أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

حديث عائشة في عبوس النبيِّ  في وجه الأعمى.. الرد الكامل على افتراء الشيعة

من الأحاديث التي تُعَدُّ مثارَ تشنيعِ كثيرٍ من الرافضة، ما رُويَ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، في قصة نزول قوله تعالى: [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1}.

فقد أخرج الحاكم بسنده عَن عُرْوَةَ، أَن عَائِشَةَ ل قَالَتْ: «أُنزِلَتْ [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1} فِي ابْن أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَتْ: أَتَى إِلَى رَسُولِ اللهِ  فَجَعَلَ يَقُولُ: أَرْشِدْني، قَالَتْ: وَعِندَ رَسُولَ اللهِ  مِن عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِين، قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ  يُعْرِضُ عَنهُ، وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى مَا أَقُولُ بَأْسًا» فَيَقُولُ: لا، فَفِي هَذَا أُنزِلَتْ: [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1}. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْن وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، فَقَدْ أَرْسَلَهُ جَمَاعَةٌ عَن هِشَامِ بْن عُرْوَةَ»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: الحديث لم تنفرد بذكره أم المؤمنين، ولو انفردت لقبلناه:

الحديث لم تتفرد بروايته أم المؤمنين ل، فقد روي أيضًا من طريق أنس، فيما أخرجه أبو يعلى بسنده عَن قَتَادَةَ، عَن أَنسٍ ا فِي قَوْلِهِ: [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1} جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُكَلِّمُ أُبَيَّ بْن خَلَفٍ فَأَعْرَضَ عَنهُ، فَأَنزَلَ اللهُ [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1}، قَالَ: فَكَان النبِيُّ  بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ»([2]).

وهذه الواقعة ليس فيها أي مطعن في النبيِّ من قريب ولا من بعيد، فهي خبر عن حادثة وقعت، وفعله ق مع ابن أم مكتوم قد عاتبه فيه ربه كما عاتبه في غيره من مواضع، كما في قوله تعالى: [﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾] {التحريم:1}، والشيعة مقرون أن الأنبياء موفقون مسددون من جهة الوحي لا من جهة أنفسهم، فنحن نقول: إن هذا هو تسديد الوحي نطق به القرآن الكريم.

ثانيًا: كثير من علماء الرافضة يثبتون سبب النزول:

قال الطبرسي: «أتى رسول الله  عبد الله بن شريح بن مالك الفهري، وهو ابن أم مكتوم، وعنده صناديد قريش: أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، والعباس بن عبد المطلب، وأبي وأمية ابنا خلف، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرُهم، فقال: يا رسول الله ، أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله  قطعَه لكلامه، وعبس، وأقبل على القوم يكلمهم، فنزلت، فكان رسول الله  يكرمه ويقول إذا رآه: «مَرْحَبًا بِمَن عَاتَبَني فِيهِ رَبِيِّ»»([3]).

ويقول محمد جواد مغنية: «اختلفوا في العابس فقيل: إنه مجهول، ولهذا القول وجه؛ لأن الله سبحانه ذَكَره بضمير الغائب ولم يبين لنا من هو، ومثله كثير في القرآن... وقيل: هو رجل من بني أمية كان عند رسول الله، فلما رأى الأعمى تقذر منه وأعرض عنه، والمشهور بين المفسرين وغيرهم أن الذي عبس وتولى هو رسول الله، وأن السبب لذلك: أن ابن أم مكتوم أتاه وهو في مكة... هذا ما ذهب إليه أكثر المفسرين، وله وجه أرجح وأقوى من الوجه الأول؛ لمكان ضمير المخاطب (أنتَ)، فكأن المراد به الرسول بحسب الظاهر»([4]).

وعبارات علماء الرافضة في هذا الصدد، واعترافهم بأنها نزلت في حق النبيِّ  كثيرة، يضيق المقام بسردها جميعًا، ونكتفي بما ذكره محمد حسين فضل الله عندما أورد أسماء علماء الشيعة القائلين بهذا القول؛ حيث يقول:

«لقد ورد عن الإمام الصادق أن النبي كان إذا لقي ابن أم مكتوم قال له: «مَرْحَبًا بِمَن عَاتَبَني فِيهِ رَبِّي» أو «وَاللهِ، لَا يُعَاتِبُني فِيكَ رَبِّي أَبَدًا» كما جاء في (مجمع البيان)، وقد نقل عن المرتضى أن ذلك لا ينافي عصمة النبي، كما أن حمله على أنها نزلت في رجل من بني أمية ينافي سياق الآيات التي تعتبر أن المخاطب من شأنه التزكية، ولا ينطبق ذلك إلَّا على النبي، وقد تعرضنا على ذلك في (من وحي القرآن) في الجزء الرابع والعشرين ص57».

