أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

إخبارها أنه  كان يباشرها وهي حائض.. الرد الكامل على شبهات الشيعة

شغب الشيعة على أم المؤمنين رضي الله عنها بأنها أخبرت أن النبي  كان يباشرها وهي حائض، وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فتغسله وهي حائض...

فذكروا أن فيه تلميحًا لكون الشهوة قد بلغت به مبلغها إلى الدرجة التي تجعله لا يطيق صبرًا فيواقع عائشة في المحيض، بل وذهبوا إلى أنه يبيح لنفسه ما حرمه الله تعالى من مواقعة الحائض.

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: المباشرة في الحديث ليست هي الجماع.

ليس المراد من الحديث الجماع أو الوطء كما يفهم المعترضون الجهلة، بل إن وطءَ الحائض محرم بالاتفاق، فكيف يُعقل أن يفعله رسول الله ق؟ قال القسطلاني: «عن عائشة  أنها قالت: كان النبي  يباشرني: أي يمس بشرتي من غير جماع»([1]).

وقال الكِرْمَاني: «ويباشرني: أي يمس بشرتي، والمباشرة ها هنا ليست بمعنى المجامعة»([2]).

ثانيًا: المباشرة على هذا المعنى جائزة عند الفريقين.

مباشرةُ الحائض بهذا المعنى -في غير الفرج- جائزةٌ عندنا وعند الشيعة، والروايات في ذلك لا تحصى كثرة، ومن أجل ذلك أجمع الشيعة على جواز مباشرة الحائض.

قال الطوسي: «مباشرة المرأة فيما فوق السرة وتحت الركبة إلى القدم مباح بلا خلاف، وما بين السرة إلى الركبة غير الفرج فيه خلاف، فعندنا أنه لا بأس به واجتنابه أفضل، وبه قال محمد بن الحسن ومالك، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال الشافعي وأصحابه، والثوري، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: إن ذلك محرم. دليلنا: عليه إجماع الفرقة، وأيضًا قوله تعالى: [نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ] {البقرة:223}، فأباح الوطء كيف نشاء، فوجب حملها على العموم إلا ما أخرجه الدليل.

وأيضًا قوله تعالى: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَاءَ فِى ٱلْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ] {البقرة:222}، والمحيض عند أهل اللغة: موضع الحيض، فوجب أن يكون ما عداه مباحًا، وأيضًا الأصل الإباحة.

وروى إسحاق بن عمار عن عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله  عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال: كل شيء منها ما عدا القبل بعينه، وروى هشام بن سالم، عن أبي عبد الله  في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال: لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع، وقد بينا الكلام في «مختلف الأخبار من طريق أصحابنا»([3]).

قال قطب الدين الراوندي: «فمباشرة الحائض على ثلاثة أضرب: محرم بلا خلاف، ومباح بلا خلاف، ومختلف فيه.

فالمحظور بلا خلاف: وطؤها في الفرج؛ لقوله: فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَاءَ فِى ٱلْمَحِيضِ] {البقرة:222}، فإن خالف وفَعَل فقد عصى الله وعليه الكفارة.

وأما المباح: فما عدا ما بين السرة والركبة في أي موضع شاء من بدنها.

والمختلف فيه: ما بين السرة والركبة غير الفرج، والظاهر أن هذا أيضًا مباح»([4]).

فحسب كلام الراوندي، الذي يحرم مع المرأة حال حيضها هو الجماع في الفرج فقط، وتجوز سائر الاستمتاعات([5]).

بل ذهب بعض علماء الرافضة إلى جواز وطء المرأة الحائض في دبرها!

قال حسن كاشف الغطاء: «يجوز الاستمتاع بها في غير القبل ولو في الدبر؛ للأصل وفتوى المشهور، وظاهر قوله تعالى [فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَاءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ] {البقرة:222} بإرادة اسم المكان دون المصدر واسم الزمان؛ لافتقارهما إلى تكليف، وقوله تعالى: [نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ)] {البقرة:223} وعمومات الأدلة المجوِّزة لمباشرة النساء والمجوزة للوطء في الدبر»([6]).

وقال الخوئي: «وأما إذا قلنا بجواز الوطء في الدبر في غير الحائض فهل يجوز ذلك في حق الحائض أيضًا أو لا يجوز؟ الظاهر هو الجواز... ومقتضى القاعدة في مثله التساقط والرجوع إلى العام أو الدليل الآخر، وهو يقتضي جواز الوطء في الدبر على الفرض»([7]).

ثالثًا: الحديث لم تنفرد به عائشة 

لم تنفرد عائشة  بنقل هذا الحديث، بل ثبت في كتب القوم أيضًا من حديث ميمونةَ ل؛ حيث كان النبيُّ  يباشرُها وهي حائض.

 قال هاشم معروف الحسني: «وفي باب مباشرة الحائض روي عن عائشة أنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد وكلانا جنب، وكان يأمرني وأنا حائض فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض، وروي عنها أنها قالت: كانت إحدانا إذا حاضت، فأراد رسول الله أن يباشرها أمرها أن تأتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، وأضافت إلى ذلك: وأيكم يملك إربه.. وروي هذا المضمون عن ميمونة أيضًا»([8]).

والحديث رواه الصدوق بسنده عن عبيد الله بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد الله  عن الحائض: ما يحل لزوجها منها؟ فقال: «تتَّزر بإزار إلى الركبتين، وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار».

