قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)] {التحريم:1-4}.
فذكروا أن من أفْشَتَا سرّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتظاهرَتَا عليه هما حفصة وعائشة، وفيهما آيات سورة التحريم([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: عائشة وحفصة مع النبي ق في الجنة.
فقد أخرج الترمذي وحسنه([2]) وصححه الألباني([3]) أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إِن هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنيَا وَالْآخرَةِ».
وكان عمار بن ياسر ا يحلف ويقول: «إن عائشة ل زوجة رسول الله في الدنيا والآخرة»([4]).
ثانيًا: إفشاء السر وقع من حفصة فقط بإجماع المفسرين.
وذلك أنها رأت النبي مع مارية في فراشها من ثقب الباب، فقال لها: «إني حرمت مارية على نفسي فاكتميه ولا تفشيه»، فذهبت حفصة وبشّرت عائشة بذلك، ومن مزيد فرحها اشتبه عليها الأمر، فظنت أن الذي أمرت بكتمانه هو ما رأته من الشق لا التحريم، وقد عُدَّ ذلك الإفشاء من حفصة معصية وتابت عنها، وما ذكرناه ثابتٌ أيضًا في تفسير (مجمع البيان) للطبرسي أحد علماء الإمامية([5]).
ثالثًا: الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياته
وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن عليها؛ لأنها من طبائع النساء، ولم يغضب رسول الله من غيرتهن.
رابعًا: إن كان قد وقع منهما ذنب فقد تابتا منه
بتقدير: أن يكون هناك ذنبٌ لعائشة وحفصة، فقد تابتا منه، وهذا ظاهر لقوله تعالى: [ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ ] {التحريم:4}.
فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يُظن بهما أنهما لم تتوبا، مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا نبيِّنا في الجنة، وأن الله خيَّرهُن بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ ولذلك حرَّم الله عليه أن يتبدَّل بهن غيرهن، وحرم عليه أن يتزوج عليهن، ومات وهو راضٍ عنهن، وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن.
ثم قد تقدَّم أن الذنب يُغفر ويُعفى عنه بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة، وأما الزيغ فهو في هذه المسألة ليس زيغًا عن الإسلام إلى الكفر كما قال العظيم آبادي: «[فَقَدْ صَغَتْ ] زَاغَتْ وَمَالَتْ [قُلُوبُكُمَا ۖ] عَن الْحَقِّ وَعَن الْوَاجِبِ فِي مُخَالَصَةِ رَسُولِ اللهِ مِن حُبِّ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكْرَهُهُ»([6]).
خامسًا: الشيعة في هذا إما أهدى من النبي ق وإما على ضلالة.
فالرسول ق لم يُطلِّقْهُما بعدما علم ذلك منهما، بل أقرَّ زواجهما منه، وحاشاه أن يقر ببقائهما ولا يطلقهما إن كان الأمر يستحق ما ينفخ فيه الرافضة؛ لأنه يلزم من هذا الطعن بالنبوة، وأن الرسول لم يطلق من تستحق الطلاق.
فلو كان منهما ما يوجب الكفر لطلقهما فلا يجوز للمسلم
-فضلًا عن النبي - أن يمسك بعصم الكوافر، وأن يجعل في ذمته الكافرات المشركات؛ لقوله تعالى: [وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ] {الممتحنة:10}.
قال القمي في تفسيره سورةَ الممتحنة عند قوله تعالى: [وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ]: «عن أبي جعفر قال: من كانت عنده امرأة كافرة، يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته، وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها»([7]).
بل العكس من ذلك، فقد عاملهن بكل لطف كما قال ناصر مكارم الشيرازي: «وكان تعامل الرَّسول ص معهن على العكس من ذلك تمامًا، إلى الحدِّ الذي لم يذكر لها السرَّ الذي أفشته كاملًا لكيلا يحرجها أكثر، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه»([8]).
سادسًا: لم يمنع الحق عمر أن يقول: «هما عائشة وحفصة»
وذلك عندما سئل عن معنى هذه الآية، فلو كانت الآية فيها مثلبة لهما، أكان عمر سيفضح ابنته؟
اقرأ أيضا| بسؤال واحد.. رامي عيسى ينسف عقيدة الإمامية (فيديو)
([1]) تفسير القمي ط.حجرية (ص:340)، ط. حديثة (2/375-376)، الصراط المستقيم، البياضي (3/168-169)، وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (2/457)، إحقاق الحق، التستري (ص:308)، تفسير الصافي، الكاشاني (2/716-717)، البرهان، البحراني (1/320)، (4/352-353)، الأنوار النعمانية، الجزائري (4/336-337).
([2]) سنن الترمذي، ت شاكر (5/704).
([3]) صحيح وضعيف سنن الترمذي، الألباني (8/380).
([4]) صحيح البخاري (9/56).
([5]) السيوف المشرقة ومختصر الصواعق المحرقة، محمود شكري الآلوسي (ص575).
([6]) عون المعبود وحاشية ابن القيم، العظيم آبادي (10/127).
([7]) تفسير القمي (2/344).
([8]) تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي (18/297).
لتحميل الملف pdf