ثم يقول في الهامش: «هناك الكثير من المفسرين الشيعة من القدماء والمعاصرين يختارون نزولها أو إمكانية نزولها على أقل التقدير في النبي، ومن دون أن يمس ذلك بعصمته وأخلاقياته، وإليك قائمة بأسماء بعض هؤلاء الأعلام:

الطبرسي في تفسيريه (مجمع البيان) و(جوامع الجامع).

الطريحي في تفسيره (غريب القرآن).

ابن أبي الجامع العاملي في تفسيره (الوجيز).

الميرزا محمد المشهدي في تفسيره (كنز الدقائق).

السيد ابن طاووس في كتابه (سعد السعود).

أبو جعفر النجاشي في تفسيره (معاني القرآن).

الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين)([5]).

الثائر الشهيد زين بن علي بن الحسين في التفسير المنسوب إليه (غريب القرآن).

المجلسي في كتابه (بحار الأنوار).

محسن الأمين في موسوعته (أعيان الشيعة).

 محمد جواد مغنية العاملي في تفسيريه (الكاشف) و(المبين).

محمود الطالقاني في تفسيره (برتوي از قرآن) (قبس من القرآن) بالفارسية.

 ملا فتح الله الكاشاني في تفسيره (منهج الصادقين) بالفارسية.

هاشم معروف الحسني في كتابه (سيرة المصطفى).

علي أكبر قرشي في تفسيره (أحسن الحديث) و(قاموس القرآن) بالفارسية.

محمد تقي شريعتي في تفسيره (نوين) (الجديد) بالفارسية.

مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل).

كاظم الحائري في كتابه (الإمامة وقيادة المجتمع).

نصرت أمين الأصفهانية في تفسيرها (مخزن العرفان) بالفارسية.

محمد مهدي شمس الدين في (محاضراته التفسيرية).

جعفر السبحاني في (مفاهيم القرآن).

محي الدين مهدي قمشه إي في (ترجمة القرآن للفارسية).

رضا سراج في (ترجمة القرآن للفارسية).

يعسوب الدين الجويبراوي في تفسيره الكبير (البصائر)».([6])

ثالثًا: فساد ادعاء أن المقصود أموي

ادَّعى بعضُ علماء الرافضة أن المقصود بها رجل من بني أمية، وبعضهم يعينه أنه عثمان بن عفان؛ استنادًا إلى رواية وردت عندهم تشير إلى هذا المعنى.

يقول الطبرسي: «فالظاهر أن قوله: [عَبَسَ وَتَوَلَّى] {عبس:1} المراد به غيره، وقد روي عن الصادق (ع) أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (ص)، فجاء ابن أم مكتوم، فلما رآه تقذر منه، وجمع نفسه، وعبس، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك، وأنكره عليه»([7]).

وهذه الرواية التي عوَّلَ عليها الرافضة باطلة، بَيَّن ضعْفَها كثير من علمائهم، وبينوا مخالفتها لظاهر القرآن الكريم وصريحه، قال محسن الأمين:

«أقول: لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي (ص) على ترك الأولى، وفعل المكروه أو خلاف الأولى لا ينافي العصمة والقول بأن العبوس ليس من صفاته (ص) إنما يتم إذا لم يكن العبوس لأمر أخروي مهم، وهو قطع الحديث مع عظماء قريش الذين يرجو اسلامهم، وأن يكون بإسلامهم تأييد عظيم للدين، وكذلك القول بأن الوصف بالتصدي للأغنياء والتلهي عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة، إنما يتم إذا كان تصديه للأغنياء لغناهم لا لرجاء إسلامهم، وتلهيه عن الفقراء لفقرهم لا لقطعهم حديثه مع من يرجو إسلامه، ومع ذلك لا ينافي العتاب له، وكون الأولى خلافه، أما ما روي عن الصادقفقد ينافي صحة هذه الرواية قوله تعالى: [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} فإن ذلك الرجل إنما عبس في وجه الأعمى تقذرًا له، لا لأنه لا يرجو تزكية أو تذكرة، فالمناسب أن يقال: وما يدريك لعله خير من أهل النظافة والبصر، وكذا قوله: [وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ] {عبس:7} فإن تصدي الأموي للغني لغناه لا لرجاء أن يزكى، وكذا قوله: [وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ (8) وَهُوَ يَخۡشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ (10)] {عبس:8-10} فإن ابن أم مكتوم إنما جاء رسول الله لا الأموي، والأموي إنما تقذره وانكمش منه، لا أنه تلهى عنه، فالمناسب أن يكون الخطاب للنبي ق، وذلك يبطل صدور هذه الرواية من معدن بيت الوحي»([8]).