وذكر عن أبيه «أن ميمونة كانت تقول: إن النبي -صلى الله عليه وآله-كان يأمرني إذا كنت حائضًا أن أتَّزر بثوب ثم أضطجع معه في الفراش»([9]).

والحديث صححه المجلسي؛ حيث قال: «وذكر الصدوق في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله  أنه ذكر عن أبيه  أن ميمونة كانت تقول: إن النبي -صلى الله عليه وآله- كان يأمرني إذا كنت حائضًا أن أتزر بثوب ثم اضطجع معه في الفراش»([10]).

يقول الخوئي معلقًا على الحديث: «وبإزاء هذه أخبار صحيحة وغيرها واردة بمضمون أن المرأة تتَّزر بإزار إلى الركبتين، وتخرج سرّتها، ثمّ له ما فوق الإزار، ومقتضاها عدم جواز الاستمتاع بها بما بين الركبتين والسرّة، وعن ميمونة زوجة النبيّ ص أنها في حيضها كانت تتّزر بما بين الركبتين وسرتها، ثمّ كانت تضاجع الرّسول ص»([11]).

رابعًا: رواية عائشة ل دلالة على وسطية الإسلام:

اجتناب المرأة حال الحيض وعدم الاقتراب منها بالمطلق هو دين اليهود، الذي يقابله تساهل النصارى الذين لا يرون مانعًا من وطْءِ المرأة في هذه الحال، لكن الإسلام وسط بين الملل، فلم يوافق اليهود على تشددهم، ولا النصارى على تساهلهم، فأباح مباشرة المرأة والاستمتاع بها دون الفرج، اجتنابًا للأذى.

قال الطباطبائي: «وقد كان للناس في أمر المحيض مذاهبُ شتَّى: فكانت اليهود تشدد في أمره، وتفارق النساء في المحيض في المأكل والمشرب والمجلس والمضجع، وفي التوراة أحكام شديدة في أمرهن في المحيض، وأمر من قرب منهن في المجلس والمضجع والمس وغيره ذلك، وأما النصارى فلم يكن عندهم ما يمنع الاجتماع بهن أو الاقتراب منهن بوجه، وأما المشركون من العرب فلم يكن عندهم شيء من ذلك، غير أن العرب القاطنين بالمدينة وحواليها سرى فيهم بعض آداب اليهود في أمر المحيض، والتشديد في أمر معاشرتهن في هذا الحال، وغيرهم ربما كانوا يستحبون إتيان النساء في المحيض، ويعتقدون أن الولد المرزوق حينئذ يصير سفَّاحًا ولوعًا في سفك الدماء، وذلك من الصفات المستحسنة عند العشائر من البدويين.

وكيف كان فقوله تعالى: [فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَاءَ فِى ٱلْمَحِيضِ] {البقرة:222}، وإن كان ظاهره الأمر بمطلق الاعتزال على ما قالت به اليهود، ويؤكده قوله تعالى ثانيًا: [وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ]، إلا أن قوله تعالى أخيرًا: [فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ]، ومن المعلوم أنه محل الدم -قرينة على أن قوله: فاعتزلوا ولا تقربوا، واقعان موقع الكناية لا التصريح- والمراد به الإتيان من محل الدم فقط، لا مطلق المخالطة والمعاشرة، ولا مطلق التمتع والاستلذاذ.

فالإسلام قد أخذ في أمر المحيض طريقًا وسطًا بين التشديد التام الذي عليه اليهود، والإهمال المطلق الذي عليه النصارى، وهو المنع عن إتيان محل الدم والإذن فيما دونه»([12]).

اقرأ أيضا| د. رامي عيسى: طلب الرزق من غير الله شرك أعظم من شرك المشركين الأوائل

([1]) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (3/440).

([2]) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، شمس الدين الكرماني (9/166).

([3]) الخلاف، الطوسي (1/226 -228).

([4]) فقه القرآن، قطب الدين الراوندي (1/54).

([5]) قال صادق الحسيني الشيرازي: «الجماع في الفرج، وهو حرام على الرجل والمرأة ولو بمقدار دخول الحشفة فقط، ولو دون أن ينزل المني، بل الأحوط وجوبًا ألا يدخل حتى أقل من الحشفة أيضًا، وألا يطأ المرأة الحائض في دبرها، ولكن لا إشكال في سائر الاستمتاعات كالتقبيل والملاعبة وما شابه». (المسائل الإسلامية ص١٩٤)

وقال الخوئي: «أمَّا الاستمتاعات غير الوطء في الدُّبر كالتقبيلِ والتفخيذِ والضمِّ ونحوها فالمعروفُ جوازها، ويدلُّ عليه جملة من الرّوايات الواردة في أن للرجل ما بين أليتيها ولا يوقب، أو أن له أن يأتيها إذا اجتنب ذلك الموضع، أو له أن يأتي حيث شاء ما اتَّقى موضع الدم أو ما دون الفرج إلى غير ذلك ممَّا ورد في الرِّوايات، ومقتضاها جواز الاستمتاعِ بالزوجة في حيضها في غير فرجها». التنقيح في شرح العروة الوثقى (7/360).

([6]) أنوار الفقاهة - كتاب الطهارة، حسن كاشف الغطاء (ص250).

([7]) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي (6/447).

([8]) دراسات في الحديث والمحدّثين، هاشم معروف الحسني (ص266).

([9]) من لا يحضره الفقيه، الصدوق (1/99).

([10]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، المجلسي (2/31).

([11]) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي (7/360).

([12]) الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (2/208).


لتحميل الملف pdf

تعليقات