شبهات وردود

زعم الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب الخمر بعد تحريمها!

الشبهة السادسة عشر

زعم الشيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

شرب الخمر بعد تحريمها.

 

محتوى الشبهة:

من افتراءات القوم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتهامه بشرب الخمر بعد تحريمها، وأنه كان مدمنًا عليها.

قال ناصر الموسوي: "إن عمر بن الخطاب كان مدمنًا للخمر منهمكا في الشراب، وأخباره في هذا الباب لا تخفى على أولي الألباب، فكيف يزعم أن أمير المؤمنين (ع) يزوج ابنته الطاهرة (س) بمثل هذا...، ومن المعلوم: أن أهل الإسلام ولو كانوا من والعوام والهمج والرعاع والطغام يستنكفون أن يزوجوا بناتهم من الشُّراب، ويعدون ذلك مستوجبًا لأشد العذاب، فكيف يقدم على ذلك أمير المؤمنين (ع)، إن هذا من مفتريات المولعين بالبهت واللهو والكذاب"([1]). وأورد عدة روايات، كثير منها يتعلق بالنبيذ.

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: عمر رضي الله عنه أعلن الحرب على الخمر منذ إسلامه، قبل أن تحرّم.

فقد صح عنه أنه:" لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:219]، قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [سورة النساء:43] فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُنَادِي: "أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ"، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاء، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[المائدة:91]، قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا"([2]).

ثمّ إنه بعد أن تولّى الخلافة رضي الله عنه اهتم بشأن تحذير الناس من الخمر وبيان حكمها. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:" سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْر، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ"([3]).

   بل ثبت عنه رضي الله عنه أنه استشار كبار الصحابة في مسألة عقوبة شارب الخمر، لما لم يجد نصًا صريحًا على هذا: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَف الْحُدُود؛ ثَمَانِينَ. فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ"([4]).

فهل يعقل أنّ شخصًا يهتم بتطهير المجتمع المسلم من الخمر إلى هذه الدرجة، ويستمر على هذا المنهاج إلى أن يتوفى، ثمّ يتساهل في شرب الخمر؟!

 

ثانيًا: لا يوجد في كتب السنة والآثار، أن عمر رضي الله عنه شرب الخمر، بل غاية ما ورد فيها أنه رضي الله عنه شرب النبيذ، وذلك ثابت في قصة موته رضي الله عنه، حيث سقاه الطبيب نبيذًا.

والنبيذ يطلق على الخمر، ويطلق أيضا على الماء الذي يوضع فيه شيء من التمر أو الزبيب حتى يحلو الماء ثم يشرب قبل أن يتخم، فهذا الثاني هو الذي شربه عمر رضي الله عنه، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشربه، وأجمع العلماء على جوازه.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ، فَاسْتَسْقَى، فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ: فَشَرِبَ، وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ، وَقَالَ: (أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا) "([5]).

قال النووي: "وهذا النبيذ: ماء مُحلى بزبيب أو غيره، بحيث يطيب طعمه، ولا يكون مسكرا، فأما إذا طال زمنه وصار مسكرا: فهو حرام"([6]).

ثالثاً: ورد في كتب القوم روايات تدل على إباحة النبيذ وعدم حرمته:

روى الكليني بسنده عن حنان بن سدير، قال:" سمعت رجلا وهو يقول لأبي عبد الله ’: ما تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك أمرته بشربه؟ فقال: صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال ولم يسألني عن المسكر، قال: ثم قال ’: إن المسكر ما اتقيت فيه أحداً سلطانا وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام، فقال له الرجل: جعلت فداك هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أي شئ هو؟ فقال: أما أبي فإنه كان يأمر الخادم فيجيئ بقدح ويجعل فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي، وكان يأمر الخادم بغسل الاناء في كل ثلاثة أيام كيلا يغتلم فإن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ"([7]).

قال عنه المجلسي: "الحديث الأول: موثق"([8]).

وروى الكليني أيضا بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: "استأذنت على أبي عبد الله ’ لبعض أصحابنا فسأله عن النبيذ فقال: حلال فقال: أصلحك الله إنما سألت عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر فقال أبو عبد الله ’: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام"([9]).

قال عنه المجلسي: "الحديث السادس: حسن"([10]).

وهذه الأحاديث وغيرها يلزم منها أن الأئمة أباحوا الخمر؛ لأنه لا فرق بينه وبين النبيذ حسب ما يقرر علماء الإمامية.

قال الطوسي: "وأجمعت الطائفة المحقة على أنه لا فرق بين الخمر والنبيذ في شئ من أحكامه، لا في شرب الكثير، ولا في شرب القليل منه، فينبغي أن يكون العمل على ذلك ويترك ما خالفه"([11]).

