أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

الرد على زعم الشيعة أن عائشة كانت أكُوْلَةً

قالت الشيعة: «إن أم المؤمنين عائشة كانت كثيرة الأكل» واستدلوا على ذلك بروايتين:

الأولى: قال الصنعاني: «أخرج البيهقي بإسناد فيه ابن لَهِيعَةَ، عن عائشة قالت: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين، فقال: يا عائشة، أما تحبين ألا يكون لك شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين»([1]).

والثانية: في شعب الإيمان: «عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل في يوم مرتين، فقال: «يا عائشة، اتخذت الدنيا بطنك؟ أكثر من أكلة كل يوم سرف، والله لا يحب المسرفين» في إسناده ضعف»([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: ضعف الأدلة.

هذه الرواياتُ لا تصح، ونكتفي هنا بنقل كلام أهل الاختصاص؛ حيث قال الشيخ الألباني: «إياك والسرف، فإن أكلتين في يوم من السرف: موضوع»([3]).

وذكر الغزالي في «الإحياء» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة([4])، وقال الحافظ العراقي في تخريجه: «رواه البيهقي في «الشعب» من حديث عائشة وقال: في إسناده ضعف».

7قلت: ونص الحديث: عن عائشة قالت: «رآني رسول الله ق وقد أكلت في اليوم مرتين، فقال: يا عائشة، أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف: [ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] {الأنعام:141}»([5]).

وفي رواية: «يا عائشة، اتخذت الدنيا بطنك؟! أكثرُ من أكلة كل يوم سرف: [وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] {الأنعام:141}»([6]). وفيه ابن لَهِيعة.

7 قلت: وابن لَهيعة ضعيف من قِبل حفظه، وقد رُويَ بنحوه من حديث أنس، وله إسناد عند البيهقي في «الشعب»، فتبين أن فيه علةً أخرى هي مما يزداد الحديث بها ضعفًا([7])، فإنه قال: أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي بسنده، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة.. به.

وأبو عبد الرحمن هذا اسمه محمد بن الحسين الصوفي، قال محمد بن يوسف القطان: «كان يضع الأحاديث للصوفية، ثم رواه من طريق خالد بن نجيح المصري، حدثنا عبد الله بن لهيعة به نحوه، وخالد هذا قال أبو حاتم: كذاب يفتعل الحديث»([8]).

بل إن البيهقي نفسه بعد أن نقل الرواية ضعفها كما سبق!

ثانيًا: المصادَمة الظاهرة لنصوص الشريعة.

متن الرواية يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ إذ إن النبي ق أمر أمته بإفطار وسحور إذا صاموا، فهل يأمرهم حال الصيام بوجبتين وينهاهم عن ذلك حال فطرهم؟!

بل وكان هو ق يفعل ذلك، فهل نقول: إنه ق كان من المسرفين؟ حاشاه .

وصرح بعض الفقهاء في الكفَّارات أيضًا أن الواجب في إطعام الفقير وجبتان، فقالوا: «وإلا فقد صرح في الكفارات الفقهية من لزوم الغداء والعشاء»([9])؛ ولذلك ضعف العلماءُ الروايةَ متنا –بعد ثبوت سقوطها سندًا كما رأيت- بمعارضتها لهذا الثابت الصحيح وغيره([10]).

وما ورد من حديث عائشة عند ابن مردويه والبيهقي من أن الأكل مرتين في اليوم من الإسراف ضعيف ومُعَارَضٌ كذلك بالصحاح.

ثالثًا: كانت أم المؤمنين من أزهد الناس.

الثابت عن أم المؤمنين عائشة ل أنها كانت من أزهَدِ الناس في الدنيا، وأكثرهم صومًا.

قال الزركشي: «قال القاسم: كانت عائشة تصوم الدهر، وقال عروة: بعث معاويةُ مرةً إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها ولم تترك منها شيئًا، فقالت بَريرة: أنتِ صائمة، فهلَّا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا، قالت: لو ذكرتِني لفعلتُ» رواه الحاكم.

وعنه أيضًا قال: «وإن عائشة تصدقت بسبعين ألف درهم، وإنها لترقع جانب درعها أيضًا، وقد اشتمل هذا على ثلاث فضائل: فضل عبادتها، وجودها، وزهدها»([11]).

بل كانت ل تصوم حتى في السفر؛ فقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن القاسم قال: «رأيت عائشة تصوم في السفر، حتى أذلقها السَّموم»([12]).

فالصديقة المبرأة المطهرة أبعد الناس عن نظائر هذه التهمة.

رابعًا: حتى الطب يرفض هذا الخبر الموضوع.

قال الأطباء: «إن أقل من أكلتين قد يضر بالجسد»([13]).

