي قد تزوج بالكندية أو تزوج بقتيلة بنت قيس، كما أننا لا نجزم بأن قتيلة قد تزوجت بعد رسول الله ق، ولكن ذلك مروي، وما لم نجزم بالأمر فلا يصح أن نخرم القاعدة التي ذكرناها فيما سبق من أن زوجات الأنبياء لا يقع منهن الفحش والفجور»([9]).
فصارت المسألة كلها مجرد رغبة شيعية في التشغيب وطرح الشبهات لا أكثر.
اقرأ أيضا| الدكتور رامي عيسى يتحدى الشيعة في بث مباشر ويرد على جميع الأسئلة
([1]) الطبقات الكبرى، ابن سعد (8/116) ط العلمية.
([2]) ذكر الشبهة ياسر الخبيث على موقعه.
([3]) ميزان الاعتدال (4/304).
([4]) التاريخ الكبير، البخاري، بحواشي محمود خليل (1/101).
([5]) المجروحين، ابن حبان (2/255).
وأما أبو صالح فقد قال فيه البيهقي: «وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث، لا يحتجون بشيء من رواياتهم؛ لكثرة المناكير فيها، وظهور الكذب منهم في رواياتهم». الأسماء والصفات، البيهقي (2/311).
([6]) التلخيص الحبير، ابن حجر (3/296).
وقال الطحاوي: «حدثنا إبراهيم بن أبي داود، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، حدثنا داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله تزوَّج قتيلةَ بنت الأشعث، هكذا قال ابن أبي داود في حديثه، وإنما هي أخت الأشعث، فمات قبل أن يحجبها فبرأه الله تعالى منها.
وقد روي في أمرها الذي به برأ الله رسوله منها زيادة على هذا، كما قد أجاز لنا هارون العسقلاني مما ذكر لنا: أن المفضل الغلابي حدثه به قال: حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن عباد وهو ابن العوام، عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس: «أن رسول الله تزوج قتيلة فارتدت مع قومها، ولم يخيرها رسول الله ق ولم يحجبها، فبرأه الله منها».
قال عباد: «لم يحجبها»: لم يكن ضرب عليها الحجاب، ولم يخيرها كما خير نساءه، ففي هذا الحديث زيادة على ما في الأول.
وفيه ارتداد قتيلة هذه مع قومها عن الإسلام، وأن رسول الله ق لم يكن خيرها يعني بين الدنيا والآخرة كما خير سائر نسائه سواها، فتختار الدنيا فيفارقها أو الآخرة فيمسكها، وتكون بذلك من أزواجه فيها، وأن البراءة التي كانت لحقتها بارتدادها وبتقصير الحجاب والتخيير عنها». مشكل الآثار، الطحاوي (1/375).
([7]) التحرير والتنوير، ابن عاشور (22/94).
([8]) قال الحافظ ابن حجر: «قوله: مات رسول الله عن تسع نسوة، قلت: هو أمر مشهور، لا يحتاج إلى تكلف تخريج الأحاديث فيه، وهن: عائشة، ثم سودة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم صفية، ثم جويرية، ثم أم حبيبة، ثم ميمونة». التلخيص الحبير (3/296).
وأما عند الرافضة فقد قال الحلي: «ومات رسول الله عن تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأم سلمة بنت ابن أمية المخزومي، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث الخزاعية، وسودة بنت زمعة، وصفية بنت حيي بن أخطب الخبرية، وزينب بنت جحش». تذكرة الفقهاء، الحلي (2/567).
لتحميل الملف pdf