رابعًا: من عجيب حال القوم، أنهم يتهمون الفاروق عمر رضي الله عنه بشرب الخمر، ويجعلون هذا طعنا وقدحا فيه، في حين يعترفون بأن كبار رواة الأحاديث عندهم كانوا يشربون الخمر ومع ذلك اعتذروا لهم، ولم يرووا أن هذا قدح في عدالتهم أو في دينهم.

ومن ذلك: أبو حمزة الثمالي، الذي ثبت عنه شرب الخمر ومع ذلك اعتذروا لهم بعدة أمور:

قال المامقاني: "وعلى تقدير الصحّة، يمكن أن يكون:

أبو حمزة ما كان يعرف حرمته يومئ إلي سؤال أصحابه عنه عليه السلام عن حرمته، كما ورد في كتب الأخبار، ومنه هذا الخبر.

أو أنّه كان يشرب لعلّة كانت فيه باعتقاد حلّه لأجلها، كما سيجيء قريب منه في ابن أبي يعفور.

أو كان يشرب الحلال منه فنمّوا إليه عليه السلام ويكون استغفاره من سوء ظنّه بعام، ولعلّه هو الظاهر، إذ لا دخل لعدم تحريشه في الاستغفار عن شربه؟ فتأمّل.

أو كان استغفاره من ارتكابه بجهله.

أو بظهور خطأ اجتهاده.

أو كان ذلك قبل وثاقته"([12]).

كل هذه الترقيعات والاحتمالات التي ليس عليها أثارة من علم، لمجرد التبرير لهذا الراوي الثقة عندهم الذي ثبت عنه شرب الخمر.

ومن الرواة: أبو هريرة البزاز

قال النراقي: "نقل العلّامة عن العقيقي أنَّ الصادق ’ ترحَّم عليه، فقيل له: إنَّه كان يشرب النبيذ، فقال ’: (أيعزز على اللّه أن يغفر لمحمَّد بن عليّ شرب النبيذ والخمر؟ والظاهر أنَّ اللام للتعليل، كأنَّه كان من أصحاب الباقر ’"([13]).

وبنفس المنطق: أيعزز على الله أن يغفر لأصحاب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم شرب النبيذ والخمر- على فرض التسليم-؟

ومن الرواة: أبو نجران التميمي

قال الطوسي: "وجدت في كتاب أبي عبد الله محمد بن نعيم الشاذاني بخطه، حدثني جعفر بن محمد المدائني، عن موسى بن القاسم البجلي، عن حنان بن سدير، عن أبي نجران، قال: قلت لأبي عبد الله(ع)، إن لي قرابة يحبكم، إلا أنه يشرب هذا النبيذ، قال حنان: وأبو نجران هو الذي كان يشرب النبيذ، إلا أنه كنى عن نفسه، قال: فقال أبو عبد الله(ع): فهل كان يسكر؟ فقال: قلت إي والله جعلت فداك إنه ليسكر، فقال: فيترك الصلاة؟ قال ربما قال للجارية صليت البارحة؟ فربما قالت له نعم قد صليت ثلاث مرات، وربما قال للجارية يا فلانة صليت البارحة العتمة؟ فتقول: لا والله ما صليت وقد أيقظناك وجهدنا بك، فأمسك أبو عبد الله (ع) يده على جبهته طويلا، ثم نحى يده، ثم قال له: قل له يتركه، فإن زلت به قدم فإن له قدما ثابتا بمودتنا أهل البيت» ([14]).      

وهكذا يعتذرون للرواة عن شرب الخمر وترك الصلاة فقط بسبب مودة آل البيت، فكيف بمن  كان وده وحبه ومدخله ومخرجه للنبي صلى الله عليه وسلم.

ونحن مع ذلك نبرأ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من شرب الخمر، وكيف يشربها وهو القائل: " اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاء، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون}[المائدة:91]، قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا".

سبحانك هذا بهتان عظيم.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) إفحام الأعداء والخصوم، ناصر حسين الموسوي الهندي (ص118).

([2]) سنن أبي داود (5/514).

([3]) صحيح البخاري (6/53) برقم (4619)؛ صحيح مسلم (4/2322)، برقم (3032).

([4] (صحيح مسلم (3/1330) برقم الحديث (1706).

([5]) صحيح مسلم (2/953) برقم (1316).

([6]) شرح النووي على مسلم، النووي (9/64).

([7])الكافي، الكليني (6/415).

([8]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (22/275).

([9]) الكافي، الكليني (6/417.(

([10]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (22/278).

([11]) الاستبصار، الطوسي (4/236).

([12]) تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني (13/279).

([13]) شعب المقال في درجات الرجال، أبو القاسم النراقي (328).

([14]) رجال الکشي، الطوسي (ص320).


لتحميل الملف pdf

تعليقات