رابعًا: حتى وإن كانت في حق النبي  فلا معارضة:

يقول الكاشاني: «فإن قيل: فلو صحَّ الخبر الأوَّل هل يكون العبوس ذنبًا أم لا؟ فالجواب: أن العبوس والانبساط مع الأعمى سواء؛ إذ لا يشقُّ عليه ذلك، فلا يكون ذنبًا، فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيَّه؛ ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق، وينبِّهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد، ويعرِّفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعًا في إيمانه»([9]).

ويقول المجلسي: «بعد تسليم نزولها فيه -صلى الله عليه وآله- كان العتاب على ترك الأولى، أو المقصود منه إيذاء الكفار وقطع أطماعهم عن موافقة النبي  لهم، وذمهم على تحقير المؤمنين كما مر مرارًا»([10]).

وقد سبق ذكر كلام محسن الأمين ونقله هاشم معروفٌ الحسني مقرًّا به وموافقًا له، فقال: «والذي أراه أن ما ذكره السيد الأمين مقبول ومعقول، ولا يتنافى مع مقام النبي ولا مع عصمته، كما ذكره السيد، ولكنه ليس متعينا منها؛ لجواز أن تكون الآيات الأولى من السورة واردة في مقام إرشاد النبي ق إلى واقع تلك الفئة الضالة التي لا يرجى صلاحها، ولا موجب لعتابه فيما فعله مع الأعمى؛ ذلك لأن النبي كان يتحدث مع أولئك الطغاة ظنًّا منه أن الحديث معهم يخدم مصلحة الإسلام إما بإسلامهم، أو سكوتهم على أقل التقادير، فانصرافه إليهم عن سواهم في ذلك الظرف الذي كان الإسلام فيه في أمسِّ الحاجة إلى الأنصار والأتباع، كانت تفرضه المصلحة التي هي أرجح من تعليم الأعمى وتفقيهه في أمور الدين؛ لإمكان أن يتم ذلك في وقت آخر حسب تقدير النبي»([11]).

اقرأ أيضا| رامي عيسى: رمضان يبشر المتقين.. والشيعة ينكرون التراويح ويمارسون البدع (بث مباشر)

([1]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري (2/558).

([2]) مسند أبي يعلى الموصلي (5/431).

وقد صرح قتادة بالتحديث فأمنا جانب تدليسه كما في تفسير عبد الرزاق، وصححه محقق المسند «سليم الهلالي» فقال: «أخرجه عبد الرزاق في تفسيره؛ كما في تخريج الكشاف (4/156، 157)، ومن طريقه: أبو يعلى في المسند (5/ 431، 432 رقم 3123) -: ثنا معمر عن قتادة؛ قال: قال لي أنس بن مالك به.

قلنا: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وصرح قتادة بالتحديث.

وأخرجه الطبري في جامع البيان (30/ 33) من طريق يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس قال: فذكر الشطر الأخير منه فقط، وسنده صحيح على شرطهما». الاستيعاب في بيان الأسباب، سليم بن عيد الهلالي (3/496).

([3]) تفسير جوامع الجامع، الطبرسي (3/728).

([4]) التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية (7/515 -516).

([5]) الخليل بن أحمد الفراهيدي من علماء أهل السنة، وليس من علماء الشيعة الروافض!

([6]) تعليقات ومناظرات بين السيد محمد حسين فضل الله والشيخ جواد التبريزي (ص28- 29).

([7]) مجمع البيان (10/266).

([8]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (1/230).

([9]) زبدة التّفاسير، فتح الله الكاشاني (7/335).

([10]) بحار الأنوار، المجلسي (17/78).

([11]) سيرة المصطفى نظرة جديدة، هاشم معروف الحسني (ص193).


لتحميل الملف pdf

تعليقات