قدّم الدكتور رامي عيسى، الباحث في الشأن الشيعي، لقاءه السادس ضمن سلسلة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مستهلاً بترحيبه : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا»، قبل أن يؤكد استمرار هذه السلسلة الهادفة إلى عرض أبرز المواقف والدروس من سيرة خير البشر.
وفي هذا اللقاء، تناول الدكتور عيسى مرحلة مهمة من تاريخ الدعوة الإسلامية، لحظة اشتداد المعارضة القرشية تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مذكّرًا بما حدث في الحلقة الماضية عندما أرسلت أشراف قريش وفدًا إلى أبي طالب يضم عتبة وشيبة وأبا سفيان وأبا البختري والأسود بن المطلب وأبا جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم، ليطلبوا منه منع النبي عن الدعوة، بحجة أنه «عاب دينهم، وسفّه أحلامهم، وضلل آباءهم».
وقد ردّ عليهم أبو طالب ردًا ليّنًا، وصرفهم بكلمات رقيقة دون أن يتخلى عن نصرة ابن أخيه.
وسلط الدكتور رامي عيسى الضوء على موقف لافت للوليد بن المغيرة، الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستمع للقرآن، فلامس الكلام قلبه ورقّ له، كما أورد الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأضاف أن أبا جهل حاول إثناء الوليد، مدعيًا أن قريشًا تريد جمع المال له حتى لا يتبع محمدًا، غير أن الوليد أنكر حاجته للمال، قبل أن يطلب منه أبو جهل أن يُعلن موقفًا سلبيًا من النبي ليرضي قومه.
ونقل الدكتور عيسى وصف الوليد للقرآن قبل أن يغيّر موقفه تحت الضغط، إذ قال: «والله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى، وإنه ليحطم ما تحته».
ثم بعد تفكير، قال: «هذا سحر يؤثر»، فنزل قوله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: 11].
وأكد الباحث أن قريشًا اتفقت عند هذه اللحظة على وصف النبي بالساحر، وبدأ شيوخها يجلسون في طرقات الحج لتحذير الناس منه، وكان من أشدهم عداوة: أبو لهب وأبو جهل.
وعرض الدكتور رامي عيسى رواية الإمام أحمد والحاكم عن ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه، الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز ينادي: «يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا».
وكان الناس يتزاحمون دون أن يستمع أحد، بينما يتبعه رجل «أحول، وضيء الوجه، ذو غديرتين»، يقول: «إنه صابئ كاذب»، وهو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
وأضاف الباحث أن روايات أخرى ذكرت أن أبا جهل كان أيضًا يفعل ذلك، يحثو التراب على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم».
وأشار إلى أن ابن كثير رجّح أن كليهما كان يتناوب إيذاء النبي.
وأوضح الدكتور عيسى أن هذا الاضطراب والدعاية المعاكسة لم تمنع انتشار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت سببًا في خروج العرب من الموسم وهم يتحدثون عنه وعن دعوته، الأمر الذي دفع أبا طالب للخوف من أن تتكاثر الخصومات حول النبي.
فقال أبو طالب قصيدته الشهيرة التي استجار فيها بحرم مكة، وأعلن فيها تمسّكه بالدفاع عن النبي وعدم تسليمه مهما اشتد الخطر، مؤكدًا لقومه أنه لن يخذل ابن أخيه حتى يهلك دونه.
لتحميل الملف pdf