وقال جالينوس في حفظ الصحة: «الأبدان التي تجتمع منها في المعدة مرار كثير يحتاجون إلى الأكل مرتين أو ثلاثًا، ومن لا يعرض له ذلك يجب أن يمسكوا عن الطعام حتى يستحموا»([14]).

وفي الحاوي: «وترك الأكل مرتين يضر الذين مزاجهم حار يابس، وينفع الذين مزاجهم بارد رطب»([15]).

خامسًا: الأكل مرتين من الموروث الروائي الشيعي.

جاء في الروايات الشيعية الحث على تناول وجبتين في اليوم...! فهل أَمَرَ أهل البيت بالإسراف وبالمحرم؟!

قال الريشهري: «توصي الروايات الإسلامية بتناول وجبتين في اليوم صباحًا ومساءً؛ لحفظ سلامة الفرد وصحته، وأهل الجنة الخالدون في دار السلام يأكلون وجبتين «لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وعَشِيًّا»([16]).

سادسًا: إن كانت عائشة ل أكولة همها بطنها، فماذا عن علي بن أبي طالب ا؟!

جاء في كتب الشيعة أن النبي  قال لعلي: «إنك لأكول»، ففي كتاب الأخلاق لعبد الله شبر قال: «وروي أنه  كان يأكل رطبًا مع ابن عمه وأخيه أمير المؤمنين، وكان يأكل ويضع النوى أمامه، فلما فرغَا كان النوى كله مجتمعًا عند علِي S، فقال له: «يا علي، إنك لأكول»، فقال له: يا رسول الله، الأكول من يأكل الرطب ونواه»([17]).

فهذا اتهام من النبي  لعلي أنه أكول، ولا يقال: إن هذا كان في باب المزاح، فإن النبي  لا يقول إلا حقًّا، وانظر لجواب علي على النبي ق وهو يعرِّض بأن النبي ق هو الأكول!

والعجيب أنهم برروا لذلك بأن كل بني آدم أكول! وفي نفس الوقت يتهمون أو يرون أنها تهمة في حق أم المؤمنين على الرغم من ضعفها!!

يقول محمد باقر الحكيم: «وقال له: «يا علي، إنك لأكول»، لاحظوا الدقة في التعبير، فإنه لا يقول له: أنت أكلت (هذا التمر) مثلًا، وإنما قال له: (لأكول)، فالإنسان على كل حال أكول؛ لأنه يأكل ويشرب كما يأكل الآخرون ويشربون، نعم لا بد أن يكون الحديث بالمزاح بهذه الطريقة، كأنه يوهم بأنه (أكل جميع هذا التمر)، وكان جواب الإمام علي S جميلًا ودقيقًا جدًّا أيضًا؛ إذ يقول له: «يا رسول الله الأكول من يأكل التمر ونواه» يعني أنا أكلت التمر، ولكن تركت النوى، أما أنت فكأنك أكلت التمر ونواه؛ إذ لا يشاهد الناظر النوى أمامك»([18]).

فإذا شغَّبوا على أم المؤمنين في مسألة الأكل؛ رجع الطعن على من يزعمون قداستهم، فسبحان من أذل الشيعة بشبهاتهم!

اقرأ أيضا| شاب شيعي يعلن هدايته إلى منهج أهل السنة بعد مداخلة مع الدكتور رامي عيسى

([1]) سبل السلام (2/652).

([2]) شعب الإيمان (7/457).

([3]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، الألباني (1/257- 422 -423).

([4]) الإحياء، الغزالي (3/78).

([5]) الترغيب (3/124).

([6]) الشعب، البيهقي (7/457).

([7]) الشعب، البيهقي (7/441).

([8]) الشعب، البيهقي (7/457).

([9]) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية (3/47).

([10]) تفسير المنار (8/343).

([11]) الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، الزركشي، ط الخانجي (ص49).

قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم: «ويحمل هذا على أنها كانت تصوم ما سوى الأيام المنهي عن صيامها، كأيام الحيض، وأيام التشريق، ويوم العيد، وعن عروة أن عائشة ل كانت تسرد الصوم، وعن القاسم: أنها كانت تصوم الدهر لا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر». دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم (18/7).

([12]) مصنف ابن أبي شيبة (2/280).

([13]) الحاوي في الطب (7/350).

([14]) المصدر السابق.

([15]) المصدر السابق.

([16]) موسوعة ميزان الحكمة، محمد الريشهري (3/11).

([17]) الأخلاق، عبد الله شبر (ص١٥٠)، لآلي الأخبار، محمد نبي بن أحمد التويسركاني (ج١/77)، الكشكول، المحقق البحراني (ج١/8)، كشف الأسرار في شرح الاستبصار، نعمة الله الجزائري (ج١/165)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي (ج٦/94).

([18]) الأخوة الإيمانية من منظور الثقلين، محمد باقر الحكيم (ص٩٩- ١٠٠).


لتحميل الملف pdf

تعليقات